لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"الواد ده بتاعنا".. قصة طفل عائد من الموت على ضفاف ترعة المنصورية

01:17 م الأحد 23 سبتمبر 2018

أرشيفية

كتب - محمد شعبان:

"كريم" طفل لم يتعد الـ12 ربيعا، اشترى له والده دراجة نارية "توك توك" ليساعده في توفير مصروفات المنزل، لكنه لم يدر بأنه سيقوده إلى مصير مشؤوم يصارع بسببه الموت.

كعادته كل مساء، اتصل "أحمد.ف" 26 سنة، بصديقه "حميدو"، 25 سنة، لإعداد جلسة "الفرفشة" يتناولان خلالها الحشيش، إلا أن تلك الليلة لم تكن كسابقاتها، لم يجد الصديقان أموالا لشراء "الكيف" وسط خيبة أمل سيطرت عليهما لضياع السيناريو شبه اليومي.

"هنعمل ايه دلوقتي يا صاحبي.. الحالة مقشفرة على الآخر معانا" كلمات جاءت على لسان "حميدو" محدثا صديقه "أحمد" الذي شخص ببصره نحو الطريق حتى وقعت مقلتاه على "توك توك" يقترب منه ببطء لتعلو وجهه ابتسامة عريضة كأنه وجد ضالته.

بصوت خافت بعيدا عن أعين الحاضرين، أخبر صاحب الـ26 سنة صديقه بأنه وجد طريقة ستخلصهم من الضائقة المالية التي يمران بها "هنسرق توك توك الواد كريم ده 2018.. كل ما أشوفوا بتجنن" مؤكدا أنه طفل صغير لا يشعر بالنعمة التي بين يديه "قاعد بيتفسح بيه ولا يشتغل عليه ولا نيلة.. الواد ده بتاعنا".

لم يلق اقتراح "أحمد" قبولا لدى "حميدو" الذي أكد استحالة حدوث الأمر "الواد عارفك كويس ده بيوصلك في الروحة والجاية" لكنه طمأنه بأنه لن يستطيع كشفهما "إحنا هنقتل الواد" لتقع الكلمات على مسامعه كالصاعقة، توقف بعدها عن الكلام لحظات محاولا استيعابها.

رغم حديث "أحمد" المفعم بالثقة من نجاح خطته فإنه فشل في طرد مخاوف صديقه الذي طالبه بالبحث عن ضحية أخرى إلا أنه كان قد حسم الأمر بتنفيذ مخططه الشيطاني عشية اليوم التالي "مافيش حد يثق فينا ونقدر ناخده على حتة مقطوعة غيره".

التاسعة مساء الثلاثاء الماضي، اتصل "أحمد" بالطفل "كريم" وطالبه بسرعة الحضور لتوصيله وصديقه إلى منطقة المنصورية. حضر ذو الـ12 سنة في الموعد المحدد، واصطحب الصديقان إلى وجهتهما.

على حافة الترعة، جلس مزارع بسيط كان يروي أرضه، ليتنامى إلى مسامعه صوت "بقللة" تصدر من مجرى الترعة، يهرع دون خوف لاكتشاف الأمر، وإذا به رأس طفل طاف على السطح.

تسمر الرجل في موضعه فاقدا القدرة على تحريك أصابعه قيد أنملة، وسط مخاوف من مصير مجهول يحمل في ثناياه ما لا يحمد عقباه، لكنه وجد نفسه يقترب رويدا رويدا من المياه وكأن "الرأس" يناديه، وفوجئ لدى انتشال جسد صاحبه أنه طفل والدماء تسيل من رأسه لا يزال على قيد الحياة، فاتصل بالإسعاف التي حضرت ونقلته إلى مستشفى قصر العيني.

العاشرة مساءً، الأجواء مستقرة داخل أروقة قسم شرطة منشأة القناطر، يجلس الرائد طارق مدحت، رئيس المباحث، داخل مكتبه يفحص بعض البلاغات ويتابع عبر الهاتف الحالة الأمنية بدائرة القسم من خلال الدوريات الأمنية ليطرق الباب أحد الأشخاص طالبا مقابلته لأمر هام.

بصوت متحشرج وعرق يتصبب من جبينه، روى "أحمد ف."، 26 سنة، عامل، بلاغه مقدما تقريرا طبيا لنجل شقيقه "كريم"، 12 سنة، سائق توك توك، بإصابته بكسر مضاعف في الجمجمة ليطمئنه الضابط الشاب "حق ابنكم هيرجع.. خليكم جنبوا ولما نوصل لحاجة هابلغك".

مكالمة قصيرة دارت بين رئيس وحدة المباحث والعميد عاصم أبو الخير، رئيس مباحث قطاع أكتوبر، طالبه الأخير بتشكيل فريق بحث وفحص علاقات الطفل المصاب وفحص سجل مكالماته، والوقوف على مشاهداته الأخيرة.

ساعات قليلة احتاجها ضباط البحث الجنائي لكشف طلاسم القضية، وتبين أن آخر مشاهدة للطفل مع شخصين استقلا معه التوك توك ملكه واتجها إلى طريق المنصورية، أحدهما أثبت سجل المكالمات أنه آخر من تواصل مع الضحية قبل الواقعة، وتبين اختباء المتهمين داخل مزرعة في منطقة جبلية.

مع توافر معلومات دقيقة عن مداخل ومخارج المزرعة، أصدر الرائد طارق مدحت تعليماته بسرعة إعداد مأمورية

لمداهمة وكر اختباء المتهمين، ضمت معاونه الرائد أحمد فرحات، أسفرت عن ضبطهما وسط إشادة من اللواء محمد عبد التواب، نائب مدير مباحث الجيزة، بجهود رجال المباحث بسرعة ضبط المتهمين.

طوال الطريق من المزرعة إلى ديوان القسم، لم يتوقف "حميدو" عن توبيخ صديقه "العقل المدبر" لرفضه الأمر منذ البداية "تفتكر هناخد إعدام ولا هيحصل لنا ايه؟"، إلا أن مفاجأة من العيار الثقيل كانت في انتظارهما فور وصولهما، إذ عرفا بأن الطفل "حي يُرزق" يلقى العلاج اللازم.

حالة من الصمت سيطرت على الصديقين، وإذا بالعقل المدبر يسأل "مش انت قولت لي انه مات!"، مؤكدا أنهما نظرا لمرورهما بضائقة مالية، استوقفا المصاب وطلبا منه توصيلهما إلى منطقة زراعية، وأنه طلب منه التوقف لقضاء حاجته على حافة الترعة، قبل أن يفاجأ بصديقه الجالس في المقعد الخلفي يحكم قبضته على رقبته، ويدفعه إلى خارج التوك توك.

ضربات متتالية سددها "أحمد" للطفل بقالب من الطوب، ثم ألقى به في الترعة، يا عم أهو بيبقلل"، قبل سماعهما صوت دراجة نارية سألهما قائدها بتعلموا إيه: "إحنا اتزنقنا وماشيين".

انصرف المتهمان على يقين أنهما تركا الطفل جثة هامدة، وباعا التوك توك إلى صاحب محل مبيدات بكفر حكيم مقابل 6 آلاف جنيه أنفقا 2500 جنيه خلال يوم واحد ما بين مواد مخدرة (حشيش وأقراص) واستئجار لنش لتناول المخدرات فيها، ووجبات سمك وكفتة وملابس.

أمسك الضابط هاتفه ليزف خبر القبض على المتهمين لأسرة الطفل الذين أخبروه بتحسن حالته بعد "شفط" النزيف الداخلي الذي أصابه، بعملية جراحية دقيقة، وأن حالته مستقرة. واصطحبت قوة أمنية المتهمين إلى مسرح الجريمة لإجراء المعاينة التصويرية، ونُقلا بعدها إلى سرايا النيابة إذ أمر المستشار طارق سعد الدين، رئيس النياية، بحبسهما على ذمة التحقيق.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان