هربت من النازيين وهي طفلة لتصبح من أصحاب الملايين
لندن (بي بي سي)
في كل أسبوع تتناول سلسلة "ذا بوس" التي تقدمها "بي بي سي" شخصية أصحاب الأعمال البارزين من مختلف أنحاء العالم، وسنتحدث هذه المرة عن ستيفاني شيرلي، وهي رائدة في مجال الكمبيوتر.
تقول ستيفاني إن والديها بذلا قصارى جهدهما لحمايتها هي وأختها من أهوال النازيين، وتضيف: "لقد كانا يتعمدان استخدام كلمات أقل وطأة وحدة، فكانا يتجنبان قول إن الناس قد قتلوا، وكانا يقولان بدلا من ذلك إنهم فُقدوا."
ولدت ستيفاني في مدينة دورتموند الألمانية عام 1933 باسم فيرا بوشتال، لأب يهودي يعمل قاضيا.
وكان والدها يأمل أن تساعده صلاحيات منصبه على حماية عائلته، لكن عندما زادت حكومة ألمانيا النازية من وتيرة اضطهادها ليهود ألمانيا، فرت العائلة إلى العاصمة النمساوية فيينا.
لكن ذلك لم يمنح العائلة الحماية لوقت طويل، نظرا لأن ألمانيا النازية ضمت النمسا عام 1938، ليواجه اليهود في النمسا اضطهاداً أكبر، مما جعل والدي ستيفاني يقرران إرسالها هي وأختها الأكبر، رينيت، إلى خارج البلاد.
وفي يوليو 1939، قبل شهرين فقط من اندلاع الحرب العالمية الثانية، وضع الوالدان ستيفاني التي كان عمرها آنذاك خمس سنوات وأختها رينيت البالغة من العمر تسع سنوات في أحد القطارات التي تنقل الأطفال اليهود اللاجئين إلى بريطانيا.
تقول ستيفاني، التي تبلغ من العمر الآن 85 عاماً: "كنت أمسك يد أختي، التي كان يتعين عليها أن تعتني بي وبمشاكلها الخاصة في نفس الوقت".
وتضيف: "لقد كنت أشعر بالحزن والإحباط أكثر من شعوري بالخوف، لأنني لم أكن أعرف ما الذي يحدث بالضبط. ما زلت أتذكر بعض الأشياء العادية من مرحلة الطفولة مثل فقدان دميتي. وكان هناك طفل صغير يعاني من المرض طوال الوقت في القطار. لكننا كنا محظوظين للغاية".
وبينما يظن الكثيرون منا أنه ربما نجد صعوبة في التغلب على صدمة كهذه في سن الطفولة، تقول ستيفاني إن هذه التجربة منحتها تصميماً على النجاح مدى الحياة. وتقول: "ما زالت تلك البداية في حياتي تدفعني وتحفزني".
واصلت ستيفاني طريقها لتصبح رائدة من رواد صناعة الكمبيوتر وحقوق المرأة خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. وتمكنت من جمع ثروة قدرها 150 مليون جنيه إسترليني، تبرعت بمعظمها للأعمال الخيرية.
وقد تربت ستيفاني وأختها في كنف زوجين من ويست ميدلاندز (غرب وسط انجلترا) تصفهما بالقول: "لقد ربيانا كما لو كنا أبناءهما، وعملا على رعايتنا بطريقة مفعمة بالمحبة".
وقد تفوقت ستيفاني في المدرسة، خاصة في مادة الرياضيات، لدرجة أنها كانت تذهب إلى مدرسة البنين القريبة لحضور دروس الرياضيات لأن الدروس هناك لم تكن تدرس لنفس المستوى في مدرسة البنات التي التحقت بها.
وبعد المرحلة الثانوية كانت ستيفاني ترغب في دراسة الرياضيات في الجامعة، لكن ذلك لم يكن متاحا للفتيات آنذاك. لذلك اتجهت مباشرة للعمل، والتحقت بمحطة أبحاث مكتب البريد عام 1951. وغيرت اسمها الأول إلى ستيفاني في نفس الفترة الزمنية تقريباً.
وكانت محطة أبحاث مكتب البريد، ومقرها لندن، تقود جهود بريطانيا في تطوير واستخدام الحاسوب. وكانت ستيفاني واحدة من عدد قليل من الموظفات اللائي ساعدن على كتابة برامج الكمبيوتر، بما في ذلك برنامج جهاز الكمبيوتر "إرني" الذي كان يختار بشكل عشوائي الفائزين بجائزة السندات الحكومية الأعلى قيمة.
وتقول ستيفاني إنها أحبت عملها والتقت زوجها المستقبلي، ديريك شيرلي، ووقعت في غرامه، لكنها سئمت من التمييز على أساس الجنس في ذلك الوقت.
وتضيف: "لم يضعني رئيسي في العمل في اعتباره للترقية لأنني أنثى. وكان الرجال يقولون علناً إنهم لن يفكروا أبداً في منح امرأة عملاً أو وظيفة".
وتتابع: "لقد ضقت ذرعاً إلى أبعد حد بالتمييز على أساس الجنس، فقد كان ذلك موجوداً في كل مكان. اعتدت ألا أعطي أحدا الفرصة لكي يتحرش بي أو يمارس التمييز الجنسي ضدي. كما تعلمت أن أتجنب الاحتكاك بأشخاص معينين. وفي نهاية الأمر، لم أستطع التحمل وتركت العمل".
وفي عام 1962، تركت ستيفاني وظيفتها لتنشىء شركتها الخاصة التي أطلقت عليها اسم "فريلانس بروغرامرز" (مبرمجون غير متفرغين). وكان الهدف من الشركة تصميم وبيع أنظمة برمجيات للعدد المتزايد من الشركات التي كانت قد بدأت في تركيب واستخدام أجهزة كمبيوتر في عملها.
ومنذ اليوم الأول، تعهدت ستيفاني بأن لا توظف في شركتها إلا إناثاً فقط حيثما أمكن، وأن تعطى الأولوية للنساء اللاتي لديهن أطفال وفي أمس الحاجة للعمل، مع المساح لهؤلاء السيدات بالعمل من المنزل، كي يتسنى لهن التوفيق بين العمل والقيام بواجبات الأمومة. وكان ذلك بمثابة خطوات غير مسبوقة في بداية الستينيات من القرن الماضي.
وكان الرجال في محطة أبحاث مكتب البريد على قناعة بأن ستيفاني سوف تفشل.
وتقول عن ذلك: "لقد سخروا مني. في ذلك الوقت كانت البرمجيات متاحة بدون مقابل، لذلك كان محاولة بيعها فكرة جديدة. لذلك سخروا مني، خاصة وأنني امرأة. أنا أعتز دائما بنفسي، لذلك لم يعجبني ذلك منهم. لهذا كنت مصممة على الصمود".
وتحقق لها ما أرادت، حيث نمت وتطورت شركتها ليبلغ عدد موظفيها في ذروتها 4000 امرأة.
ومع ذلك، كان لا يزال هناك بعض التمييز على أساس الجنس. ففي بدايات تأسيس شركتها، كانت ستيفاني تبعث برسائل للإعلان عن العمل، ولم تتلق أي ردود. لذلك بدأت في توقيع رسائلها باسم "ستيف" بدلاً من "ستيفاني" شيرلي، وهكذا تلقت في الحال الكثير من الردود التي تستعلم عن طبيعة العمل.
وفي نهاية الأمر، أصبح باستطاعة الرجال الالتحاق بالشركة عام 1975، بعد إقرار قانون التمييز الجنسي البريطاني. تقول ستيفاني عن ذلك: "كنا نتيجة غير مقصودة لذلك القانون".
وأدارت ستيفاني شركة "فريلانس بروغرامز" لمدة 25 عاماً قبل أن تترك إدارتها لفريق إداري عام 1987. وبعد لذلك أدرجت الشركة في بورصة لندن، وتم تغيير اسمها إلى إكسانسا. وحصلت ستيفاني على لقب "دايم" عام 2000 تقديرا لخدماتها في مجال تكنولوجيا المعلومات.
تقول لويز أوليفر، رئيسة الرابطة البريطانية لسيدات الأعمال، إن ستيفاني "مصدر إلهام حقيقي. لقد أظهرت مرونة حقيقية وإبداعا، بالنظر لكونها امرأة في عالم من الرجال، خاصة خلال الخمسينيات من القرن الماضي".
وقد كرست ستيفاني حياتها للعمل الخيري، وخاصة في مجال التوحد، منذ أن تقاعدت من العمل في الشركة، خاصة وأن هذه القضية قريبة من نفسها على نحو خاص لأن ابنها الراحل جايلز كان يعاني من التوحد وتوفي عام 1998 وهو في الخامسة والثلاثين من عمره.
ومازالت ستيفاني، وهي في العقد التاسع من عمرها، تلقي خطابات بشكل منتظم أمام الجمهور عن ريادة الأعمال وحقوق المرأة والتوحد. وتقول إنها تعمل ست ساعات في اليوم على الأقل.
وتلخص رحلة حياتها بالقول: "بالعودة لبداياتي كلاجئة، أشعر حقاً بأنه كان يتوجب علي أن أبرر وجودي الشخصي، لذلك كنت مصممة على ألا أضيع حياتي سدى".
فيديو قد يعجبك: