لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

مصراوي في موقع حادث قطار العياط.. غفلة ورُعب بآخر ساعات 2016

10:00 م السبت 31 ديسمبر 2016

كتب - محمد شعبان:

تصوير - فريد قطب:

مع بزوغ فجر يوم جديد، استيقظ أحمد من نومه، وبعد أن ارتدى ملابس ثقيلة تقيه برد الشتاء، استقل سيارته الميكروباص بيضاء اللون، باحثا عن رزق طفله الرضيع الذي لم يكمل شهره الخامس بعد، ليصطحب في طريقه أحد جيرانه الذي يعمل في أحد مصانع الطوب بالقرب من قرية العطف كما اعتاد صبيحة كل يوم، لكنهما لم يكونا على دراية بأن مزلقان العطف بمركز العياط جنوب الجيزة، سيكون محطتهم الأخيرة نحو الآخرة.

أغلق السائق زجاج نوافذ سيارته ليتجنب صقيع نسمات الفجر، بينما تشير دقات الساعة إلى الخامسة والنصف صباح السبت. يتبادل صاحب الـ25 عاما الحديث مع مرافقه كاسب 30 عاما، ليعبران كوبري الشيخ علي الضيق المار أعلى ترعة ضيقة، لكن ثمة شئ غريب مع اقترابهما من مزلقان العطف، فعامل المزلقان القادم من محافظة الفيوم منذ أشهر قليلة غير موجود؛ وفقًا لتحريات الشرطة.

مع بدء تخطي شريط السكة الحديد من الجهة الغربية كانت الفاجعة بمرور قطار الركاب رقم 974 المتجه من القاهرة إلى أسيوط، ليصطدم بالسيارة ويشقها إلى شطرين بينما يتحول الرفيقان إلى أشلاء تضاف إلى ضحايا سجلات "حوادث العياط المنكوبة".

أصوات سرينة سيارات الإسعاف تقطع صمت القرية التي تبعد 65 كم جنوب محافظة الجيزة، يترجل مسعفان من السيارة باحثين عن الجثتين، بالتزامن مع اختفاء عامل المزلقان، ليتم جمع أشلائهما ووضعها داخل أكياس سوداء، بينما يصل فريق من النيابة العامة رفقة رجال المعمل الجنائي ومسؤولي هيئة السكك الحديدية الذين يبحثون عن حل سريع لإعادة حركة قطارات الوجه القبلي المتوقفة.

التوتر يسيطر على الجميع، القلوب بلغت الحناجر، بينما تطوق عربات الشرطة "البوكس" المكان، يبدأ العميد عبد الحميد أبو الخير، مأمور قسم العياط في سماع أقوال شهود العيان، محدثا نفسه "ما أشبه الليلة البارحة" حيث استيقظ أهالي المركز في 7 سبتمبر الماضي على انقلاب القطار المميز رقم 80 المتجه إلى القاهرة من أسوان عند قرية البليدة، جراء اصطدام قائد القطار بالصدادات، وأودى بحياة 5 أشخاص، وأصيب 29 أخرون.

"المزلقان ده بتحصل في حوادث كتيرة، وشباب زي الورد ماتوا من غير أي تحرك"، يقول مصطفى أحمد، عامل باليومية 36 عاما، إن الأهالي يدفعون ثمن إهمال هيئة السكة الحديد، ويلتقط منه فلاح يرتدي جلبابا بني اللون الحديث مؤكدا "المزلقانات هنا وحشة، والحوادث كتيرة".

وعلى بعد 1.5 كم من المزلقان المقام على مساحة متر X متر، راح رجل خمسيني قوي البنيان صاحب بشرة بيضاء، يفحص ما تبقى من الحادث، ليجد ركام السيارة التي انشطرت نصفين الأول على يمين شريط السكة الحديد والثاني في الجهة المقابلة، وآثار الدماء على مقعد السائق لا تزال تفوح بالمكان تغلب دموعه لسانه "الي بيحصل فينا ده حرام، كل شوية نروح ندفن أهالينا وأصحابنا".

"العامل سلم نفسه للشرطة".. يهرول الطفل الصغير "مصطفى" نحو تجمع الأهالي على مقربة من "محطة الموت"، ليخبرهم بالخبر السار الذي أثلج صدور جيران الضحيتين، ليتساءل أحدهم بصوتٍ جهوري "هنفضل ساكتين لحد امتى؟"، ليرد عامل بمصنع طوب "يا أستاذ..محدش بيعمل شكاوي كله بيقول يالا نفسي وكأنه هيعدي ومش هيرجع تاني" ليتسبب في سخط الجمهور الذين صبوا غضبهم على تقصير المسؤولين.

وعقب مرور نحو 3 ساعات و40 دقيقة، استأنفت حركة قطارات الصعيد، وعادت الحياة إلى طبيعتها بتلك القرية الصغيرة، ومع مرور القطارات واحدا تلو الآخر.

بينما يتذكر الحاج سعيد إبراهيم أنه لن يلتقي بجاره العامل الذي لقي حتفه تاركا 3 أطفال، قال: "الكوبري ده لازم يتشال لأنه من أيام الإنجليز، وسبب مصايب كتيرة، مش عاوزين يجدووا زي بهبيت والضبع والرفاعي و أبو نجم"، مشيرا إلى أن المزلقان كان يتم غلقه بـ"جنزير" قبل أن يتحول منذ عام بنظام "العامود الحديد" دون تطويره ليعمل بنظام إلكتروني مختتما حديثه "هنعمل ايه.. لينا ربنا".

في الغروب، ظلّ شبح قطار "البليدة" رابضًا في موضعه، لم يتحرك قيد أنمة منذ سبتمبر الماضي، ليقف كـ"شاهد قبر" مسُجلًا تاريخ المنطقة الدامية بين القضبان، فيما يُشير سائق رحلة العودة إلى الجيزة "هوّ ده قطر الحادثة اللي فاتت.. كل يوم بنعدي عليه نفتكر الناس اللي ماتت".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان