لماذا يفضل البولنديون التحايل على القوانين؟
لندن (بي بي سي)
عندما شعر جدي اليهودي بأن النازيين أصبحوا قاب قوسين أو أدنى منه إبان الحرب العالمية الثانية، قرر الرحيل عن أوكرانيا إلى العاصمة البولندية وارسو، حيث يسهل الاختباء بين سكانها.
ولم يكد يصل إلى العاصمة البولندية، حتى رأى امرأة تبيع الخبز في المحطة المركزية تحت لافتة ضخمة تحذر بقتل من يبيع الخبز في هذه المنطقة.
وكتب جدي في مذكراته، أنه على عكس الأوكرانيين الذين يمتثلون للأوامر والنواهي دون نقاش، فإن أهل وارسو لا يلقون لها بالا. وكان جدي يرى أن هذا التناقض يدل على قدرة سكان وارسو الفائقة على المراوغة، أي الوصول إلى الهدف بأساليب نصف قانونية أو احتيالية.
إذ لا يكترث الشعب البولندي، ولا سيما سكان وارسو، للقواعد واللوائح، وهذا ينعكس على اللغة البولندية التي تزخر بالكثير من الكلمات التي تصف التحايل على القوانين، مثل "سفانياك" التي تعني مراوغ، و"زواتفيتش" التي تعني الاستعانة بالمعارف والحيل والأساليب غير القانونية للوصول إلى الهدف.
وينظر البولنديون للشخص الذي يمكنه التحايل على النظام لتحقيق مآربه وإنجاز مهامه، بعين التقدير والإعجاب.
وتقول مارتينا غوزدزيوك، رئيسة مؤسسة وارسو للهجات، إن كلمة "سفانياك" قديما كانت تصف الشخص الذي يمكنه تحدي صعوبات الحياة.
لكن تاريخ المدينة الحافل بالاضطرابات والحروب دفع سكانها إلى ابتكار حيل جديدة تساعدهم على البقاء على قيد الحياة.
وفي عام 1944، اشتعلت في وارسو ثورة ضد النازيين. رأى البعض أنها وئدت في مهدها، في حين أن الكثيرين يقولون إنها تثبت مدى استعداد سكان وارسو لحل مشاكلهم بأنفسهم دون الاعتماد على أحد، مهما كلفهم الأمر.
ورغم أن احتجاجات وارسو لم تحقق أهدافها، وأسفرت عن مقتل مئات الآلاف، كان أكثرهم من المدنيين، إلا أن أهل المدينة لا يزالون يحتفلون بذكراها كل عام تقديرا لشجاعة كل من شارك فيها وحماستهم والتضحيات التي قدموها للبلاد.
وقبل هذه الاحتجاجات، ظهرت حركة مقاومة في بولندا، وخاصة في وارسو، أثناء الحرب العالمية الثانية، وانتشرت شعارات عديدة تعبيرا عن المقاومة البولندية كان أبرزها شعار "الكوتويكا" المكون من الحرفين الأولين لشعار (بولندا المناضلة)، ولم يختف هذا الشعار حتى الآن من شوارع ومباني وارسو.
وانتشر أيضا شعار "السلحفاة" مصحوب بالحروف الأولى لعبارة (اعملوا ببطء)، لتشجيع البولنديين على تجاهل الأوامر وتخريب شركات النازيين وعرقلة أنشطتهم.
وفي غمرة الحرب العالمية، تعرضت وارسو لقصف جوي مكثف انهارت على إثره معظم مباني المدينة وغدت وارسو شبه مدمرة.
لكن هذه المحنة كانت بمثابة اختبار لصمود العاصمة البولندية. فقد أجبر القصف والدمار الكثير من سكان المدينة على الفرار منها، لكن أكثرهم عزيمةً قرروا العودة إلى مدينتهم وبذل قصارى جهدهم لبدء حياتهم من جديد وسط ركام المباني والمنازل المهدمة.
وتقول هانا دزيلينسكا، مرشدة سياحية في وارسو: "هؤلاء العائدون قد تسميهم مراوغين، كونهم حاذقين وماكرين كالثعالب، أو قد ترى أنهم أشخاص وطنيون ارتبطوا بمسقط رأسهم، فهذا يتوقف على نظرتك للأمور".
وقد خلفت الحرب دمارا واسعا في مدينة وارسو إلى حد أن السلطات البولندية كانت تدرس نقل العاصمة إلى مدينة أخرى، لأن إعادة إعمار مدينة مهدمة بالكامل سيتطلب مجهودا استثنائيا غير مسبوق.
لكن الشعب البولندي قرر أن يتصرف بنفسه دون الاعتماد على الحكومة، وتدفق البولنديون، ومنهم جدي، جماعات وفرادى على وارسو، تملأهم الحماسة لبناء المدينة من جديد. وبدأوا ببناء منازل جديدة على أنقاض القديمة لأنهم كانوا ببساطة يحتاجون لمساكن تؤويهم، رغم معارضة الحكومة.
وأخذت أعمال البناء والإعمار تنتظم تدريجيا في المدينة وسرعان ما دفعت السكان
هذا المحتوى من
فيديو قد يعجبك: