لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

عنكبوت "ذكر" يُضحي بحياته في سلوك نادر من أجل الآخرين

10:13 ص الثلاثاء 06 ديسمبر 2016

نوع من العناكب يمكن أن يضحي بحياته من أجل الحفاظ

لندن – (بي بي سي):
لم يثبت في أيٍ من أنواع العناكب التي خضعت لدراسة العلماء وجود عنكبوتٍ ذكر يبذل جهداً من أي نوع لمساعدة نسله. لكن دراسات جديدة أشارت إلى أن عنكبوتاً برازيلياً شهد تحوراً جعله بمثابة "أبٍ حنون"، وهو أمر غير معهود من قبل لدى ذكور العنكبوت.

تبدو حياة أنثى العنكبوت من نوع "مانوغيا بوريشا" شاقةً على نحو استثنائي. فبيئة الغابات التي تعيش فيها تغص بالحيوانات المُفْتَرِسة لها، إلى حد أن الكثير من هذه الإناث يهلك وهو يدافع عن بيضه، وذلك قبل وقت طويلٍ من حلول الموعد المناسب لفقس هذا البيض.

لكن ذلك لا يعني بالضرورة حرمان العناكب الصغيرة من الحماية، فـ"الآباء يتقدمون" هنا لتحمل عبء القيام بواجبات الرعاية التي يُفترض أن يؤديها الأب والأم.

ويمثل هذا كشفاً فريداً من نوعه بحق؛ مع أنه قد يبدو غير مثير للاهتمام. فرغم وجود آلافٍ من أنواع العناكب المنتمية لفصيلة "حائكو الشباك الدائرية"، فإن عنكبوت "مانوغيا بوريشا" فريدٌ من نوعه فيما يتعلق بمشاطرة ذكوره لإناثه في واجبات العناية بالصغار، مثلما يحدث في تلك الحالة التي تحدثنا عنها.

فعادة ما تتبع عناكب فصيلة "حائكو الشباك الدائرية" قواعد محددة بدقة نسبياً، فيما يتعلق بالأدوار التي يضطلع بها ذكورها وإناثها، مثل مشاركة الصغار في نسج الشباك. ولكن الذكور تكف عن ذلك عند وصولها إلى مرحلة النضج الجنسي، لتبدأ في أن تهيم على وجوهها.

ويقول رافييل خيوس مورا من جامعة أوبرلانديا الاتحادية في منطقة ميناس جيرايس البرازيلية: "تبدأ ذكور العناكب في التحرك هنا وهناك بحثاً عن فرص تزاوج. وعادة ما تنجذب إلى شباك الإناث المستعدة للتزاوج، وتؤدي طقس مغازلة، في صورة هز هذه الشباك، بعدما تغزوها".

وإذا لم تهلك الذكور أو تُؤكل من قبل إناثها خلال عملية التزاوج هذه، تبحث ذكور العناكب عن شريك تزاوج جديد.

ويضيف مورا بالقول: " في نهاية المطاف، تُستهلك الذكور المنتمية لغالبية الأنواع". بل إن ذكور بعضها تضحي بأنفسها عمداً لمنح إناثها دعماً غذائياً مُرحباً به، قبل أن تتولى هذه الإناث مهمة حماية البيض. لكن ذكور نوع "مانوغيا بوريشا" لا تتبع هذه القواعد.

فالذكر من هذا النوع يبقى على مقربة، حتى بعدما يجد أنثاه ويُتِمُ عملية التزاوج معها. بينما تنسج الإناث شباكها أفقياً لا رأسياً.
في المقابل، تنسج الذكور شباكاً أفقية مماثلة فوق شباك إناثها بسنتيمترات قليلة، وذلك في خطوة من شأنها تأكيد وتعزيز التزامها بمساعدة الإناث. بعد ذلك، تضع الأنثى كيس البيض في المسافة الفاصلة بين بيتها وبيت الذكر، كما لو كان هذا الكيس حشوة بين طرفيّ شطيرة.

وبحسب العلماء، فإنه لم يُسمع من قبل بوجود ذكورٍ عناكب من فصيلة "حائكو الشباك الدائرية" تتصرف على هذه الشاكلة.
وقد عكف مورا وزملاؤه على دراسة هذه العناكب خلال موسم التكاثر في مسعى للتعرف على السبب الذي يحدو بذكورها للتصرف على ذلك النحو شديد الغرابة.

ويقول مورا في هذا الشأن: "لحسن الحظ، اكتشفنا تجمعاً (من عناكب هذا النوع) يعيش بأعدادٍ وفيرة قرب الجامعة".

وكشفت هذه الجهود البحثية، التي نُشرت في دورية "أنيمال بيهافيُر" (سلوك الحيوان)، عن عددٍ من المفاجآت.

ففي بداية موسم التكاثر؛ كان هناك تساوٍ تقريباً بين أعداد الذكور والإناث. لكن بمرور الأسابيع، هوى عدد الإناث تدريجيا، بينما ظل نظيره بين الذكور ثابتاً بشكلٍ ما، وهو أمرٌ نؤكد من جديد أنه غير معهود بين العناكب من فصيلة "حائكو الشباك الدائرية".

ويقول مورا: "عادة ما تعيش إناث العناكب لفترةٍ أطول من ذكورها. في واقع الأمر، ليس لديّ علم بأي حالات أخرى لذكور تزيد أعمارها على أعمار الإناث" بخلاف ما هو حادث في فصيلة "مانوغيا بوريشا".

وأجرى مورا وزملاؤه الباحثون تجارب شملت إبعاد الذكور أو الإناث، أو كليهما، من الشباك التي تحتوي على أكياس بيض.

واستهدف ذلك التعرف على أثر وجود العناكب البالغة في الشباك على بقاء البيض على قيد الحياة.

ولم يكن مفاجئاً أن تكشف هذه التجارب عن أن وجود الأنثى بجانب البيض يعزز من فرص بقائه. لكنها أظهرت كذلك أن من شأن وجود الذكور أيضاً التأثير بشكل إيجابي في هذا الصدد.

وكشفت التجارب نفسها عن أن احتمالات بقاء البيض على قيد الحياة وفقسه تزيد إذا ما كان هناك عنكبوت ذكر بمفرده بجوار الكيس، مُقارنةً بما تكون عليه إذا ما كانت الشباك خاليةً تماماً من أي عنكبوت بالغ.

ويشير ذلك إلى أن ذكر عنكبوت "مانوغيا بوريشا" يضطلع بدورٍ نشط في حماية البيض، خاصةً إذا ما كانت الأنثى قد هلكت أو سقطت من الشباك.

وقد أكدت بعض التجارب التي جرت في المختبرات هذا الأمر، إذ وجد العلماء أن ذكور العناكب - الموجودة بمفردها في الشباك بجانب أكياس البيض - تشن هجمات شرسة ضد الكائنات المُفْتَرِسة التي تدنو من هذه الأكياس لخطف البيض، حتى وإن كانت تلك الهجمات قد تفضي في نهاية المطاف إلى هلاكها هي نفسها.

ويقول مورا إن "عدد الشباك التي تحتوي على ذكور عناكب تُعنى بأكياس البيض زاد على نحوٍ متسارع خلال موسم التكاثر".

وتفيد هذه النتائج مجتمعة بأن هذا النوع من العناكب يتكاثر على نحوٍ فريد من نوعه. فمخلوقاته تتزاوج حينما تصل إلى مرحلة البلوغ، وهو ما يتلوه وضع الإناث للبيض.

وفي مرحلة ما، تختار الذكور البقاء على مقربة. وقد يرجع ذلك إلى أن غريزتها تخبرها بأن إناثها قد لا تبقى على قيد الحياة لفترةٍ كافية للاعتناء بالبيض. وهكذا، ففي اللحظة التي تختفي فيها الإناث - إذا ما حدث ذلك - تقع المسؤولية كاملةً على الذكور للاعتناء بالبيض والدفاع عنه، لحين فقسه أو هلاك الذكور المُدافعة عنه.

وتبدو نتائج التجارب التي أجراها هؤلاء العلماء مُقنعة؛ حسبما تقول ليندا رايُر من جامعة كورنيل بمدينة إيثكا في ولاية نيويورك الأمريكية.

وأعربت رايُر عن اعتقادها بأن تلك التجارب توفر أدلةً جيدةً للغاية على أن وجود ذكور العناكب من هذا النوع يشكل أمراً مفيداً لبقاء البيض على قيد الحياة. وأضافت بالقول: "ما يثير الاهتمام هنا كون هذا السلوك نادراً للغاية بين العناكب، وفي أوساط (طائفة) العنكبوتيات على نحو أكثر عمومية".

وقد عاينت هذه الباحثة العناكب المنتمية إلى نوع "مانوغيا بوريشا" بنفسها، عندما زارت الجامعة التي يعمل بها الباحث مورا في عام 2015.

وتعتقد رايُر أن موقع الشباك التي ينسجها هذا النوع من العناكب، والتي تقع على بعد بضعة سنتيمترات فوق ركام أوراق أشجار الغابات الكثيفة، ربما يكون قد أسهم في تشكيل ذاك السلوك الغريب الذي تُقْدِمْ عليه تلك المخلوقات.

وتقول في هذا الشأن: "هناك عددٌ هائلٌ من الحيوانات المُفْتَرِسة (للعناكب في هذه المنطقة). لا أعرف ما إذا كان الأمر يتعلق بركام أوراق الأشجار أو أنه يرتبط بشيءٍ ما يخص البرازيل نفسها".

ومن المرجح أن تشكل مجموعة من العناكب الصيادة، تنتمي لفصيلة "ماماتيدي" وتتغذى على مثيلاتها من العناكب، مشكلةً لا يُستهان بها في هذا الصدد.

وتقول رايُر إن عناكب هذه الفصيلة تُعرف باسم "العناكب الصيادة"، وتشير إلى أنها تتسم بالخطورة فيما يتعلق بافتراس أنواعٍ أخرى من العناكب. وتضيف بالقول: "الجميع يعلم أن هذه العناكب الصيادة تهاجم غيرها من العناكب، ولكنني أشعر بأنه لا يتسنى لأحدٍ أن يرى أعداداً كبيرةً منها، غير أنه من الواضح أنها موجودةً بكثرة حقاً في هذه البيئة".

ويبدو أنه صار لدى تلك العناكب الصيادة تفضيلٌ خاص لمذاق إناث نوع "مانوغيا بوريشا". وربما يعود ذلك إلى كبر حجم تلك الإناث أو احتواء أجسامها على نسبة أكبر من المواد الغذائية المفيدة. وهنا يتساءل مورا وزملاؤه عما إذا كانت تلك الإناث تحتوي على كمياتٍ من الدهون، تفوق تلك التي تحتوي عليها أجسام الذكور.

وفي كلا الحالتين، أجبر هذا الوضع ذكور الـ"مانوغيا بوريشا" على التخلي عن الرغبة في إشباع حاجتها الملحة للتسكع هنا وهناك بحثاً عن فرصٍ أخرى للتزاوج كما تفعل غالبية أترابها من ذكور أنواع فصيلة "حائكو الشباك الدائرية". وبدلاً من ذلك، مكثت ذكور هذا النوع من العناكب قريبةً من إناثها بغرض الاعتناء بالبيض.

ويعتبر مورا أن الدور الذي تلعبه ذكور تلك العناكب لضمان إبقاء البيض وما بداخله على قيد الحياة يشكل أمراً "مثير للإعجاب" وكان بمثابة "مفاجأة" في الوقت ذاته.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان