قصة أشهر قلعة اسكتلندية دافع عنها المقاتل الأسطوري "ويليام والاس"
(بي بي سي):
قلعة ستيرلينغ ليست فقط واحدة من أكبر قلاع اسكتلندا وأكثرها شهرة، بل هي إحدى أكثر القلاع أهمية ورمزية في تاريخها.
تعاقب الإنجليز والاسكتلنديون على السيطرة على قلعة ستيرلينغ لعدة مرات عبر التاريخ، إذ حوصرت ثماني مرات في تاريخها. ومع نهاية حرب الاستقلال الاسكتلندية الأولى عام 1328، استطاع قادة اسكتلندا استردادها، إذ أمر ملك اسكتلندا في ذلك الوقت، روبرت ذا بروس، بتدمير دفاعات القلعة حتى لا يتمكن الإنجليز من إعادة احتلالها.
لكن دور قلعة ستيرلينغ في مثل هذه الأحداث التاريخية لم يتوقف. فبعد ذلك بسنوات قليلة، أصبحت المقر الباذخ لأسرة ستيوارت الملكية، بمن فيهم الملكة ماري، ملكة اسكتلندا بعد ذلك، والملك جيمز.
والآن، أصبحت هذه القلعة إحدى أشهر أماكن الجذب السياحي في إدنبرة، فقد زارها عام 2015 نصف مليون زائر، وتظهر صورة أسوارها على ورقة العشرين جنيها استرلينيا في اسكتلندا.
رمز قديم
ورغم شهرة هذه القلعة في التاريخ الاسكتلندي، إلا أن تاريخها يعود إلى ما قبل ظهور البلاد ككيان سياسي. وربما شيدت أسوارها الأولى قبل ثلاثة آلاف عام.
ويعتقد أن مملكة محلية، ربما كانت تتبع قبيلة "فوتاديني" السلتية، قد شيدت هذه القلعة على جبل قبل ألفي عام، وتقول السجلات التراثية إن الرومان حصنوا الموقع الجبلي في القرن الأول الميلادي. ويقال أيضا إن كينيث ماكالبين، المعروف بأنه "أول ملك لاسكتلندا" قد حاصر القلعة في القرن التاسع الميلادي.
لكن شأنها شأن الروايات التي تقول إن قلعة ستيرلينغ كانت مقر عرش الملك آرثر، تعتبر المزاعم المتعلقة بالملك ماكالبين (الذي ربما حتى لم يكن اسكتلنديا) أقرب إلى الخرافة منها إلى الحقيقة.
مقر إقامة ملكي
تُظهر السجلات التي تعود إلى عام 1110 أن الملك ألكسندر، ملك اسكتلندا آنذاك، كان يدفع أموالا لصيانة مُصلى العبادة بالقلعة، كدليل رسوخ علاقة العائلة الملكية بتلك القلعة. وفي نفس الوقت تقريبا، شُيدت المباني والساحات ضمن الأسوار القديمة القائمة وأعمال الحفر التي تحيط بها.
ولا بُدّ أن أعمال البناء والتشييد الجديدة قد أقيمت لتناسب ملكا من الملوك، إذ أن الملك ألكسندر نفسه توفي في القلعة عام 1124. وفي منتصف القرن الثاني عشر، باتت القلعة مركزا إداريا رئيسيا للبلاد.
وكان الجميع، من الرومان والسلتيين، والاسكتلنديين، لهم انجذاب دائم لقلعة ستيرلينغ بسبب موقعها المتميز بدرجة رئيسية. فالقمة الصخرية للقلعة تكونت في البداية من ثورة بركان قبل 350 مليون عام.
وفي الألفيات التي تلت ذلك، دُفنت تلك الحمم تحت الجليد والحجر الرملي. وكغيرها من أراضي اسكتلندا الغريبة، يعود الشكل الحالي لتلك الصخرة إلى نهاية العصر الجليدي الأخير قبل حوالي عشرة آلاف سنة. وعندما انحسرت طبقات الجليد، كشفت عن الارتفاع الذي عليه الصخرة الآن.
في تقاطع الطرق
المكان الذي تنتصب عليه الصخرة، التي شيدت القلعة فوقها، ينطوي على أهمية استراتيجية كبيرة، إذ يمر بها التقاطع بين منطقة الهايلاندز (شمال اسكتلندا) في الشمال والغرب، وفورث فالي، نزولا إلى إدنبرة في الجنوب الشرقي. وكل من بنى حصنا في هذا المكان سيمتلك السيطرة والرؤية لتقاطع الطرق بين المنطقتين.
وسيكون أيضا باستطاعته مراقبة الجسر المستخدم كثيرا فوق نهر فورث، وهو نقطة عبور مهمة بين منطقة الهايلاندز (شمال اسكتلندا) وجنوب اسكتلندا. كان هذا سببا كبيرا في لعب القلعة ذلك الدور الأساسي في الحروب والنزاعات المختلفة.
وكانت حروب استقلال اسكتلندا من أكثر هذه النزاعات شهرة. ففي أواخر القرن 13، كان جون ملك اسكتلندا أقل استجابة مما هو متوقع لمطالب ملك إنجلترا إدوارد الأول.
وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما تفاوض الملك الاسكتلندي على اتفاقية مع فرنسا ضد إنجلترا، فسارع إدوارد باجتياح قلعة ستيرلينغ والسيطرة عليها.
لكن أبناء اسكتلندا بقيادة محاربيهم الأسطوريين، ويليام والاس، وأندرو موراي، تمكنوا من استعادة القلعة في موقعة جسر ستيرلينغ الشهيرة.
ويرى الناظر من قلعة ستيرلينغ الساحة التي دارت فيها تلك المعركة، وصولا إلى نصب والاس الوطني، وهو عبارة عن برج حجري أُقيم تخليدا لبطل الحرب الاسكتلندي.
لكن انتصارهم هذا لم يستمر، فبعد هزيمة ساحقة في موقعة فالكيرك، تنازل الاسكتلنديون عن القلعة للإنجليز من جديد. وحاصرت القوات الاسكتلندية، بقيادة روبرت ذا بروس، الذي أصبح فيما بعد ملكا على الاسكتلنديين، القلعة ونجحت في استعادتها.
وبحلول عام 1303، عاد المد والجزر من جديد، إذ تمكن الإنجليز هذه المرة من الانتصار في هذا الصراع، رغم أنهم لم يتمكنوا بعد من السيطرة على القلعة.
وجاء إدوارد، الملك الإنجليزي، لسحق ما تبقى من الجيش الأسكتلندي، فاتحاً القلعة من جديد عام 1304. لكن عندما مات إدوارد عام 1307، حاصر روبرت ذا بروس قلعة ستيرلينغ في محاولة لاستعادتها للأبد.
وعندما توجهت التعزيزات الإنجليزية إلى الشمال لمحاولة مساعدة الحامية الإنجليزية، وتأمين القلعة، قابلت في طريقها قوات الملك روبرت ذا بروس.
وتُوج ذلك اللقاء بمعركة بانوكبيرن عام 1314. وقد أُبيد فيها الجيش الإنجليزي، الذي غاص في أرض موحلة بين بانوكبيرن ونهر فورث. وقد خُلدت المعركة فيما يُعرف بالنشيد الوطني الاسكتلندي غير الرسمي.
لكن حتى بعد أن فكك الملك روبرت ذا بروس دفاعات القلعة للحيلولة دون تمكن الإنجليز من السيطرة عليها مجددا، لم تختف قلعة ستيرلينغ من ذاكرة التاريخ. فبعد أن وضعت حروب الاستقلال الاسكتلندية أخيرا أوزارها في أواسط القرن الرابع عشر، بدأ الملك روبرت الثاني بترميم القلعة.
واستمرت الملكيات الاسكتلندية المتعاقبة في إعادة تشكيل القلعة وما حولها حسب الحاجة. وأحد البنائين الطموحين كان الملك جيمس الثالث (1460-1488)، الذي ربما كان هو من وضع حجر الأساس للقاعة الكبرى التي مازال بإمكانك رؤيتها هذه الأيام.
وإلا أن من جاءوا بعد جيمس هم من أضفوا على القلعة منظرها الحالي. وفي مسعى من الملك جيمس الرابع لمنافسة معاصريه، من أمثال ملك إنجلترا هنري السابع، شيد مبنى الملك القديم كمقر لإقامته، إلى جانب القاعة الملكية الكبرى.
وبعد إجراء ترميم حديث للقلعة الكبرى في عام 1999، أثار اللون البرتقالي الشاحب المستخدم في الطلاء حالة من الجدل، لكنه عمليا كان محاولة لإعادة ألوان القاعة التي كانت عليها في القرن السادس عشر إبان حكم الملك جيمس الرابع.
وتولى الملك جيمس الخامس العرش في 1513، وكان له فيما بعد برنامج بناء خاص به. فقد بنى القصر الباذخ، كما يظهر في الصور، كمقر لإقامته مع زوجته، وهي فرنسية من النبلاء اسمها ماري أوف جايز، والدة ماري ملكة الاسكتلنديين.
ملوك صغار
وقد جرت مراسم تتويج الملكة الاسكتلندية ماري وهي رضيعة في سن تسعة أشهر، في قلعة ستيرلينغ في عام 1543، وهو المكان الذي قضت فيه الملكة الوليدة سنوات حياتها الأولى.
وهو أيضا المكان الذي عادت إليه لتربية ابنها، الذي تُوج بوصفه الملك جيمس السادس. كما أن الجسر، الذي مازال يربط بين القاعة الكبرى وغرف ماري الخاصة، شُيّد بناء على طلبها، حتى يوفر لها وصولا سهلا للقاعة الكبرى لتعميد الأمير الرضيع.
وتبقى قلعة ستيرلينغ هذه الأيام رمزا صارخا للتاريخ الاسكتلندي، ووجهةً يعشقها الزوار من كل أرجاء العالم.
فيديو قد يعجبك: