أكرم شعبان يكتب عن لقاء "السفير الإسرائيلي "
بقلم – أكرم شعبان*:
كانت تلك واحدة من أصعب المقابلات التي أجريتها في حياتي.. والأسباب كثيرة.. أولها شخصية الضيف المثيرة للجدل في مصر، وتوقيت المقابلة، الذى جاء فى خضم جدل حامى فى مصر بخصوص تلبية السفير لدعوة النائب توفيق عكاشة، على العشاء في منزل الأخير.. ومكان المقابلة، وهو مقر السفارة الإسرائيلية الحصين فى أحد أحياء القاهرة، وحسابات ما بعد المقابلة ردود فعل، خاصة مع تلا زيارةَ عكاشة، من هجوم قاس في الشارع والبرلمان ووسائل الإعلام!
أمور كثيرة جالت بخاطري وأنا أعد نفسى لهذه المقابلة بعد وصول الموافقة النهائية من قبل مسئولي السفارة! هم رأوا ردود الفعل العنيفة والساخنة على دعوة العشاء - التي جرت في منزل عكاشة في مدينة السادس من أكتوبر، وليس في بيته الريفي كما ذكرت وسائل الإعلام المصرية - ويبدو أن الجانب الإسرائيلي حرص على استغلال الزخم، الذى أحدثته هذه الزيارة، بالحديث لوسائل الإعلام لشرح موقفه، وربما توصيل رسائل معينة.
البي بي سي هي الجهة الإعلامية الوحيدة العاملة في مصر التي تملك القدرة والجرأة على إجراء مثل هذا الحوار، فى مثل هذا التوقيت، والمكان، بسبب مهنيتها، وموضوعيتها، وحياديتها.. فلا مصلحة لنا سوى في الحقيقة ونقل كافة جوانب القصة، ووجهات النظر المختلفة لجمهورنا الذى يزداد اتساعا في مصر..
لا أنكر أنني تحسبت لرد الفعل، لكنى كنت مقتنعا بشدة بأننا نفعل الصواب، بإعطاء فرصة لطرف في قضية ساخنة، طرف لن يجرؤ أحد غيرنا على الاقتراب منه.
يعلم المذيعون عموما أن أصعب المقابلات هي تلك التي تكون مع دبلوماسي، فما بالك لو كان السفيرُ سفيرَ إسرائيل في القاهرة، الرجل الذى يُقال هنا في مصر على نطاق واسع إنه عمل في الموساد، رغم أنه نفى لي ذلك نفيا قاطعا.
توقفنا لساعتين عند مدخل الشارع المؤدى للسفارة في الحي الهادىء الراقي، حتى يتحقق الأمن المصري من بياناتنا وهوياتنا.. كانوا لطفاء للغاية ومتعاونين معنا لأقصى مدى.. رافقونا حتى باب السفارة، ليستقبلنا الأمن الإسرائيلي، ونمر بأجسامنا ومعداتنا عبر أجهزة كشف المتفجرات، ويُخرج كل منا محتويات جيوبه للفحص الدقيق.. حتى القلم، فتحه رجل الأمن الإسرائيلي وكتب به على يده، ليتأكد من أنه قلم، وليس سلاحا أو جهاز تصوير أو تسجيل، أو هكذا تصورت، ربما بسبب مشاهدتي للكثير من أفلام الجاسوسية.
في الداخل استقبلنا مسئولو السفارة بكل ترحاب، وقدموا لنا الشاي، وبينما كان فريق العمل يجهز مسرح المقابلة، دار حديث ودى طويل بيني وبين أحد المسئولين في السفارة الذين شاركوا في زيارة منزل توفيق عكاشة! الرجل أخبرني أن الطعام كان كثيرا ومتنوعا بشكل أذهله هو شخصيا، وإن إحدى الإعلاميات المعروفات كانت موجودة هناك.. كان لطيفا للغاية، ومبتسما طوال الوقت، وبدا أنه يتحلى بروح دعابة مشابهة لتلك التى لدى المصريين، وذكر لي نكتة ضحك عليها كل من كان في المكان.
بعد تجهيزات استمرت نحو ساعتين، حضر السفير وأصر على الحديث بالإنجليزية لأنه يشعر بالراحة والثقة أكثر بالتحدث بها! باءت محاولاتنا لإقناعه بالحديث بعربيته الركيكة بالفشل، فاتفقت معه على توجيه أسئلتي بالعربية، على أن يجيب هو بالإنجليزية، وإن أراد توضيحا لسؤالي بالعربية، فأوضحه له بالإنجليزية وهو ما حدث بالفعل..
سارت الأمور على ما يرام على مدى أكثر من ثلاثين دقيقة، حاولت فيها سؤاله عن كل شيء يتعلق بما جرى مع السيد عكاشة، والعلاقات المصرية الإسرائيلية.. السفير كان متجاوبا لأقصى مدى، وتقبل كل أسئلتي بصدر رحب، وبعضها كان به كثير من الإلحاح.. انتهى اللقاء، وقفنا لالتقاط بعض الصور بناء على طلب من مسئولة الإعلام بالسفارة، وسلمنا باليد، قبل أن أباغته بسؤال مباشر، بدافع من حب الاستطلاع الشديد، عما إذا كان عمل في الموساد في السابق، قلت له مبتسما، أنكرت ذلك أمام الكاميرا، فهل تنكره بعيدا عن الكاميرا؟ ابتسم ابتسامة عريضة، ورد قائلا: لا.. نحن أناس عاديون فقط! عند ذلك، كان على أن أنهى المقابلة بشكره، والتوجه بسرعة نحو الباب خارجا من المبنى، الذى دخلته لأول مرة في حياتي، وربما لآخر مرة.
أكرم شعبان: مدير مكتب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في القاهرة
فيديو قد يعجبك: