"حاولت أدفن سره معاه".. قصة صفقة مشبوهة في لغز مقتل "طفل التوك توك"
كتب- محمد شعبان:
قبّلَ يد والدته، طلب منها الدعاء له بسعة الرزق، ودعها على أمل اللقاء في المساء لتناول وجبة الغداء مع باقي أفراد أسرته، لم تدر الأم أنه آخر موعد سيجمعها بفلذة كبدها، وأن الموعد المقبل سيكون على باب المشرحة لتلقي نظرة أخيرة على جسده الهزيل إلى مستقره الأخير، عقب العثور عليه مقتولاً إلى جانب مصرف.
"محمد فتحي" طفل أتم عامه الخامس عشر، اضطرته الظروف المادية لأسرته للعمل في سن مبكرة، تحمل المسؤولية دون غيره من أبناء جيله، استقر به الحال كسائق "توك توك" مملوك لأحد الأشخاص في محل إقامته بمركز نصر النوبة بمحافظة أسوان.
الأحد قبل الماضي، ودع ابن الـ15 ربيعًا والدته على أمل اللقاء في المساء، وتناول وجبة الغداء مع باقي أفراد الأسرة، في سيناريو يومي، لكنه كان الوداع الأخير.
داخل مكتبه في ديوان عام مديرية أمن أسوان المطلة على كورنيش النيل، يطمئن اللواء محمد عمارة مساعد وزير الداخلية لأمن القطاع، الحالة الأمنية بأنحاء المحافظة، يقطع تفكيره إشارة عبر جهاز اللاسلكي بالعثور على جثة صبي ملقاة على جانب أحد المصارف بمركز دراو شمال المحافظة.
دقائق معدودة اكتظت المنطقة برجال الشرطة بزيهم الرسمي "ميري" أو ضباط المباحث، وكشفت معاينة العقيد محمود طه رئيس فرع دراو، عن أن الجثة لطفل يدعى "محمد فتحي" 15 سنة، سائق "توك توك"، يرتدي كامل ملابسه، وفيها 3 طعنات إحداها نافذة بالقلب، واختفاء المركبة قيادته ومتعلقاته الشخصية.
فور إخطاره بالجريمة، دعا اللواء حمدي هاشم مدير مباحث أسوان، إلى اجتماع بحضور العميد وليد الجندي رئيس مباحث المديرية تنسيقًا مع قطاع الأمن العام برئاسة اللواء علاء الدين سليم؛ لبحث الخطوط العريضة لخطة العمل، لتحديد هوية الجاني وضبطه.
أعقب الاجتماع، آخر مصغر ترأسه العقيد هاني الفقي، وكيل المباحث الجنائية بمديرية أمن أسوان، مع الرواد عمرو مصطفى ومحمود حامد وشريف الوكيل، رؤساء مباحث أقسام أول وثان ومركز أسوان، لتوزيع الأدوار والتي تنوعت ما بين فحص علاقات المجني عليه وأصدقائه، وفحص المسجلين والمشهور عنهم ارتكاب تلك الجرائم وآخر مشاهدات له.
48 ساعة لم يذق فيها رجال الشرطة طعم النوم، وسط اهتمام القيادات الأمنية بسرعة حل القضية، حتى أن اللواء حمدي هاشم لم يغادر مقر انعقاد فريق البحث مرددا عبارة ألهمت حماس الجميع: "مش هنام إلا لما نرجع حق اللي مات".
مع شروق صباح اليوم الثالث أمسك رجال البحث الجنائي طرف الخيط، وتوصلت جهود العقيد هاني الفقي إلى أن آخر مشاهدة للمجني عليه كانت لدى استيقافه من قبل أحد أهالي بلدته، طلب منه توصيله إلى منطقة قريبة، فبات المتشبه به الرئيسي.
كثف ضباط المباحث تحرياتهم حول المشتبه به، وسط نشاط ملحوظ لعناصر الشرطة السرية لجمع المعلومات بمحيط مكان العثور على الجريمة، وتم التوصل إلى مشاهدة لنفس الشخص يقود "توك توك" تحمل نفس أوصاف المسروق.
رويدا رويدا بدت الصورة أكثر وضوحا، وجه اللواء حمدي هاشم بتتبع خط سير هروب المتهم "مصطفى.أ." 20 سنة، الأمر الذي كبد ضباط المباحث مشقة رصد طريقة هروب الجاني من دراو وصولًا إلى مركز أسوان، إذ كشفت التحريات عن أنه حضر لبيع الـ"توك توك" لدى أحد الأشخاص بثمن بخس لكن الصفقة المشبوهة لم تكتمل بعد اكتشاف المشتري عدم وجود أي أوراق للمركبة ذات الثلاث عجلات.
التقط عناصر فريق البحث الأنفاس مع فك طلاسم "الجريمة اللغز"، أصبحوا على بعد خطوة من الإيقاع بالجاني، إذ توصلت تحريات العميد وليد الجندي ورئيس فرع الأمن العام بأسوان، إلى مكان اختبائه ليوجه مدير الأمن بسرعة ضبطه.
بالعودة إلى مقر فريق البحث، وضع اللواء حمدي هاشم اللمسات الاخيرة لمأمورية ضبط المتهم، وانطلق العقيد هاني الفقي والرائدان عمرو مصطفى ومحمود حامد قاصدين مكان اختبائه، وأمكن ضبطه بفضل عنصر المفاجأة.
"المتهم معانا يا فندم".. عبر جهاز اللاسلكي زف قائد المأمورية الخبر السار لمدير المباحث الذي حمد الله على توفيقهم في حل اللغز.
اقتادت القوات المتهم إلى منشأة شرطية للتحقيق معه، وأدلى باعترافات تفصيلية لما اقترفته يداه، مشيرًا إلى أنه استوقف المجني عليه بقصد توصيله، إلا أن مشادة كلامية وقعت بينهما في أثناء الطريق بسبب خلاف على قيمة الأجرة.
"لما كنا ماشيين جات لي فكرة أسرقه".. فاستدرجه إلى منطقة زراعية غير مأهولة بالسكان على أطراف المركز، وشرع في تثبيته بسلاح أبيض "مطواه" وراح يهدده لكن الضحية قاومه، فأمسك بحبل عثر عليها بالأرض وخنقه، ثم سدد له طعنة نافذة بالقلب: "مكنتش عاوز أقتله لكن خوفت يرجع البلد ويفضحني.. خلصت عليه علشان ياخد سره معاه"، وعاجله بطعنتين في الجسم ليسقط قتيلًا في الحال.
يتوقف الجاني عن الحديث لحظات يتذكر معها تفاصيل ما جرى ليكمل اعترافاته، موضحًا أنه استولى على هاتف الضحية وعمد إلى بيع الـ"توك توك" لدى أحد معارفه بأسوان، لكنه فوجئ بالأخير يطالبه برد المال: "قالي المكنة دي ملهاش ورق".
بمرور الوقت وانتشار خبر "قتيل لقمة العيش" وملاحقة الشرطة له، اضطر المتهم إلى ترك "توك توك" بأحد شوارع المحافظة، وبإرشاده تم ضبطه، ليختتم الجاني حديثه "كنت فاكر إني مسبتش دليل ورايا وارتكبت جريمة كاملة".
أسدل رجال المباحث الستار على واحدة من القضايا المهمة مؤخرًا، التي حظيت بمتابعة واهتمام الشارع الأسواني على مدار الأيام القليلة الماضية، وجرى نقله إلى محبسه بعد قرار النيابة العامة بحبسه على ذمة التحقيق.
فيديو قد يعجبك: