لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

وظائف المستقبل بين تجسس المديرين ومنشطات تحسين الأداء

01:49 م الجمعة 12 يوليو 2019

تعبيرية

لندن (بي بي سي)

ليس من المستغرب أن تصبح الوظيفة الدائمة في عام 2019، حلما بعيد المنال للغالبية العظمى من الناس، إذ انتشرت الوظائف المؤقتة بمعدل غير مسبوق.

وتشير دراسات إلى أن نحو 57 مليون شخص في الولايات المتحدة و1.1 مليون شخص في المملكة المتحدة موظفون مستقلون يعتمدون على وظائف بعقود مؤقتة وقصيرة الأجل لسداد الفواتير الشهرية.

ونشرت الجمعية الملكية لتشجيع الفنون والصناعة والتجارة تقريرا قاتما، سلطت فيه الضوء على التحديات والفرص في أسواق العمل مستقبلا. وذكر التقرير أنه بحلول عام 2035، سيصبح أغلب العاملين في العالم محرومين من الأمان الوظيفي الذي تكفله عقود العمل طويلة الأجل، والأسوأ من ذلك، أن كل حركاتنا وسكناتنا في أماكن العمل ستخضع للمراقبة بعد أن أصبحت مليارات الأجهزة والأشياء التي نستخدمها في حياتنا اليومية متصلة بالإنترنت.

وتقول سارة ماكلنتوش، موظفة سابقة في متجر للبيع بالتجزئة عبر الإنترنت: "كان لزاما علي يوميا أن أسجل الحضور والانصراف عبر برنامج على الكمبيوتر، وأفصح عن أوقات الراحة، وحتى دخول المرحاض. وكانت الشركة تحصي الأنشطة التي أجريها يوميا مقسومة على ساعات العمل، ثم تخصم منها أوقات الراحة لتقدير الإنتاج اليومي".

وأشار تقرير أعده مجلس الاتحادات التجارية البريطاني، إلى أن 56 في المئة من الموظفين في المملكة المتحدة يعتقدون أن مديريهم يتجسسون عليهم. وهذا يشمل مراقبة استخدامهم للإنترنت وعدد الضغطات على مفاتيح الكمبيوتر وفحص كاميرات الويب، وحتى التحقق من أماكن تواجدهم وهوياتهم باستخدام أجهزة إلكترونية قابلة للارتداء وتقنية التعرف على قسمات الوجة.

انتشار الوظائف المؤقتة

ووضع تقرير الجمعية الملكية أربعة تصورات لسوق العمل بحلول عام 2035، أطلقت على أحدهم "اقتصاد الدقة المتناهية". وفي إطار هذا النموذج، ستكون الشركات قادرة على الاستفادة من البيانات التي تجمعها لحظة بلحظة بواسطة أجهزة الاستشعار من أجل تحقيق التخصيص الأمثل للموارد.

وسيزداد اعتماد الشركات على الموظفين المستقلين في قطاعات الرعاية الصحية والبيع بالتجزئة لتنفيذ مهام قصيرة الأجل. وستستغل الشركات وفرة أجهزة الاستشعار لمراقبة حركات الموظفين المستقلين. إذ ستستخدم أجهزة الاستشعار داخل المتاجر لجمع معلومات عن كثافة حركة الزبائن، بينما ستستخدم أجهزة قابلة للارتداء لتتبع تحركات العاملين، بما في ذلك الوقت المهدر وحركة البيع. وسيتستعين المديرون بهذه البيانات في مكافأة الموظف أو معاقبته، وتقييم مدى كفاءته في أداء المهام المكلف بها.

ويقول أشيم سينغ، مدير القسم الاقتصادي بالجمعية الملكية، إن هذا التصور المخيف ظهرت أماراته بالفعل في صورة جداول زمنية لتسجيل ساعات العمل وأجهزة مراقبة في المخازن ومراكز الاتصالات.

وتحكي بيثيا ستون عن تجربتها في العمل تحت المراقبة في شركة للعلاقات العامة كانت تطلب من موظفيها تسجيل أنشطتهم في برنامج الجداول الزمنية كل 15 دقيقة أو 30 دقيقة أو ساعة، وكانت بيئة العمل مشحونة بالقلق والضغوط. وعندما كانت ستون طالبة عملت في متجر للبيع بالتجزئة كان يُقيم الأداء بحسب عدد الأصناف التي يمررها البائع على جهاز المسح في الدقيقة، وقد يتعرض الموظف لإجراءات تأديبية في حال لم يسجل العدد المطلوب من الأصناف.

ويقول سينغ إن هذا النوع من الرقابة يزداد انتشارا، في ظل تفاوت أنظمة العمل، وزيادة معدل تنقل العاملين من وظيفة إلى أخرى بموجب عقود قصيرة الأجل، إذ أصبحت الشركات تعتمد على المراقبة أكثر من اعتمادها على أنظمة تسجيل الحضور والانصراف، وهذا قد يمثل خرقا للخصوصية والاستقلالية وتهديدا للصحة النفسية والشعور بالآدمية في عالم تسيطر عليه الآلة.

وأشار التقرير إلى أن أنظمة المراقبة ستلقى تأييدا من العمال الذين يعتقدون أنهم سيستفيدون من ارتباط الأجور بالأداء، وأن هذه الأنظمة ستتيح لهم فرصا للترقي وستعاقب بلا هوادة زملاءهم المتكاسلين الذين ينتفعون من الشركة.

ويقول سينغ، إن العالم الذي تصوره جورج أورويل في روايته "1984"، حيث تخضع التجارة والأعمال والسياسية وحتى الحياة الشخصية للرقابة والفحص والتقييم، سيكون هو المصير الحتمي لهذا النموذج الاقتصادي القائم على الرقابة والوظائف المؤقتة. ويرى أن التطور التكنولوجي سيمهد الطريق لهذا التحول.

رابحون وخاسرون

يقول كيث بيندر، أستاذ الاقتصاد بجامعة أبردين، إن الوظائف المؤقتة تعود ببعض المزايا على صاحب العمل والموظف. إذ تتيح لصاحب العمل تحديد عدد العمال بحسب الطلب على السلع، وفي الوقت نفسه تمنح العاملين حرية اختيار الوظيفة التي يؤدونها بنظام العمل المرن. لكن الوظائف المؤقتة لا تخلو من العيوب، منها أن الشركات تخسر ولاء الموظف، كما قد يضطر العامل لقبول وظائف غير مستقرة، دون ضمان الحد الأدنى لساعات العمل.

ويتوقع التقرير أن تظهر منصات للوظائف المؤقتة، تختار من خلالها الشركات العاملين الذين يثبتون كفاءة عالية في الوظائف السابقة، في حين أن الموظفين الأقل كفاءة سيضطرون للعمل في الوظائف الرتيبة، مثل المراقبة على المحتوى الرقمي.

وسيستفيد من نظام الوظائف المؤقتة العاملون الأكثر طلبا، كالممرضين والأطباء، لأنه سيتيح لهم تحقيق التوازن بين الحياة الأسرية والعملية وطلب أجور أعلى نظير العمل في الدوريات الليلية أو في عطلات نهاية الأسبوع. وقد يلجأ بعض العاملين بسبب المعايير الصارمة لأصحاب العمل إلى تناول عقاقير تنشيط الذهن وتحسين الوظائف المعرفية للدماغ.

وفي ظل هذا النظام، قد يترقى الموظفون الأصغر سنا سريعا، لكن على حساب زملائهم الأكبر سنا أو الذين تمنعهم ظروفهم من العمل بنفس القدر من المرونة.

ويقول بيندر إن الجيل الأكبر سنا قد يكون هو الخاسر في هذه المعادلة، لأنه لا يمكنه مواكبة التطورات التكنولوجية مقارنة بالجيل الأصغر سنا، ويرى البعض أن الجيل الأصغر سنا قد يكون أكثر عرضة للخطر مقارنة بالجيل الذي يسبقه بسبب عدم اهتمامه بالخصوصية.

لكن في النهاية، سيكون الأثرياء أقل تأثرا بنظام العمل غير المستقر لأنهم لديهم من المال ما يكفل لهم ظروف عمل مناسبة.

الإنهاك النفسي

يقول بيندر، إن دراسة تبعات الوظائف المؤقتة قد تدفعنا إلى إعادة تقييم هذه الظاهرة من جذورها. فإن انعدام الأمان الوظيفي مثلا قد يسبب الضغط النفسي الذي يعد من المشاكل النفسية التي تكلف مقدمي خدمات الرعاية الصحية مبالغ ضخمة.

وتقول ستون، إنه بغض النظر عن ساعات العمل الطويلة في شركة للعلاقات العامة، فإن فكرة مراقبة جميع أعمالها كانت تصيبها بالتوتر والقلق. لأنها كانت تخشى من أن يظن مديرها أن أداءها سيء.

وتقول كارلي ثومبسيت، التي كانت تعمل مساعدة إدارية في فريق مبيعات، إن صاحب الشركة كان يقرأ جميع الرسائل التي تتبادلها مع زميلتها. وتوترت العلاقات بينهما وبين المديرين حين شعرتا أنهما تعاملان كما لو كانتا طفلتين.

ولم يكتف المديرون بمراقبتهما عبر الإنترنت، بل تقول تومبسيت: "لم يغفلوا لحظة عن مراقبتنا أثناء العمل، حتى شعرنا أننا سجينتان".

ويقول ثيودوسيو، إن هذا النوع من المراقبة يجعل الموظف يشعر بالقلق والتوتر الدائم لأنه لا يعرف كيف يستخدم صاحب العمل هذه المعلومات التي جمعها رغما عنه.

ويحذر من أن المراقبة المتواصلة قد تُفقد الموظف القدرة على التحكم في أي شيء في مكان العمل وقد تؤدي إلى تدني أدائه. ويقول إن العمل في هذه البيئة يؤذي الموظفين بدنيا ونفسيا.

وتقول ناعومي كلايمر، نائبة رئيس الأكاديمية الملكية للهندسة، إن البعض يؤيد الرقابة على الموظفين لأنها تحسن الأمان وتساعد المدير على تقدير الموظف المجتهد، لكن يبدو أن أساليب تنفيذها في معظم الشركات تسبب الضغط النفسي وتؤثر على استقلالية الموظف وكرامته.

عقد اجتماعي

ينحي الناس باللائمة على الوظائف المؤقتة والموظفين المستقلين في زيادة المخاطر التي تواجهها الشريحة الأفقر في المجتمع. غير أن حجم تأثير الوظائف المؤقتة والرقابة المشددة على المجتمع سيعتمد في النهاية على مدى استعداد الحكومات واتحادات العمال لوضع أطر تنظيمية لحماية العمال المعرضين للخطر.

ويقول سينغ إننا بحاجة إلى عقد اجتماعي جديد، أو شبكة أمان تناسب القرن الحادي والعشرين، ونظام للضمان الاجتماعي لا يقل شمولا ولا جرأة عن تقرير بيفردج الذي أرسى قواعد نظام التأمين الاجتماعي والصحي منذ أكثر من سبعة عقود.

ويخوض ديفيد سبنسر، رئيس قسم الاقتصاد بكلية إدارة الأعمال بجامعة ليدز، نفس المعركة التي خاضها وينستون سميث ضد الأخ الأكبر في رواية 1984، ويرى أن الرقابة المشددة التي تفرضها الشركات على الموظفين لن تمر دون مقاومة.

ويقول سينغ، إن ثمة أمثلة عديدة للمقاومة، منها أن نقول لأصحاب العمل إنه ليس من المقبول الاستعانة بأجهزة إلكترونية لتتبع حركات عمال المخازن، أو أن نصّر على إعادة النظر في تشريعات حقوق الإنسان في ظل النظم الاقتصادية الجديدة.

ولكي يتحقق ذلك، علينا أن نتحد بطرق مبتكرة لضمان إيصال أصواتنا للجميع، وأن ننشيء المنتديات لمناقشة الجوانب الأخلاقية للذكاء الاصطناعي وأن نفضح الممارسات السيئة للشركات.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان