إعلان

الإدارية العليا في حيثيات تعويض تجار القطن: لا يجوز للحكومة أن تضع قيوداً على ممارسة تجارة القطن

01:27 م السبت 06 مايو 2017

مجلس الدولة

كتب- محمود الشوربجي:
أكدت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار الدكتور محمد مسعود رئيس مجلس الدولة، في حيثيات حكمها بإلزام الحكومة بتعويض تجار القطن، أنه لا يجوز للحكومة أن تضع قيوداً على ممارسة تجارة القطن لأنها أداة أدنى من الدستور الذي الزمها بالتشجيع على التصدير لا تقييده.
وأمرت الحكومة بتعويض أكبر تاجرة للقطن بمائة ألف جنيه أُكرهتها على بيع أقطانها بالأسعار التحكمية وقيدت التصدير.

وأكدت على أن الحكومة عمدت إلى إفراغ قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل من مضمونه بتقرير قيود قاسية على تداوله أقسي من تلك التي كبلت بها تلك التجارة في فترة التسعير الجبري، وأن المشرع ترك تجارة القطن زهراً وشعراً بيعاً وشراءً وحلجاً للتداول الحر بالأسواق، ولم يقرن ذلك بقيد سوي في حالة بيع الأقطان الشعر للدولة بالشروط والأسعار التي يحددها وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية.

تابعت أن الحكومة أصدرت عدة قرارات لمعالجة العجز في محصول القطن وتخبطت في الإحاطة بحجمه وحاجة السوق الداخلي، وكأن القطن لم يزرع في مصر فجاءت قراراتها مخالفة للقانون ومتناقضة مع ما تبناه الدستور من تشجيع التصدير، كما أكدت على أن الدولة القانونية تتقيد في ممارستها لسلطاتها بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها إن هي جاوزتها، وهذه السلطات أيا كان القائمون عليها لا تعتبر امتيازاً شخصياً لمن يتولونها ولا هي من صنعهم بل أسستها إرادة الجماهير في تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لا يجوز النزول عنها ولا تأتيها إلا في الحدود التي رسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها.

وقضت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار الدكتور محمد مسعود رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين أحمد الشاذلي، والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي وسامي درويش ومبروك على نواب رئيس مجلس الدولة، بإلزام الحكومة المصرية بتعويض ورثة التاجرة المرحومة نادية قاسم بأن تؤدى لها تعويضاً مقداره مائة الف جنيه عما لحقها من اضرار نتيجة قرارات الحكومة بتقييد تداول تجارة القطن والحد من تصديره وألزمت الحكومة المصروفات.

قالت المحكمة إنه بالرجوع إلى الجذور التاريخية فقد مر تسويق القطن المصري في تاريخه الطويل بثلاثة مراحل تسويقية هي:

المرحلة الأولى : مرحلة التسويق في ظل النظام الرأسمالي الحر وهي تشمل الفترة من بداية إنشاء بورصة عقود القطن بالإسكندرية عام 1861، وكانت أول بورصة لعقود القطن في العالم حتى عام 1952.

المرحلة الثانية : مرحلة تسويق القطن في ظل النظام الموجه، وقد بدأت مع إغلاق بورصة عقود القطن بالإسكندرية نهائيا في يوليو 1961 أي بعد قرن من إنشائها وذلك حتى يوليو من عام 1994.

المرحلة الثالثة : مرحلة التسويق الحر وفقا لآليات العرض والطلب وذلك من أغسطس 1994 وحتى الآن، حيث صدر لهذا الغرض ثلاثة قوانين رئيسية هي: القانون رقم 210 لسنة 1994 ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 389 لسنة 1994 والخاص بتنظيم تجارة القطن في الداخل. والقانون رقم 141 لسنة 1994 ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 388 لسنة 1994 بإنشاء بورصة البضاعة الحاضرة للأقطان ( بورصة مينا البصل ). والقانون رقم 211 لسنة 1994 ولائحته التنفيذية الصادرة بالقرار الوزاري رقم 507 لسنة 1994 الخاص باتحاد مصدري الأقطان.

وأضافت المحكمة أن المرحلة الثالثة من مراحل تسويق القطن وهي مرحلة التسويق الحر تمشياً مع سياسة التحرير الاقتصادي جاءت بعد فترة طويلة من نظام الاقتصاد الموجه, وأن الدولة استجابة منها لمتغيرات اقتصادية عالمية قد انتهجت نهجاً اقتصادياً يشايع تلك الاتجاهات للتحول من الاقتصاد الموجه إلى اقتصاديات السوق والعمل فى ضوء آلياته والانفراط من سياسة التسعير الجبرى, فجاءت القوانين الصادرة لتنظيم التجارة فى حقبة التسعينات مققنة لهذا الاتجاه ومنها قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل الصادر بالقانون رقم 210 لسنة 1994 والتي أفصحت مذكرته الإيضاحية عن أنه في ظل اتجاه الدولة الحالي إلى تشجيع حرية التجارة والخضوع لنظام آليات السوق والاعتماد على الأفراد فى تسيير معظم الأنشطة الاقتصادية فى الدولة وتخفيفاً عن كاهلها.

ولما كان القطن أحد دعائم الاقتصاد في مصر فقد حفل باهتمام خاص فأفرد المشرع لتنظيم تجارة القطن فى الداخل تشريعاً مستقلاً روعي فيه طبيعة هذه التجارة وخطورتها وما تتطلبه من ضوابط ونظم متعارف عليها عالمياً متمثلاً فى القانون رقم 210 لسنة 1994 .

وأشارت المحكمة أنه نسق هذا السياق جاءت نصوص القانون رقم 210 لسنة 1994 في شأن إصدار قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل معبرة عن ذلك التوجه ويبين من جماع ما تضمنته من نصوص قانونية مؤيدة بالمذكرة الإيضاحية أن المشرع وهو في سبيل تنظيم تجارة القطن بالداخل راعى طبيعة هذه التجارة وخطورتها وما تتطلبها من ضوابط ونظم متعارف عليها عالمياً وبذلك يتنزه في تحريره لهذه التجارة وإخضاعها لآليات السوق عن إغفاله لتلك الاعتبارات ، ويكون قد أراد وفق صحيح قصده وسليم نصوصه ترك تجارة القطن زهراً وشعراً بيعاً وشراءً وحلجاً للتداول الحر بالأسواق، ولم يقرن ذلك بقيد سوي فى حالة بيع الأقطان الشعر للدولة فجعل ذلك مرهون بالشروط والأسعار التي يحددها وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية وجعل من اللجنة العامة المشكلة لتنظيم تجارة القطن مراقبة تنفيذ أحكام ذلك القانون ولائحته التنفيذية، وفي ضوء ذلك لها اقتراح اللوائح الداخلية لتنظيم العمليات بالأسواق المحلية و إصدار التوصيات المتعلقة بالجوانب المختلفة المرتبطة بالسياسية القطنية ومتابعة تنفيذها, وفي قيامها بذلك تلتزم أحكام القانون رقم 210 لسنة 1994 فلا يكون لها أو لغيرها وضع قيود على هذه التجارة لم يأت بها ذلك القانون بحسبان أنه لا يجوز لأداة أدنى أن تخالف ما تسنه أداة أعلى وإلا عد ذلك مخالفة صريحة لأحكامه ولبنيان نظام التدرج التشريعي وعلو أداته الأعلى, وهو ما لا يجوز إلا بذات الأداة التشريعية أي بقانون.

وأوضحت المحكمة أن المشرع الدستوري جعل من النظام الاقتصادى هدفاً وغاية ترمي إلى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقي للاقتصاد القومي، ورفع مستوى المعيشة، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات البطالة، والقضاء على الفقر، وإلزم النظام الاقتصادي ذاته بمعايير الشفافية والحوكمة، ودعم محاور التنافسية وتشجيع الاستثمار، والنمو المتوازن جغرافياً وقطاعياً وبيئياً، ومنع الممارسات الاحتكارية، مع مراعاة الاتزان المالى والتجاري والنظام الضريبي العادل، وضبط آليات السوق، وكفالة الأنواع المختلفة للملكية، والتوازن بين مصالح الأطراف المختلفة، بما يحفظ حقوق العاملين وحماية المستهلك. والزم النظام الاقتصادي كذلك اجتماعياً بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية , ومن ناحية أخرى جعل من الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية والخدمية والمعلوماتية مقومات أساسية للاقتصاد الوطني، والزم الدولة بحمايتها، وزيادة تنافسيتها، وتوفير المناخ الجاذب للاستثمار، والعمل على زيادة الإنتاج، وتشجيع التصدير، وتنظيم الاستيراد من خلال تحفيز القطاع الخاص لأداء مسئوليته الاجتماعية فى خدمة الاقتصاد الوطني والمجتمع.

وأضافت المحكمة أن الثابت من الأوراق أن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية قد أصدر قراره رقم 457 لسنة 1995 فى 30/7/1995 تضمن الحظر على المتعاملين في الموسم القطني 95/96 الخاضعين للقانون رقم 210 لسنة 1994 سالف البيان الاحتفاظ بأي كمية من الأقطان الشعر المحلوجة غير المرتبط عليها للتصدير أو المغازل المحلية بعقود موثقة ومسجلة بالجهات الرسمية المختصة مدة تزيد على ثلاثين يوماً من تاريخ حلجها ورتب على مخالفة هذا الحظر إحالة المخالفين إلى مجالس التأديب وتوقيع العقوبات الواردة في المادة 43 من القانون رقم 210 لسنة 1994 بشأنهم - والتى تبدأ بالإنذار وتنتهي إلي الشطب من سجل التجار المقيدين - أو اتخاذ إجراءات تقديمهم للمحاكمة طبقا للمادة 47 منه وإخطار وزارة الزراعة لسحب تراخيص المحالج المخالفة.

وقد اتبعه بقرار أخر برقم 549 لسنة 1995 فى28/8/1995 حدد بموجبه الحد الأدنى لأسعار الأقطان الزهر موسم 95/1996 للمنتجين الذين يرغبون اختيارياً فى توريد أقطانهم لحلقات التسويق ، وهي بالنسبة للقطن صنف جيزة 75 معدل تصافي 115% سعر القنطار الزهر 500 جنيه , ولم تقف الإجراءات عند هذا الحد وإنما تبع ذلك صدور تعليمات من كل من وزير الزراعة وقطاع الأعمال العام فى21/9/1995 – بداية موسم القطن – بتأجيل الارتباط على تصدير الأقطان وبموجب هذه التعليمات بحظر التصدير قررت اللجنة العامة لتنظيم تجارة القطن فى الداخل حظر التصدير.

وقد ترتب على ذلك التعديل فى بند الأسعار الوارد بالبند الرابع من نموذج عقد بيع الأقطان والمنصوص عليه فى المادة الرابعة من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 210 لسنة 1994 من المحاسبة على أساس أسعار التصدير المعلنة إلى المحاسبة على الأسعار الإجبارية التي تم ترخيصها فى ضوء حظر التصدير .

واستطردت المحكمة أنه بإمعان النظر فيما تقدم يبين جلياً أن جهة الإدارة قد عمدت إلى إفراغ القانون رقم 210 لسنة 1994 في شأن إصدار قانون تنظيم تجارة القطن في الداخل من مضونه وفحواه وتجريده من غاياته ومبناه , وذلك بتقرير قيود قاسية على تداول تجارة القطن خلال الموسم 95/1996 قد تكون أقسي من تلك القيود التي كبلت بها تلك التجارة فى فترة التسعير الجبرى قبل صدور القانون رقم 210 لسنة 1994 من حظر الاحتفاظ بالأقطان ، إلا لمدة معينة وحظر تصديرها وتحديد سعر إجباري لها, وكل ذلك بالمخالفة الصريحة لأحكام القانون رقم 210 لسنة 1994 ولم يكن رائدها فى ذلك سوي مصلحة بعض المغازل الحكومية التي أعجزتها ندرة السيولة المالية لها عن توفير احتياجاتها من الأقطان اللازمة لها دون سبب أخر فى ضوء زيادة الإنتاجية فى ذلك العام عما كان يتوقع لها وترحيل فائض ضخم من الأقطان إلى العام 96/97 , وبذلك لم يكن الباعث على إصدار جهة الإدارة لتلك القرارات والتعليمات العجز فى محصول القطن وحماية المصلحة العامة وإنما كان ذلك منها بسبب تخبطها البين فى الإحاطة بحجم محصول القطن وحاجة السوق الداخلي, وكأن القطن لم يزرع فى مصر سوي هذا العام فقط فجاءت قراراتها وتعليماتها مخالفة ليس فقط للقانون رقم 210 لسنة 1994 ومتناقضة مع ما تبناه الدستور من تشجيع التصدير , وإنما خالفت بها أحكام القانون رقم 118 لسنة 1975 بشأن قانون الاستيراد والتصدير الذي أعطي الاختصاص بحظر أو تقييد تصدير السلع لوزير التجارة ثم اُلغي هذا الحظر كلية بموجب قراره 396 لسنة 1994 ومن ثم يضحى الخطأ ثابتاً فى حق الجهة الإدارية .

كما أوضحت المحكمة أنه عن الأضرار التي لحقت بمورثة الطاعنين فى الطعن الثانى المرحومة / نادية قاسم ، فإن الثابت من الأوراق أن المغفور لها كانت من كبار تجار القطن الخاضعين للقانون رقم 210 لسنة 1994 في العام 95/1996 إذ بلغت تجارتها من القطن الشعر الناتج والصادر والرصيد إلى تاريخ 14/12/1995 : 40 ,9639 قنطار وإجمالي الشعر الناتج: 32,3856 قنطار و إجمالي الشعر الصادر : 080, 3083 الرصيد يوم 13/12/1995 , وقد مُنعت بسبب القرارات والتعليمات الصادرة من جهة الإدارة من ممارسة الحرية فى تسويق القطن التي جاء بها القانون رقم 210 لسنة 1994 فى تجارة الأقطان وأُكرهت على بيع ما لديها من أقطان بالأسعار التحكمية التي حددتها تلك القرارات ولم يكن لها يد فى ذلك بعد أن حظرت الإدارة التصدير رغم أن الأصل الدستورى هو تشجيع التصدير وتم ملاحقتها تأديبياً وقضائياً عند احتفاظها بالأقطان بحوزتها.

ولم يكن فى مقدرتها سوى الانصياع ببيع أقطانها بالأسعار المتدنية التي تم تحديدها فى ضوء غلق أبواب تصريف الأقطان إلا للمغازل الحكومية أو المحلية وهو ما أدي بدوره إلى تدني الأسعار بالمقارنة بأسعار الشراء المرتفعة فى ضوء ما كانت تأمله من زيادتها فى ضوء قواعد المنافسة والحرية التسويقية الداخلية والتصديرية التي أرستها قواعد القانون رقم 210 لسنة 1994 السالف الإشارة إليه وبذلك تحقق وتتساند وتتكامل أركان مسئولية الجهة الإدارية عن تعويض المدعية عما لحقها من أضرار وهو ما تقدره المحكمة بمبلغ مقداره مائة ألف جنيه .

واختتمت المحكمة إن الدولة القانونية - وعلى ما تنص عليه المادة 94 من الدستور - هي التي تتقيد في ممارستها لسلطاتها - أيا كانت وظائفها أو غاياتها - بقواعد قانونية تعلو عليها، وتردها على أعقابها إن هي جاوزتها، فلا تتحلل منها، ذلك أن سلطاتها هذه - وأيا كان القائمون عليها - لا تعتبر امتيازاً شخصياً لمن يتولونها، ولا هي من صنعهم، بل أسستها إرادة الجماهير في تجمعاتها على امتداد الوطن، وضبطتها بقواعد آمرة لا يجوز النزول عنها.

ومن ثم تكون هذه القواعد قيداً على كل أعمالها وتصرفاتها، فلا تأتيها إلا في الحدود التي رسمها الدستور، وبما يرعى مصالح مجتمعها وأن مضمون القاعدة القانونية التي تعتبر إطاراً للدولة القانونية، تسمو عليها وتقيدها، إنما يتحدد - من منظور المفاهيم الديموقراطية التي يقوم نظام الحكم عليها على ضوء المعايير التي التزمتها الدول الديموقراطية في ممارستها لسلطاتها، واستقر العمل فيما بينها على انتهاجها باطراد في مجتمعاتها، فلا يكون الخضوع لها إلا ضماناً لحقوق مواطنيها وحرياتهم، بما يكفل تمتعهم بها أو مباشرتهم لها دون قيود جائرة تنال من محتواها أو تعطل جوهرها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان