لماذا تحيي السعودية نفوذ منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة؟
(بي بي سي):
اجتمع محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية، مع مريم رجوي، زعيمة منظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة، مساء السبت الماضي بعد ثلاثة أسابيع من حضور الأمير تركي الفيصل ، رئيس الاستخبارات السعودية السابق، تجمع حضره أنصار المنظمة في العاصمة الفرنسية باريس.
يشير تعاقب الحدثين ربما إلى إرادة تهدف إلى إبراز مكانة المنظمة الإيرانية وتسليط الضوء عليها في ظل تراجع نفوذها وتأثيرها في أوساط المعارضة الإيرانية؛ بعد أن فقدت شعبيتها منذ ثمانينيات القرن الماضي إثر مشاركتها في الحرب العراقية الإيرانية واتخاذها مواقف مؤيدة لبغداد.
بذلت بي بي سي جهودا حثيثة بغية التواصل مع مسؤولين في مكتب الرئيس الفلسطيني دون جدوى في سبيل الرد على أسئلتنا بشأن اجتماع عباس مع رجوي، في الوقت الذي لم تصدر فيه أي تصريحات إعلامية من جانب المسؤولين الفلسطينيين تفصح عن أسباب الزيارة.
منظمة إرهابية
وكانت "مجاهدي خلق" أدرجت منظمة على مدار ثلاثة عقود على قائمة المنظمات الإرهابية لدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهي متهمة بالضلوع في أعمال قمعية مارسها نظام صدام حسين ضد معارضيه، وبالطبع لم يخف ذلك عن عباس بصفته واحدا من أقدم الأعضاء في حركة فتح، ذات التاريخ الطويل في التعاون مع منظمة مجاهدي خلق.
ودأبت حركة فتح على تدريب عناصر المنظمة في مخيماتها وقواعدها في لبنان منذ سبعينيات القرن الماضي.
وبعد الثورة الإيرانية شارك أعضاء من فتح يقيمون في العراق مع مسلحي المنظمة في معارك خلال الحرب على إيران، أبرزها معركة "الثريا" التي مكنت المنظمة من السيطرة على بلدة مِهران الإيرانية خلال الأسابيع الأخيرة قبل انتهاء الحرب عام 1988.
وقابلت شخصيا أعضاء من فتح في لبنان شاركوا في تلك المعارك وأَرَوْنِي آثار إصاباتهم بالرصاص.
واستمرت عملية التواصل بين فتح ومنظمة مجاهدي خلق بعد الحرب الإيرانية العراقية في شكل تصريحات متبادلة من جانب مسؤولي كلتا المنظمتين الداعمتين لبعضهما بعضا.
لكن يبدو أن لقاء عباس ورجوي هو الأول من نوعه منذ توليه رئاسة السلطة، إذ يثير الظرف الزمني الراهن أسئلة لا يمكن تجاهلها. كما أثارت طريقة تعامل مكتب عباس بشأن اللقاء وعدم الإدلاء بأي تصريحات بشأنه بعض الشكوك، وأن ذلك ربما يحدث في ظل ضغوط.
وشارك سبعة نواب من البرلمان المصري في تجمع مجاهدی خلق في باريس، الذي عقد في التاسع من يوليو الماضي، وحاولنا الاتصال بهم دون جدوى، ومنهم من رفض الإدلاء بتصريحات باستثناء نائبة رفضت استكمال الحديث بعد سؤالي لها عن سبب حضور تجمع نظمته منظمة تبدو أنها لا تعرفها جيدا ولا تعرف حتى اسم زعيمتها، فضلا عن أنها ترغب في عدم الإعلان عن حضورها فيه رغم أنه حظي بتغطية إعلامية واسعة.
وتعقد منظمه مجاهدي خلق تجمعا سنويا في باريس، لكن التجمع الأخير كان الأكثر لفتا للأنظار بسبب حضور الأمير تركي الفيصل الذي ألقى خطابا شديد اللهجة معارضا فيه النظام الإيراني.
واعتقد بعض المراقبين أن حضور الأمير تركي ودعمه لمنظمة مجاهدی خلق ليس موقفا ممثلا للحكومة السعودية، في حين اعتقد آخرون أن حضوره لا يمكن أن يكون دون تنسيق مع الحكومة السعودية أو الديوان الملكي.
واستند المراقبون إلى مؤشرات كان من أبرزها التغطية الإعلامية الواسعة للتجمع من جانب السعودية، فعلى سبيل المثال تناولت صحيفتا "الشرق الأوسط" و"الحياة" خبر تجمع مجاهدی خلق في باريس كعنوان رئيسي لصفحتهما الأولى يوم التاسع من يوليو 2016 ووصفتا مريم رجوي بزعيمة "المعارضة الإيرانية"، كما أشارت الصحيفتان إلى عدد المشاركين في التجمع بأنه 100 ألف شخص، وهو عدد يثير شكوك بعض الإعلاميين بشأن مدى صحته.
وعندما راجعت سلمان الدوسري، رئيس تحرير صحيفة الشرق الأوسط، بشأن وصف مريم رجوي بأنها زعيمة المعارضة الإيرانية، والحقيقة أنها مجرد زعيمة إحدي المنظمات المعارضة العديدة، كان رده أنه أولى أهمية خاصة لهذا الحدث نظرا لأن التجمع هو الأكبر بالنسبة للمعارضة الإيرانية حتى الآن.
وأضاف أن المنظمة التي تستطيع حشد مئة ألف مشارك من مؤيديها في مكان واحد ليست منظمة عادية كباقي المنظمات الأخری.
وقال الدوسری إن قرار إعطاء أولوية للخبر في صحيفته جاء بعد استشارة اثنين من الخبراء في الشؤون الإيرانية يتعاونان مع الصحيفة.
وأكد لي أمير طاهري، الصحفي الإيراني المخضرم وأحد خبراء الشؤون الإيرانية لصحيفة الشرق الأوسط، أن أحدا لم يستشره في الموضوع على الإطلاق.
كما نهجت قناه "العربية " نفس النهج أثناء تغطيتها لتجمع باريس ووصفت مريم رجوی بالخطأ كزعيمة المعارضة الإيرانية، وهو ما قد يشير إلى احتمال وجود نوع من التنسيق بين وسائل الإعلام السعودية فيما بينها.
ولا يملك الأمير تركي أسهما في مؤسسات إعلامية، كما أنه لا ينهض بأي دور في إدارتها، لذا فإذا افترضنا جدلا وجود نوع من التنسيق بين تلك المؤسسات، فإن هذا التنسيق المفترض يخضع - فيما يبدو - لنفوذ أكبر من نفوذ الأمير تركي نفسه، وهو ما ينطبق على لقاء عباس ورجوي وحضور نواب مصريين تجمع مجاهدي خلق، فالأمر ربما يخضع لضغوط وإرادة تهدف إلى إحياء المنظمة الإيرانية من جديد بعد فقد نفوذها.
وتدعم إيران وبشكل علني منظمات مسلحة تتعارض مع المصالح السعودية في المنطقة، وهو ما تندد به دائما التصريحات السعودية منتقدة المسؤولين الإيرانيين، ومن ثم فمن المفترض أن تدعم السعودية من جانبها منظمات معارضة لإيران دون الجهر بهذا الدعم كما تفعل طهران.
ولكن يبرز سؤال بشأن مدى علاقة السعودية بمنظمة مجاهدی خلق على نحو يعزز دعمها رغم شعبيتها الضعيفة داخل الأوساط الإيرانية وبين الدول الأوروبية والولايات المتحدة؟
ونشير هنا إلى تصريحات أدلى بها متحدث رسمي باسم وزارة الخارجية الفرنسية بعد تجمع باريس واصفا أهداف المنظمه بأنها "غير ديمقراطية وموالية للعنف" وأن أعمالها عبارة عن "حملات إعلامية تهدف إلى نشر معلومات كاذبة".
فيديو قد يعجبك: