اليمن: فيروس كورونا في منطقة حرب
لندن (بي بي سي)
في مارس الماضي، كنتُ أمضي أيامي معتزلة في شقتي في لندن مثل كثير من الناس أستمعُ إلى أنباء خدمات الصحة الوطنية في بريطانيا والجهود المبذولة من أجل الحصول على الإمدادات الصحية الأساسية.
ومع ذلك، كنتُ مختلفة عن الآخرين لأنني لم أكن أفكر إلا باليمن.
رغم أنني بريطانية، إلا أن أصولي يمنية، وأقدم بانتظام تقارير عن اليمن لخدمات بي بي سي العالمية والإخبارية.
تساءلتُ مع نفسي: "إذا كانت بريطانيا تكافح من أجل التغلب على الأزمة، فكيف سيكون حال السلطات في اليمن؟".
اعتراني خوف على عائلتي وأصدقائي واليمنيين كلهم ، لكنني كنت أخشى أكثر على الوضع الصحي لجدتي السبعينية التي تنتمي إلى الفئات الأكثر عرضة لخطر الإصابة.
بدأتٌ أتصل كل يوم بشقيقتي التي تعيش في شمال اليمن لأسألها عما إذا كانت هناك أية حالات إصابة بكورونا.
ولكن في عز تخوفاتي ، كانت أختي، مثل كثيرين، في البلاد التي مزقتها الحرب، غافلة عن خطر كورونا المهدد.
كما أن سلطات الحوثيين في الشمال لم تعلن ولو حالة إصابة واحدة.
حاولت معرفة ما كان يحدث حقا في اليمن من لندن، لكن ذلك كان شبه مستحيل، إذ أن الحوثيين فرضوا قيوداً شاملة على جميع المناطق التي يسيطرون عليها فلم يتسرب منها أي خبر يخص كورونا.
بدلا عن ذلك، كان الحوثيون يبثون أشرطة فيديو دعائية حول كيفية تطهير الأحياء للحماية من الفيروس .
لكن عندما تحدثتُ إلى منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، علمت أن البلاد بأكملها لا تمتلك إلا 200 جهاز تنفس صناعي ، وقيل لي إن القوى العالمية هي التي اشترت جميع الإمدادات، وكان اليمن في مذيلة القائمة.
ناشدتها عبر الهاتف من لندن أن تصدق أنها في خطر، وتوسلت إليها كي تتوقف عن رؤية أي شخص، و تطبخ لنفسها وتبقى في شقتها وحدها.
لكن أصعب شيء بالنسبة لها كان رفضها استقبال أبناء عمومتي عندما أتوا لزيارتها. كانت تخبرهم: "سنلتقي بعد كورونا".
في هذه الأثناء، كنت قد جمعت مئات المشاركات من الفيسبوك تشرح كيفية تسبب كورونا في خسائر مهولة. إذ كان والدي في حداد على عشرات من أصدقائه الذين لقوا حتفهم وكنتٌ أتلقى أنباء عن مرض بعض من أفراد عائلتي بـ "أعراض الإنفلونزا" ووفاتهم بعد ذلك.
كنتُ أنتظر بفارغ الصبر ذهابي إلى اليمن لتوثيق ما كان يحدث.
ولكن مع توقف العالم، استغرق إيجاد طريقة للوصول أسابيع. وأخيراً، في تموز/يوليو الماضي، كنت على متن أولى الرحلات إلى اليمن منذ أن استهدفتها كورونا، وصلتُ إلى بلدتي صنعاء، فكانت مدينة في حداد.
فاوضتُ مدة أسبوعين للحصول على إذن لزيارة أحد المستشفيات، لكن كانت هناك مقاومة شديدة ضد التغطية الإعلامية. واستطعت أخيراً زيارة المستشفيات بمرافقة ستة أشخاص محسوبين على الحوثيين.
في أول مستشفى ذهبتُ إليه، لم يُسمح للطبيبة هناك بإخباري بالعدد الصحيح للوفيات، لكنها قالت إن المستشفى لا يملك ما يكفي من إمكانيات لمكافحة الوباء .
ورغم أن الشباب في معظم بلدان العالم هم أقل عرضة لمخاطر كورونا إلا أن الأمر ليس كذلك في اليمن.
قالت لي: "بدأنا نستقبل مرضى صغاراً في السن حقاً، عمرهم بين الخامسة والعشرين والأربعين.
"لم تكن لديهم مشاكلُ صحية من قبل، لكن حالتهم كانت تتدهور بسرعة، ولم يستطيعوا الصمود أكثر من أسبوع أو أسبوعين".
طوال رحلتي التي بلغ طولها 2000 كيلومتراً ، كنت قلقةً للغاية بشأن الأشخاص الذين كنت أتركهم خلفي في كل منعطف. إذ لم يكن الفيروس فقط هو الذي كان يعرّضهم للخطر، بل استمرار الغارات الجوية والقتال طوال انتشار الوباء.
وخلال رحلتي زرتُ موقع منزل مدني كان قد قُصف مما أسفر عن مقتل تسعة أطفال.
وفي مستشفى يمني آخر، لاحظت أيضاً تأثير سحب الولايات المتحدة لمساعداتها المقدمة لليمن بقيمة 73 مليون دولار.
التقيت طبيبا يُدعى طارق قاسم يقوم بمهمة العناية بمرضى كورونا، كان عمره 26 عاماً فقط، وقال لي إن غالبية الوفيات كانت نتيجة افتقار المستشفى إلى إمدادات الأوكسجين.
وأضاف: "عندما ينفد الاوكسجين، نشاهدهم وهم يموتون. هذه هي الحقيقة ".
رغم معرفتي بأن اليمن لم يكن مستعدا لكورونا إلا أنني ذُهلت بعدما سمعتُ أن طارق و زملائه كانوا يعملون في وحدة العناية المركزة دون معدات واقية.
أصيب طارق بكورونا، لكنه استمر في العمل - حتى أصبح بحاجة الى الأوكسجين هو أيضاً.
نجا طارق. ولكن بعد رؤية كل هذا، لم أكف عن التفكير في جدتي، على أمل أنها كانت تفعل كما رجوتها عبر الهاتف من لندن.
في نهاية رحلتي، قررتُ أن أزورها - مع احترام مسافة آمنة . جلسنا على بعد أمتار في حديقتها، لقد اشتكيتُ لها عن كل التجمعات التي رأيتها لا تزال تحدث كحفلات الزفاف والجنازات.
لكن ردها لي كان :" الناس في هذا البلد لقوا مصرعهم عدة مرات من خلال الحرب والتجويع والمرض " .
اليمن: فيروس كورونا في منطقة حرب يبث على بي بي سي عربي يوم 15كانون الأول/ديسمبر.
فيديو قد يعجبك: