"هتروح لربنا كافر".. جملة لم تمنع محمد وزوجته من الانتحار في نهار رمضان - (صور)
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
-
عرض 5 صورة
كتب - محمد شعبان:
"حرام عليك إنت صايم.. هتروح لربنا كافر"، بهذه الجملة حاول "أحمد.ع" إثناء جاره المهندس "محمد" عن قرار الانتحار من شرفة منزله بالطابق السادس بعد ترديده عبارات حمل بعضها تشددًا دينيًا، ليتخذ القرار الأخير في حياته "كلكم كفرة.. والله لانتحر"، ثم لحقت به زوجته بعد دقائق ولفظت أنفاسها الأخيرة داخل مستشفى الهرم.
منذ نحو 10 سنوات، ترك محمد فرغلي بلدته بمركز العياط؛ بحثًا عن محل إقامة بمنطقة اللبيني في الهرم، ليقع اختياره على شقة في الطابق السادس في برج بشارع حسن صبحي المتفرع من شارع جلال "يعتبر أقدم سكان البرج كله"، تقول أم محمود، حارسة العقار.
في غضون فترة وجيزة، أقام خريج كلية الهندسة مشروعًا تجاريًا (محل بقالة) مستفيدًا من عمله في توزيع المواد الغذائية على المحلات المحيطة بمنطقة سكنه، وظل يعيش بمفرده باستثناء والده الذي كان يزوره على فترات متباعدة للاطمئنان على أحواله.
رويدًا رويدًا، راح "محمد" يبحث عن إكمال "نص دينه"، ووقع اختياره على "ميار" (21 عامًا - طالبة بكلية الطب البيطري)، عُرف عنها التزامها الديني، ليؤسسا معا "عش زوجية" يكسوه الحب والتفاهم والالتزام الديني.
وعلى مدار أكثر من عام ونصف، لم تعرف المشكلات طريقًا لمنزلهما: "عمرنا ما سمعنا صوتهم.. كانوا في حالهم.. مافيش بينهم والجيران غير كل حاجة طيبة"، يقول مالك محل ألومنتال أسفل العقار، إن المهندس محمد كان حريصًا على أداء الصلوات في المسجد القريب من منزله: "كان بينزل يصلي حتى لو إجازة".
ولم يلحظ أهالي المنطقة أي نوع من التشدد أو التطرف الديني على صاحب الـ(33 عامًا) أو زوجته، ويؤكد مالك محل الألومنتال: "عمره ما قال لحد من صبياني طفي الأغاني اللي مشغلها أو السجاير حرام.. كان بيرمي علينا السلام وهو رايح شغله أو راجع"، حتى تغيرت الأمور رأسًا على عقب فجر الجمعة.
الثانية والنصف فجر تاسع أيام الشهر الكريم، أنهى "محمد" عمله، وتقابل مع أحد أصدقائه - توجد بينهما معاملات تجارية - وانطلقا لإحضار وجبة السحور، ثم توجه كل منهما إلى منزله، لتؤكد "أم محمود" أنه "طلع اتسحر وصلى الفجر وبعد كده دخل ينام".
الأمور تبدو طبيعية، أجواء رمضانية تسود المنطقة ذات الشوارع الضيقة والأبراج المتراصة، قطعتها أصوات ضجيج وتكسير منقولات منزلية - في تمام السادسة صباحا - "افتكرت حد بيزعق مع مراته"، تقول سيدة تقطن في العقار إنها استمرت في قراءة وردها اليومي من القرآن الكريم غير عابئة بمصدر الصوت.
وبمرور الوقت وارتفاع صوت الضجيج المصحوب بصراخ، فوجئ الأهالي بالمهندس محمد يهذي بعبارات غير مفهومة: "الناس كلها طلعت تتفرج من البلكونات.. أول مرة تحصل"، يقول "كريم.ر"، (25 عامًا) إن المهندس محمد ظل يردد جملة طويلًا: "كان بيقول كلكم كفرة.. كلكم في النار.. أشوفكم في النار".
حاول "أحمد.ع" (38 عامًا - موظف) أن يهدئ جاره لكن كان نصيبه وصلة من الضرب، نتج عنها إصابته بسحجات بالرقبة، والتعدي بالسب والشتم على اثنين آخرين: "محدش عرف يعمل له حاجة.. كان بيشتم الناس كلها وبيكفرهم"، توضح "أم محمود" أن الجيران تجمعوا أسفل العقار "الكل بيتفرج زي ماتش الكورة".
على مدار 3 ساعات متواصلة، تنقل صاحب الـ33 عامًا بين الشرفة لشن هجوم على الجيران، وشقته لتكسير بعص المنقولات المنزلية والأجهزة الكهربائية، وسط مطالبات زوجته له بالهدوء ليصب جم غضبه عليها، ووصل الأمر إلى محاولته إجبارها على الانتحار قفزًا.
ولم يتوقف المهندس محمد عن ترديد بعض العبارات، وآخرها "مش عارف أعيش.. كلكم كفرة.. والله لانتحر"، ليقرر الجيران الاتصال بشرطة النجدة بعد فشل كافة محاولات السيطرة عليه، لكن الحياة توقفت عند دقات التاسعة صباحًا عندما قفز "محمد" من الطابق السادس ليسقط جثة هامدة.
"سمعت صوت حاجة جامدة وقعت على الأرض"، توقفت مالكة شقة بالطابق الثاني عن تلاوة القرآن مسرعة نحو الشرفة لاكتشاف مصدر الصوت ليخبرها أحد الجيران بانتحار المهندس محمد: "مكنتش مصدقة اللي شايفاه عيني.. إزاي يعمل كده".
وفي مشهد لا يتكرر إلا في الأفلام السينمائية، كان الأهالي على موعد مع الجزء الثاني من المأساة عندما ارتفع صوت صراخ "ميار"، وكأنها دخلت في حالة هستيرية، اعتلت بعدها سور البلكونة، وقفزت على غرار زوجها لتسقط على سيارة أجرة "ميكروباص" أسفل العقار ومنها إلى جوار جثة "نصفها الثاني": "كانت بتردد الشهادة أول ما وقعت"، حسب حارسة العقار.
بعد 5 دقائق من مصرع "محمد"، حضرت سيارة إسعاف نقلت الزوجة لمستشفى الهرم في حالة خطرة، وفرض العقيد عادل أبو سريع، مأمور قسم الهرم، كردونًا أمنيًا بمحيط الجثة؛ انتظارًا لحضور فريق من النيابة العامة والمعمل الجنائي.
وطوال الطريق من العياط - أقصى جنوب الجيزة - إلى منطقة الهرم، انهالت الاتصالات على والد "محمد" صاحب الـ(68 عامًا)، لكنه تمنى لو أن الأمر محض كابوس سرعان ما سينتهي بوصوله ورؤية نجله على قيد الحياة، لكن ما وطأت قدماه الشارع حتى وقعت عينياه على جثة نجله مغطاة بملاءة ليدخل في نوبة بكاء.
ومع غروب الشمس وقرب أذان المغرب، انتهت النيابة العامة من المعاينة التصويرية لمكان الحادث، ومعاينة الجثة، في الوقت الذي انشغل رجال المباحث بقيادة المقدم محمد الصغير، رئيس مباحث الهرم، بسماع أقوال الشهود من الجيران، انصرف بعدها الجميع ليعود الهدوء إلى الشارع الضيق.
وكشفت التحريات أن الزوج كان مهتزَا نفسيَا فضلَا عن كونه متشددَا دينيَا، وخلال الفترة الأخيرة كان يتهم جيرانه بـ"الكفر" وظل يردد عبارة: "أنا ربكم الأعلي.. كلكم كفرة"، ولفت والده بأنه كان يعاني من مرض نفسي منذ عام 2002، وتم حجزه عدة مرات بمصحات نفسية مختلفة.
وفي الساعات الأولى لصباح أمس السبت، استقبل قاطنوا المنطقة الخبر الحزين بوفاة "ميار" داخل المستشفى إثر إصابتها بكسور بالجسم "كانت كويسة وبتتكلم عادي لما وقعت"، توضح ربة منزل أن المسعف أخبرها - عقب الحادث - بأنها أصيبت في العمود الفقري.
وأمام العقار رقم (7)، لا تزال آثار الدماء على الميكروباص شاهدة على تفاصيل الواقعة، يسترق مالكها النظر إلى السقف الذي تأثر بشدة من سقوط الزوجة عليه، بينما تحدثه زوجته "أوحش حاجة عملها محمد في حياته.. نهايته".
فيديو قد يعجبك: