من "مجلس الدولة" إلى "هيومان رايتس".. هكذا أرسى القضاء المصري مبادئ حقوق السجناء
كتب – محمود الشوربجي:
يعد الحكم القضائي الصادر مؤخرًا من المحكمة الإدارية العليا خير رد على التقرير الذى أصدرته منظمة "هيومان رايتس ووتش" وزعم وجود انتهاكات في السجون المصرية، وهو ما وصفه عدد من الحقوقيين والبرلمانيين بـ"الكذب"، مؤكدين أن الغرض منه إثارة اللغط وممارسة ابتزاز سياسي لأغراض بعينها.
وإلى جانب أن الحكم الصادر عن مجلس الدولة أعطى الحق للمحتجزين بأقسام الشرطة في إجراء مكالمة مجانية بمحاميهم وذويهم، فإن حيثياته رسخت للعديد من الحقوق التي كفلها الدستور للمساجين أو المحتجزين.
وقضت المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى فحص، في 5 يوليو الماضي، بإجماع الآراء برفض الطعن المقام من وزارة الداخلية ضد مدير المجلس العربي لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان وبإلغاء قرار الداخلية السلبي بالامتناع عن إجراء مكالمة مجانية للمحجوزين بأقسام الشرطة بمحاميهم وذويهم.
ونشر المحامي محمد عثمان، نقيب محامين شمال القاهرة السابق، حكم الإدارية العليا وحيثياته صباح اليوم على صفحته بـ "فيسبوك"، كردٍ على ما زعمته "هيومان رايتس" حول وجود انتهاكات في السجون، حيث أظهرت الحيثيات حقوق المساجين التي كفلها لهم الدستور المصرى.
ورسخت "الإدارية العليا" في حكمها الصادر عدة مبادئ مستجدة في الحق للمحتجزين في الاتصال بذويهم ومحاميهم، أولها أنه من حق المحتجزين بأقسام الشرطة إجراء مكالمة مجانية بمحاميهم وذويهم دستورياً وقانونياً وإنسانياً، وثانيها أن الحق في الاتصال حق دولي ويجب إجراء التعديلات على التشريعات الوطنية لتتوافق مع اتفاقيات حقوق الإنسان، وثالثها أن من ينفذ التزامه الدستوري لا يجرح كبرياءه بل يؤسس لنظام ديمقراطي يعلي من شأن الفرد وكرامته وحقوقه، وهو في عمق الزمان أفضل إنجاز لكل من يتولى أمر البلاد.
وقالت المحكمة إن الدستور أعلى من قدر الحرية الشخصية لكل مواطن، وجعلها من الحقوق الطبيعية التي لا يجوز المساس بها إلا في أضيق الحدود، حيث لم يُجز القبض على أي شخص ولا تفتيشه ولا حبسه ولا منعه من التنقل ولا تقييد حريته بأي قيد إلا في حالة التلبس بارتكاب جريمة، أو بأمر قضائي مسبب يستلزمه التحقيق في إحدى الجرائم، وحتى في هاتين الحالتين كفل الدستور لمن تقيد حريته العديد من الضمانات التي تحفظ له كرامته، ومنها عدم جواز التحقيق معه إلا في حضور محاميه فإذا لم يكن له محام فإن هناك التزامًا دستوريًا على الدولة بأن تندب له محاميا للحضور معه، وهو ما أكد عليه كذلك قانون الإجراءات الجنائية، حيث أتاح الفرصة لكل من يقبض عليه أو يحبس احتياطياً بأن يتصل بمن يري إبلاغه بما حل به ووقع عليه، والاستعانة بمحام للدفاع عنه، وأتاح له في جميع الأحوال، وأياً كانت ظروف التحقيق، الاتصال بمحاميه دون حضور أحد.
وأشارت المحكمة إلى أن المشرع لم يشترط أن يتم هذا الاتصال بوسيلة معينة أو محددة، وإنما أجاز أن يتم ذلك بصفة عامة بكل وسائل الاتصال المتاحة، دون أن يقصرها على وسيلة دون غيرها، وإذا كان الدستور والقانون قد كفلا هذا الحق المتفرع عن الحق في الدفاع، الذي يعد من الحقوق والحريات العامة، فضلاً عن أن لذوي كل من يقبض عليه أو يعتقل دون علمهم الحق في معرفة مكان من يقبض عليه أو يعتقل من أبنائهم حتى يطمئن بالهم عليهم ولا يتركوا في جهالة من أمر أبنائهم، حتى يمكنهم متابعة أمورهم وتوفير المحامين الذين يباشرون الحضور عن المعتقلين أو المقبوض عليهم أمام جهات الشرطة وأمام النيابة العامة.
ونوهت المحكمة إلى أنه لا ريب في أن وسيلة الاتصال التليفوني غدت في العصر الراهن هي أيسر وأسهل وسائل الاتصال، ويتعين تيسيرهما وتمكين المعتقلين أو المقبوض عليهم من هذه الوسيلة، ومما لا شك فيه أن وضع هذا الحق موضع التنفيذ يستلزم تدخل الجهات التي يتم احتجاز المواطن بها، ومنها وزارة الداخلية، باستصدار قرار تمكن بمقتضاه المحتجزين لديها من الاتصال هاتفياً بذويهم أو أحد محاميهم فور احتجازهم على نحو يغدو معه امتناعها عن إصدار هذا القرار مخالفاً للقانون.
واستندت المحكمة إلى أن ثمة رابطة قوية لا تنفصم بين حقوق الإنسان والأمن، بحيث إن احترام سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان يعدّان توأمين في سبيل مكافحة الجريمة ومواجهة الخارجين عن أحكامه لتوفير الأمن والاستقرار، لذا فقبضة يد الأمن يجب أن تتحلى بسوار من سياج حقوق الإنسان ذلك أنه وحتى ترتدى مصر ثوب الاستقرار ومحاربة الخارجين على القانون يجب أن ترعى في ذات الوقت حقوق الإنسان، ويجب التوفيق بين متطلبات الدفاع عن المجتمع وحماية حقوق الأفراد، فإذا كان الخارجون عن القانون يعتقدون أن كل شيء مباح في سبيل مآربهم، فإن مواجهتهم يجب أن لا تعتنق هذا المبدأ.
وشددت "الإدارية العليا" على أن حقوق الإنسان مصانة لا يجوز المساس بها تحت أي طائل، فلا يجب أن يتم مقايضة حرية المواطنين مقابل الأمن، كما لا يجب أن يتنافس الأمن مع الحرية كي تضعف إحداهما لتعزيز الأخرى، لأن احترام حقوق اﻹنسان وحرياته اﻷساسية بما يؤدى إليه من سيادة القانون هو الطريق الآمن إلى مكافحة الإرهاب ومحاصرته واقتلاع جذوره، ذلك أنه وإن كان مثل هؤلاء لا يدينون ولا يخضعون لمساءلة أحد، فإنه يجب ألا يتم إغفال المسؤولية أمام المواطنين وعدم المساس أبداً بحقوق الإنسان.
وانتهت المحكمة إلى أنه بالنظر لما استقر إليه المجتمع الدولي على أن الحق في الاتصال إثر الاعتقال أو الاحتجاز من ضمانات الحق في الدفاع الفعال فيحق لكل شخص متهم أن يتصل بحرية وعلى انفراد بمحاميه وذويه لإخبارهم بما وقع فيه على نحو يجعل الامتناع عن تمكينه من ذلك الاتصال يجافي ويتصادم مع نصوص ومبادئ دستورية راسخة.
وأشارت الإدارية العليا في النهاية لما اعتبرته حقيقة دستورية أثرت في النظام القانوني المصري بعامة وفي مجال الحقوق والحريات العامة بخاصة، وتتمثل فى قيام ثورة شعبية - فى الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيه - نعتها الدستور الساري في ديباجته بأنها فريدة بين الثورات الكبرى فى تاريخ الإنسانية بكثافة المشاركة الشعبية التى قدرت بالملايين وبدور بارز لشباب متطلع لمستقبل مشرق، وهذا التوجيه الدستوري الصادر عن الشعب مصدر السلطات يغدو كل قول يخالفه أمر باطل واقعاً واعتداء على أحكام الدستور الحاكم الذى ارتضاه الشعب عبر استفتاء عام ورقابة شعبية وقضائية، وإذا كان ما تقدم هو حقيقة واقعة لا تقبل إثبات عكسها، فإن ثمة التزامًا على كل سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية بما تقترحه.
وكان عبد الغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، أكد لـ "مصراوي" أن تقرير هيومان رايتس لم يذكر حالات ووقائع محددة تفيد وجود تعذيب، بل تحدث عن التعذيب في المطلق، وبالتالي فإنه بلا قيمة.
ووصفت مارجريت عازر، عضو لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، الاتهامات الموجهة للحكومة في التقرير بـ "المرسلة"، موضحة أنه لم يتضمن إشارة إلى أسماء أصحاب الشهادات الواردة في التقرير أو تاريخ احتجازها واعتمد بشكل كامل على حديث عام.
وبدورها أصدرت وزارة الخارجية بيانًا أكدت فيه أن التقرير يُعد حلقة جديدة من حلقات الاستهداف والتشويه المتعمد من جانب تلك المنظمة المعروف أجندتها السياسية وتوجهاتها المنحازة، والتي تعبر عن مصالح الجهات والدول التي تمولها.
فيديو قد يعجبك: