الأزمة في اليمن: من يحارب من؟
لندن – (بي بي سي):
مزقت الحرب اليمن، إحدى أكثر الدول العربية فقرا، منذ بدأت الصراعات بين الحكومة المعترف بها دوليا بقيادة الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي وأولئك المتحالفين مع الحركة الحوثية المتمردة.
ومنذ مارس 2015، قُتل اكثر 6800 شخص وأُصيب 35 ألف شخص آخر، وقد قتل أغلبهم جراء القصف الجوي للتحالف الذي تقوده السعودية لدعم الرئيس اليمني.
وأدى الصراع والحصار الذي فرضه التحالف إلى كارثة إنسانية، تركت نحو 80% من سكان اليمن في حاجة ماسة إلى المساعدات الانسانية.
كيف اندلعت الحرب؟
وتمتد جذور الصراع في اليمن إلى الفشل في إتمام الانتقال السياسي الذي كان من المتوقع أن يحدث استقرارا في البلاد عقب قيام الانتفاضة التي اجبرت الرئيس المستبد الذي حكم البلاد لعقود عديدة، علي عبد الله صالح، على تسليم السلطة لنائبه هادي في نوفمبر 2011.
وحاول هادي جاهدا التعامل مع مجموعة من المشكلات، أبرزها هجمات تنظيم القاعدة في اليمن، والحركة الانفصالية في الجنوب، واستمرار موالاة عدد كبير من قيادات الجيش اليمني للرئيس السابق علي عبد الله صالح، فضلا عن الفساد، وارتفاع معدل البطالة، وغياب الأمن الغذائي.
واستغلت حركة الحوثيين، التي تنتمي إلى طائفة الشيعة الزيديين في اليمن والتي خاضت غمار تمردات عدة ضد الرئيس السابق صالح، ضعف الرئيس هادي للسيطرة على مناطقهم في شمال البلاد في محافظة صعدة والمناطق المجاورة لها.
واستجاب العديد من اليمنيين ومن ضمنهم سنة، إلى مزاعم الانتقال السياسي التي كان الحوثيون يرددنوها، وساندوهم في اجتياح العاصمة صنعاء في 2014، وإقامة معسكرات ووضع حواجز في طرق المدينة.
وفي يناير عام 2015، عزز الحوثيون وجودهم المسلح في العاصمة اليمنية، حاصروا القصر الرئاسي والمناطق الحيوية، ووضعوا الرئيس هادي ووزارته قيد الإقامة الجبرية.
وتمكن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من الفرار إلى مدينة عدن جنوب البلاد.
وحاول الحوثيون والقوات الأمنية الموالية لصالح إحكام السيطرة على عموم البلاد، ما أجبر الرئيس هادي إلى الفرار خارج البلاد في مارس 2015.
وشنت المملكة العربية السعودية وثمان دول أخرى ذات أغلبية سنية حملة جوية تستهدف إعادة حكومة هادي إلى حكم البلاد، مدفوعة بمخاوفها من بروز هذه الجماعة التي يُعتقد أنها مدعومة عسكريا من القوة الشيعية في المنطقة، إيران.
وتلقى التحالف دعما لوجستيا واستخباراتيا من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا.
ما الذي حدث منذ ذلك الحين؟
وبعد أكثر من عام ونصف من القتال، لا يبدو أن أحد الخصمين قد اقترب من تحقيق الانتصار في هذه الحرب.
ونجحت قوات الجيش الموالية للحكومة، المؤلفة من جنود موالين لهادي مع مقاتلين من القبائل السنية في اليمن وانفصاليين من الجنوب، في منع المتمردين من السيطرة على عدن، لكن بعد قتال ضاري استمر لأربعة أشهر وخلف مئات القتلى.
من يسيطر على اليمن؟
وبعد الحصول على موطأ قدم على ساحل عدن في أغسطس الماضي، دخلت قوات التحالف البرية المدينة ونجحت في طرد الحوثيين وحلفائهم من أغلب المناطق في الجنوب على مدار شهرين. وعاد عبد ربه منصور هادي وحكومته من المنفى، وأسسوا مقرا مؤقتا لهم في المدينة.
وعلى الرغم من الضربات الجوية للتحالف والحصار البحري الذي استمر على مدار العالم الماضي لم تتمكن القوات الموالية للحكومة من طرد المتمردين من معاقلهم القوية في الشمال، بما في ذلك العاصمة صنعاء، والولايات المجاورة لها.
كما ظل الحوثيون قادرين على فرض حصار على مدينة تعز جنوب البلاد، واطلاق الصواريخ والقذائف عبر الحدود مع السعودية بشكل يومي تقريبا.
واستغل مسلحون إسلاميون متطرفون من تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية ونظراؤهم الموالون لتنظيم الدولة الإسلامية الفوضى التي تعم اليمن للسيطرة على مساحة من الأراضي في الجنوب اليمني، وصعدوا هجماتهم على مدينة عدن التي تخضع لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.
ما هو التأثير على المدنيين؟
يتحمل المدنيون في اليمن العب الأكبر في القتال ويصبحون باستمرار ضحايا لما يصفه ناشطون بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي من قبل كل أطراف الصراع.
وحتى مطلع أكتوبر الجاري قتل 4125 شخصا من المدنيين وجرح 7207 أشخاص في اليمن، حسب إحصائيات الأمم المتحدة.
ومع إشارة إحصائيات سابقة إلى أن نصف سكان اليمن في سن يقل عن 18 سنة، وبلغت نسبة الأطفال بين ضحايا الحرب في السنة الأولى من الصراع حوالي الثلث.
وأدى الدمار الذي حل بالبُنى التحتية المدنية والقيود المفروضة على واردات الغذاء والوقود إلى حرمان 21 مليون يمني من السلع الضرورية والخدمات الأساسية.
وتقول الأمم المتحدة إن 3.1 مليون يمني قد نزحوا بعيدا عن بيوتهم ، بينما يعاني 14 مليونا من نقص في امنهم الغذائي ويواجه 370000 طفل، بعمر أقل من خمس سنوات، خطر الموت جوعا.
وثمة أكثر من 1900 منشأة صحية، من إجمالي 3500 منشأة صحية، قد توقفت عن العمل أو تعمل جزئيا، الأمر الذي ترك نصف السكان من دون خدمات رعاية صحية كافية.
لماذا فشلت جهود السلام؟
وظهر شعاع من الأمل في انطلاق الجولة الثانية من المحادثات بوساطة الأمم المتحدة بين جانبي الصراع، والتي بدأت في الكويت في إبريل 2016، وابدى كل من الحوثيين والسعوديين رغبة في التفاوض بعد ان تعرض كلاهما على ما يبدو الى ضغوط.
لكن المفاوضات انهارت تماما بعد ثلاثة أشهر، ما أدى إلى تصاعد حدة الصراع وخلف زيادة هائلة في أعداد الضحايا من المدنيين بحسب الأمم المتحدة .
وتقول حكومة هادي إن العملية السياسية لا يمكن تفعيلها إلا من خلال تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2216 الذي يطالب المتمردين بالانسحاب من جميع المناطق الخاضعة لسيطرتهم وتسليم أسلحتهم..
لماذا يجب أن يهم ذلك بقية العالم؟
ويمكن ان يؤجج ما يجري في اليمن التوترات الإقليمية في المنطقة بشكل كبير. كما أنه يشكل مصدر قلق للغرب بسبب تهديد هجمات التي من المحتمل أن تنتشر من هذه البلاد كلما ازدادت الاضطرابات فيها.
وتعتبر أجهزة المخابرات الغربية تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية من أخطر الجماعات المسلحة في المنطقة، نظرا لما لديه من خبرات فنية وقدرات تقنية وقدرة على الوصول إلى مواقع في مختلف أنحاء العالم لتنفيذ هجمات، علاوة على مخاوف تلك الأجهزة الغربية من ظهور عناصر تنظيم الدولة في اليمن في الفترة الأخيرة.
ويرى البعض الصراع بين الحوثيين والحكومة المنتخبة جزءا من صراع إقليمي أكبر بين إيران، ذات الأغلبية الشيعية، والسعودية ذات الأغلبية السنية.
واتهمت دول الخليج إيران بتوفير الدعم العسكري والمالي للحوثيين، وهو ما تنفيه طهران في الوقت الذي يدعمون هم فيه الرئيس هادي.
وتكمن الأهمية الاستراتيجية لليمن في إطلالها على مضيق باب المندب، وهو مضيق يربط البحر الأحمر بخليج عدن تمر عبره أغلب شحنات النفط في العالم.
فيديو قد يعجبك: