لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"أساعدك يا حاجة".. حكاية "حفلة دم" في شقة محفظة القرآن بإمبابة

08:00 ص الخميس 11 يوليو 2019

المتهم

كتب - محمد شعبان:

جولة جديدة لشاب أتم عامه الثاني والعشرين متسكعًا بين الطرقات، يبحث عن ضحية جديدة له، يحصل منها على حفنة من الجنيهات لشراء غذاء المزاج "حشيش"، غير عابئ بما قد ينتظره من نهاية في تلك الرحلة غير السوية، والتي قد يكتب "عشماوي" فصلها الأخير على "طبلية المشنقة".

(1)

الأم هي المتحكم الأساسي في عقد الأسرة الذي تنفرط حباته لدى رحيلها، الأمر الذي تحقق لدى وفاة والدة "فتحي" أو "حمبوصة"، الذي لم ينتظر والده مليًا ليتزوج من أخرى داخل منزله بقرية طناش بمركز الوراق.

فشلت الزوجة الجديدة في احتواء الشاب المراهق، بات الشارع منزله، وجلساء السوء أصدقاءه بل وطرق عالم الإجرام عبر بوابة السرقة ليصبح من أرباب السوابق لدى قوات الشرطة لدى اتهامه في 4 قضايا سرقة وهو في سن الـ22.

يقضي الشاب ساعات النهار متجولاً بين الشوارع بحثًا عن فريسة سهلة المنال يجني من ورائها المال لشراء المخدرات، ويعود مساءً للخلود إلى النوم تارة داخل المنزل وأخرى أعلى السطح حال إغلاق والده الباب من الداخل رافضًا السماح له بالمبيت تحت سقف الشقة كعقاب له على تردي أخلاقه وتصرفاته، على حد سواء.

(2)

كعادته كل مساء، خرج "فتحي" من منطقة سكنه دون أن يدري وجهته القادمة، يتجول بين الشوارع والحواري وجُل همه توفير قيمة المخدرات التي بات أسيرها، قادته قدماه إلى منطقة القومية العربية.

مؤشرات ضبط الوقت تشير إلى الثامنة مساء الجمعة الماضية، توقف صاحب الـ22 ربيعًا أمام عقار سكني بالقرب من مستشفى الوراق، أخذ يلاحظ حركة المارة بالشارع من جهة والصعود والنزول بالعقار من أخرى حتى اعتلت وجهه ابتسامة بلهاء لدى استقراره على "خبطة الليلة".

بخطوات حثيثة يغلب عليها الخوف صعد "فتحي" درجات سُلم العقار، توقف بالطابق الثالث لاختيار الشقة التي سيتسلل إليها إلا أن ثمة مفاجأة طرأت على السيناريو المنشود، خرج أحد الجيران ليسأله "إنت عاوز مين؟" فأخرج حافظة نقوده من طيات ملابسه وتظاهر بالبحث عن ورقة تحمل عنوان يقصده ليبدو الأمر أنه "تائه".

حديث لم يتعد الدقيقتين غادر بعده "فتحي" مهرولاً إلى مدخل العقار ليتصادف مع دخول سيدة خمسينية تحمل أكياسًا من الخضروات والفاكهة.

(3)

داخل شقة بالطابق الثاني لعقار بسيط مواجه لمستشفى الوراق المركزي بمنطقة القومية الواقعة بين مركزي الوراق وإمبابة شمال محافظة الجيزة، تقطن "أمل" بمفردها بعد انتقال ابنتها "هاجر" للعيش مع زوجها، مفعمة بحب واحترام جيرانها، إذ عُرفت منذ حضورها العقار بالتزامها دينيًا ومساعدة الغير.

عانت "أم هاجر" -كما يلقبها الأهالي- من الوحدة، وبحثت عن السبيل لملئ الفراغ الذي أضحى عنوان حياتها حتى استقرت على العمل التطوعي وعملت كمُحفظة للقرآن الكريم في مسجد الهدى بإمبابة، وذاع صيتها بين قاطني

المنطقة كمربية للأجيال، الجميع يحبها ويُكن لها كل احترام إذ حرص كثرون على مناداتها بـ"مُعلمة".

منذ أيام، جمعت صاحبة الـ52 سنة ثروتها كاملة، وتوجهت لتوقيع عقد شراء وحدة سكنية في خطوة اقتصادية خوفًا من مستقبل غير واضح المعالم.

(4)

للمرة الثانية اعتلت ابتسامة وجنتي "فتحي" لدى رؤيته للسيدة الخمسينية المحملة بطلبات المنزل، تقدم إليها بسرعة "أساعدك يا حاجة؟" الأمر الذي استقبلته السيدة بفرحة كبيرة "الله يبارك لك يا ابني طلع الكياس دي لباب الشقة.. الشيلة تقيلة".

بسرعة وخفة حركة شديدتين، صعد الشاب العشريني درجات السلم وصولاً إلى الطابق الثاني دون خوف من سؤال الجيران عن هويته وسبب تواجده كما حدث المرة الأولى، نظرًا لامتلاكه "الحُجة".

"ربنا يبارك لك يا ابني.. متشكرة" منحت ربة المنزل الشاب قدرا من الإشادة والثناء على شهامته، لتدخل إلى شقتها بينما لم يغادر "فتحي" الذي استمع إلى مكالمة هاتفية تلقتها السيدة للتو، والتقطت أذنها جملة "أنا لسه واصلة اليبت.. ربع ساعة وهنام".

(5)

صباح اليوم التالي (السبت) اتصلت هاجر بوالدتها "أمل" في إجراء يومي اعتادت عليه للاطمئنان عليها، لكن دون رد، كررت الابنة محاولتها واحدة تلو أخرى دون جديد، فاتصلت بنجل خالتها "روح إطمن على ماما.. بتصل بيها مش بترد".

أسرع ابن الأخت للوقوف على سبب عدم رد خالته على الهاتف، طرق الباب دون إجابة، ولاحظ أنه غير محكم الغلق، فشرع في كسره ليكتشف الطامة الكبرى، عثر على محفظة القرآن الكريم "أم هاجر" جثة هامدة مُسجاة على ظهرها غارقة في بركة من الدماء.

تجمع الجيران على صراخ الشاب من كل حدب وصوب، اكتظت الشقة البسيطة بالأهالي، الجميع يقف مشدوها متسمرًا كل منهم في موضعه من صعوبة الحدث "مين اللي عمل كده.. دي ست بتاعت ربنا.. إزاي ده حصل؟" أسئلة رددتها الألسنة دون الحصول على إجابة.

(6)

"بداية الأسبوع هي عنوانه" هكذا علق أحد رجال الشرطة لدى تلقيهم بلاغ من شرطة النجدة بالعثور على جثة سيدة مقتولة داخل منزلها بشارع البوهي، ليطلب من زميله إخطار مأمور القسم العميد محسن كامل.

دقائق معدودة امتلأ الشارع برجال الشرطة بزيهم الميري والمدني (نظام - مباحث) لدى سماعهم صوت سارينة سيارات الشرطة، ليوجه المأمور بفرض كردون أمني بمحيط العقار محل البلاغ لتسهيل مهمة رجال البحث الجنائي.

عُثر على جثة "أمل عبد القادر" 52 سنة، تقي بمفردها، مسجاة على ظهرها بغرفة النوم، ترتدي ملابسها كاملة، وبها نحو 14 طعنة بالجسد، وآثار خنق بالرقبة وضربة بالرأس فضلا عن بعثرة في محتويات الشقة ليوجه اللواء محمد عبد التواب نائب مدي مباحث الجيزة بتشكيل فريق بحث رفيع المستوى لفك طلاسم "الجريمة اللغز".

(7)

فور وصوله مسرح الجريمة عمد المقدم محمد ربيع رئيس مباحث إمبابة إلى إجراء معاينة دقيقة للشقة ومنافذ الدخول والخروج، وسماع شهود العيان من الجيران والتحفظ على كاميرات المراقبة المُثبتة بالمحلات التجارية في المنطقة بحثًا عن طرف الخيط في قضية تشير ملابساتها الأولية إلى أن السرقة هي الدافع الرئيسي.

بالعودة إلى ديوان القسم، تحول الطابق العلوي الذي يحوي بين جنباته وحدة المباحث إلى خلية نحل، وصل العميد عمرو طلعت رئيس مباحث قطاع الشمال لتوزيع المهام على فريق البحث بمشاركة العقيد محمد عرفان مفتش القطاع والمقدم أمثل حرحش وكيل القطاع.

(8)

72 ساعة كاملة لم يذق خلالها المقدم "ربيع" طعم الراحة، مكث في مكتبه مواصلاً العمل ليل نهار لحل القضية، وجاءت أولى الخيوط بتطوير مناقشة أحد الجيران الذي أفاد بمشاهدته لشاب قصير القامة قمحي اللون يغادر العقار -محل الواقعة- في عجلة من أمره، فتطابقت أوصافه مع شخص رصدته كاميرات المراقبة.

أضحت الصورة أكثر وضوحًا، وبات الأمن يطارد شخصًا معلومًا وليس مجهول الهوية. الخطوة التالية جاءت بتكثيف التحريات وجمع المعلومات عن المشتبه به الرئيسي. وأكدت جهود الرواد مؤمن فرج ومحمد إدريس ومحمد بهاء معاونو مباحث إمبابة، أنه يدعى "فتحي" وشهرته "حمبوصة" يبلغ من العمر 22 سنة، وله معلومات جنائية "سرقة".

(9)

صباح اليوم الرابع لفريق البحث شهد الفصل الأهم لتلك الرواية، استصدر رجال المباحث إذنًا من النيابة العامة، وانطلقت مأمورية قادها المقدم محمد ربيع، وتمكنت من ضبط المتهم في أحد الأماكن التي يتردد عليها، واقتياده إلى القسم للتحقيق.

أمام العميد عمرو طلعت حاول المتهم إنكار تورطه في الجريمة، إلا أن دقة ملاحظة رئيس مباحث إمبابة كانت الكلمة الفصل، إذ لاحظ وجود "خربشة" بوجه المتهم نتيجة مقاومة المجني عليها له في أثناء ارتكاب جريمته ليدلي باعترافات تفصيلية عما اقترفته يداه دون إبداء أي نوع من الندم أو الحسرة بقوله "أنا كنت هسرق وماشي.. نصيبها كده".

(10)

يوم الجريمة، صعد المتهم -في تمام الثامنة والنصف مساء- إلى العقار محل الواقعة بدافع السرقة، إلا أن أحد الجيران شعر بخطواته فأسرع بالنزول، وتصادف صعود المجني عليها حاملة أكياس تحوي طلبات المنزل فعرض عليها مساعدتها.

وضع الجاني الأكياس أمام شقة الضحية، وهمَّ بالمغادرة ليتنامى إلى مسامعه حديث السيدة الخمسينية عبر الهاتف "أنا هنام كمان ربع ساعة"، فأخذ يتجول في الشوارع المحيطة قرابة نصف الساعة.

عاد الجاني ثانية قاصاد شقة محفظة القرآن، وقام بـ"فك العين السحرية" فوجدها نائمة على "كنبة الأنتريه"، ثم ضغط على لسان الباب الضعيف، ودلف إلى الداخل، واستولى على حقيبة يدها وراح يفتشها داخل المطبخ لكنه لم يجد سوى 20 جنيها وهاتفي محمول.

أصيب المتهم بخيبة أمل بسبب انخفاض قيمة المسروقات، فأسرع بالمغادرة لكن المجني عليها شعرت به، فأسرعت إلى شرفة الغرفة للاستغاثة بالجيران، فجذبها الشاب العشريني بقوة حتى سقطت على الأرض، وخنقها بـ"إسدال الصلاة"، لكنه لم يكتف بذلك، وأحضر سكينا من المطبخ، وانهال عليها بالطعنات؛ للتأكد من وفاتها، ولاذ بعدها بالهرب حتى فوجئ برجال الشرطة يضعون في يده "الكلبش".​

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان