هل يملك القضاء حق الحكم بمنع ارتداء النقاب نهائيًا في مصر؟
كتب -محمود الشوربجي:
أثارت دعوى قضائية أمام مجلس الدولة، تطالب بحظر ارتداء النقاب في مصر، جدلا مجتمعيا واسعا، غير أن عددا من فقهاء القانون قالوا إن تلك المطالب تتناقض مع مواد الدستور، باعتبارها تعديا على حرية الأشخاص المكفولة بالقانون، واقترح البعض تقنين ارتداء النقاب في بعض المناطق والمؤسسات الحيوية من خلال اللوائح التنظيمية الخاصة بها، لعدم إمكانية إقرار تشريع قانوني ثابت يمنع ارتداء النقاب نهائيًا في مصر.
يقول الدكتور أحمد مهران أستاذ القانون العام، ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، إن دعاوى حظر ارتداء النقاب غير دستورية ومخالفة للقانون، بجانب كونها تعديا على السلطة التشريعية، مضيفًا أن تلك الدعاوى تشكل تدخلا في حرية البرلمان في سن التشريعات وفق ما يتناسب مع احتياجات المجتمع.
أضاف في تصريح خاص أن دعاوى حظر النقاب تمثل اعتداء على حرية المرأة في أن تختار لنفسها ما تشاء من الثياب، خاصة أن الشريعة الإسلامية والدستور منحا المرأة حرية اختيار ثيابها بما لا يتعارض ولا يخالف الآداب العامة.
واعتبر أن منع ارتداء النقاب بدافع منع الجرائم ومنها الإرهابية، ليس منطقيًا على الإطلاق، فالدولة لديها كثير من القوانين "مكافحة الإرهاب والكيانات الإرهابية"، بجانب عدد من الإجراءات الاحترازية التي من شأنها مواجهة الإرهاب ومنع انتشار أعمال العنف.
وقال النائب البرلماني محمد أبوحامد، أن منع ارتداء النقاب في أماكن معينة بالدولة لابد أن يكون مُسببًا بمجموعة من البراهين والأدلة القاطعة التي تبرر حظر ارتدائه بتلك المناطق، مضيفًا أن دعاوى حظر النقاب نهائيًا وبصورة مطلقة تمثل تعديًا على حرية الإنسان التي كفلها الدستور للمواطنين.
أضاف إن مصر وقعت عددا من الاتفاقات الدولية التي تنص على ضرورة الالتزام بضمان حرية الإنسان في مظهره وملابسه وبالتالي فإن منع ارتداء ملابس معينة ومنها النقاب لابد أن يكون قائما على أدلة قاطعة وقانونية باعتبار أن القضاء سيلتزم في النهاية بما نص عليه الدستور.
وقال: "لا يمكن إصدار تشريع قانوني ثابت يحظر ارتداء النقاب نهائيًا، ولكن يمكن تنظيم ذلك من خلال اللوائح والقوانين المنظمة للعمل بالمؤسسات سواء الحكومية أو الخاصة، مثل لوائح وقوانين الجامعات".
أوضح أن فرنسا منعت ارتداء النقاب في حدود ضيقة، لكنها لم تمنعه نهائيًا.
وقال طارق نجيده المحامي إنه لا يوجد سند دستوري يمنع ارتداء النقاب نهائيًا، ولكن يمكن حظره في نطاق بعض الأماكن الحيوية لاعتبارات أمنية، مؤكدًا عدم إمكانية إصدار قانون جديد خاص بمنع النقاب في كافة مؤسسات الدولة لتعارض ذلك مع حقوق المواطنين المكفولة بالدستور والقانون.
أوضح أن الإرهابيين يعتمدون على وسائل وطرق عديدة لتنفيذ جرائمهم ومن بينها التنكر في النقاب، وبالتالي فإن تقييد ارتدائه أمر وارد ولكن ليس بشكل مطلق.
وتوقع ألا يصدر مجلس الدولة حكمًا نهائيًا بمنع ارتداء النقاب، معتبرًا أن تأييد القضاء الإداري في وقت سابق لقرار منع ارتداء النقاب بجامعة القاهرة كان لاعتبارات تتعلق بالعملية التعليمية والتنظيمية فقط.
كان سمير صبري المحامي، صاحب دعوى حظر ارتداء النقاب، رقم 36931 لسنة (71 ق)، طالب بإلزام مجلس النواب بإصدار قانون يحظر ارتداءه نهائيا، معتبرا أن النقاب له قدسيته في أذهان العديد من المصريين، ولكن في البعض استغله في الفترة الأخيرة، ومن بينهم رجال للتخفي به، وارتكاب العديد من الجرائم كخطف الأطفال والقتل بل امتد الأمر لاستخدامه في جرائم إرهابية.
كانت هيئة مفوضي الدولة، أصدرت تقريراً قضائياً، أوصت فيه الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا بإصدار حكم نهائي بتأييد حظر ارتداء النقاب لعضوات هيئة التدريس والهيئة المعاونة بجميع كليات جامعة القاهرة، ومعاهدها وإلقاء المحاضرات والدروس النظرية والعلمية أو حضور المعامل أو التدريب وهن منتقبات، وهو القرار الذي أصدره الدكتور جابر نصار رئيس الجامعة، في سبتمبر 2015.
وأصدرت محكمة القضاء الإداري حكمًا سابقًا يؤيد قرار رئيس جامعة القاهرة بحظر ارتداء النقاب للعاملين، وجاءت أسباب الحكم تفصيلية شارحة لمنع ارتداء النقاب أثناء العمل بالجامعات، مؤكدة أن القرار لا يشوبه إساءة استعمال السلطة.
وردت المحكمة على الدفع بأن قرار جامعة القاهرة جاء مخالفا للشريعة الإسلامية وحرية العقيدة، مؤكدة أن هذا غير صحيح، لأن المحكمة الدستورية العليا انتهت في قضائها إلى أن زي المرأة يخرج على الأمور التعبدية، وأن لولى الأمر السلطة الكاملة في تحديد رداء المرأة، وأن تنظيم جهة الإدارة للزي لا يخالف حرية العقيدة، وإنما يدخل في دائرة التنظيم المباح والجرائم المتكررة التي تم ارتكابها من وراء نقاب، وتم استخدامه كساتر لتنفيذ مخططات إجرامية كثيرة.
فيديو قد يعجبك: