اليوم العالمي للراديو: هل هناك مستقبل للإذاعة مع هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي
(بي بي سي)
مع احتفال العالم باليوم العالمي للراديو في الثالث عشر من فبراير/شباط من كل عام، يطرح سؤال بعينه كل مرة، ألا وهو: هل ستبقى الإذاعة وسيطا إعلاميا، وهل سيظل لها دور في عصر وسائط التواصل الاجتماعي التي أخذت تشغل اهتمام معظم الناس هذه الأيام؟
وهذا هو العام السادس ليوم الإذاعة العالمي. وقد اعتادت منظمة التربية والعلم والثقافة (يونسكو) تبني موضوع معين يكون هو محور الاحتفال كل عام. فطرحت من قبل - مثلا - المساواة بين الجنسين، وتمكين المرأة، والشباب، والإذاعة في أوقات الطوارئ والكوارث.
أما محور عام 2017 الذي اختارته المنظمة فهو "مشاركة الجمهور"، رافعة شعار "أنتم الإذاعة".
وربما يكون دافع اليونسكو وراء اختيار هذا المحور هو انخراط الجماهير أكثر فأكثر في مواقع التواصل الاجتماعي التي سعى بعضها إلى خطف دور الإذاعة بإضافة ملمح البث الصوتي المباشر، بعد انتشار تجربتها في البث المرئي المباشر.
وبعد مرور أكثر من 100 عام على أول بث إذاعي، لا يزال الراديو وسيطا إعلاميا مهما في أنحاء العالم كافة. ولم ينحسر دوره أو ينزوي.
فقد بسط الراديو سلطانه، ليس فقط عبر الأثير، بل على الفضاء الافتراضي أيضا، فأصبح بإمكان جماهيره الاستماع إلى مئات المحطات الإذاعية دون حاجة إلى مذياع، عبر الإنترنت، ومن خلال تطبيقات على أجهزة الهواتف الذكية، والأجهزة الإلكترونية المحمولة.
بل أفاد الراديو ذاته من ثورة التكنولوجيا الرقمية إلى حد كبير: إذ جعلت تلك التكنولوجيا أدوات الإذاعة والتسجيل أصغر، وأخف وزنا، وأسرع أداء، وأرخص سعرا. كما خلقت ثورة في طرق تسجيل الأصوات والموسيقى، والتحكم في نوعيتها وسهولة سبل التعامل معها في المونتاج.
تميز الراديو
وبالرغم من توسع رقعة وسائط التواصل الاجتماعي بين الأفراد بعد انتشار الهواتف الذكية في معظم بقاع الأرض، مع من يستطيع تحمل تكلفة الإنترنت وخط الهاتف، فلا يزال الراديو أكثر وسائل الإعلام إتاحة للناس في سهولة ويسر وبأقل تكلفة. فبعد اختراع الأجهزة التي تشحن يدويا ولا تحتاج إلى بطاريات، وتلك التي تشحن بالطاقة الشمسية، أصبح جهاز الراديو متاحا في كل مكان، وأخذت الإذاعة تتسلل معه إلى أرجاء جديدة.
وقد تكون طبيعة الراديو ذاتها أحد العوامل التي هيأت له البقاء حتى الآن، وستكفل له طول العمر في المستقبل.
فهو وسيط يمنحك حرية تخيل وتصوير ما تسمعه. إذ يمكنك رسم تصور للمذيع أو المذيعة في ذهنك في الصورة التي تحلو لك، ورسم صورة للأحداث التي تنقل إليك في رأسك بحرية يفتقدها مشاهدو التليفزيون.
وإن كان الراديو يكلم الملايين، في القرى والمدن والبلدات، والأقطار، فإنه في الوقت ذاته يتكلم إليك أنت وحدك، فأصواته موجهة إليك، تتسلل إلى رأسك عبر أذنيك لتظل بداخلك فيكون تأثيرها أكبر.
فهو أداة شخصية، أما التليفزيون فوسيلة جماعية، إذ عادة ما يشاهده الناس جماعاتٍ.
ويتميز الراديو بالسرعة في نقل الحدث المباشر، فالإذاعي لا يحتاج فيه إلا إلى جهاز تسجيل وميكروفون. وليس أمام الراديو حدود، فإشاراته تبلغ الجبال والمحيطات، والريف والحضر، وهو لذلك وسيلة مهمة للتقارب بين الثقافات.
ويستطيع مستمعو الراديو الاستماع إليه وهم منهمكون في أداء عمل آخر، على نقيض التليفزيون والصحف، ووسائل التواصل الاجتماعي.
ويتميز الراديو بميزة أخرى، هي أن عدته الوحيدة في التواصل هي الصوت البشري بما يحمله من لكنة مميزة لكل مذيع، وما فيه من دفء، وعاطفة، وغضب، وألم، وضحك أحيانا، وما يطرأ عليه من تردد، وتوقف، وبطء أو إسراع، وعلو أو انخفاض في الصوت.
والراديو وسيط إعلامي يمد متلقيه بالمعلومات، ووسيلة تعليم، وتسلية. وهو يستخدم في الحروب، وحالات الكوارث، وفي السجون، لتبادل المعلومات، وإبلاغ البيانات، والترفيه والتسلية.
وتعمل الإذاعة على إعلامنا وتغيير أحوالنا عن طريق برامجها الترفيهية والإخبارية، وكذلك البرامج الحوارية التي تُشرك فيها المستمعين. فلا يشعر الإنسان الذي يملك مذياعاً بالوحدة أبداً، بل يشعر دائماً بوجود صديق له في الإذاعة.
إحصاءات
لكن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، فتراهم فرادى منعزلين، ينكب كل منهم على جهازه، حتى وإن كان يجلس بين أهله، فاقدا التواصل مع كل من يحيط به.
ومن مميزات الراديو التي قد لا ينافسه فيها وسيط آخر -كما يقول خورخي ألباريز رئيس الأكاديمية الأسبانية للراديو- تخطيه للحدود، ووصوله بحرية، وبسعر زهيد، إلى نواحي العالم المختلفة.
ويشير ألباريز إلى علماء أعلام في تاريخ ذلك الجهاز، كان منهم الألماني هاينريش هيرتس، والإيطالي غوليلمو ماركوني، والبريطاني أوليفر لودج، والأسباني سيرفيرا بافيرا، ثم الهندي شاندرا بوز، ممن ساهموا في اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية، واختراع أجهزة التلغراف اللاسلكي التي مهدت لظهور جهاز الراديو.
الراديو والحقيقة
وكان جهاز الراديو على مدى السنوات الماضية، وسيطا شارك في توحيد الجماهير، وربما كان هذا هو الدافع وراء استغلال الحكومات التسلطية له في الماضي من أجل السيطرة على الناس. وهو يختلف في ذلك أيما اختلاف عن مواقع التواصل الاجتماعي، التي ربما تؤدي إلى الفرقة بين الأفراد أكثر من الجمع بينهم.
ومن يتابع تلك المواقع - التي كان الهدف الأساسي من وراء إنشائها هو تعضيد التواصل بين مستخدميها - يجد أنها أضحت منابر فردية يستغلها الأفراد، أو بعض الجماعات، لبث مبادئهم وآرائهم، وكل منبر منها في شقاق مع الآخر.
ولا تزال محطات الإذاعة في مجملها تحرص على التدقيق في المعلومات التي تقدمها لجماهير المستمعين، وتتحرى الصحة والحقيقة. أما مواقع التواصل الاجتماع - التي يغيب فيها دور المحرر، أو رئيس التحرير، أو المراجع والمدقق - فأصبحت منابر لإثارة العواطف لدى الناس، دون اهتمام بالحقيقة أو الحرص عليها.
ولهذا السبب استغلها أصحاب المبادئ المهيجة لعواطف الجماهير، ممن يعرفون باسم "الشعبويين". وكان هذا اتجاها جليا في الحملات التي سبقت استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحملة الرئيس الأمريكي رونالد ترامب، وحملات اليمينيين المتشددين في أوروبا التي لما تزل دائرة حتى الآن.
وكم كان المطرب العراقي عزيز علي موفقا في منولوجه المشهور "الراديو"، الذي لخص فيه معظم خصائصه وسيطا إعلاميا ينقل الأخبار، ويفضح الأسرار، ويعلم، بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فجعله ركنا من أركان الديمقراطية.
فيديو قد يعجبك: