"في لحظة كله اتفور".. صراع أبطال المطافئ في مواجهة "كتل النار" بأكتوبر
كتب - محمد شعبان:
الزمان: الحادية عشرة صباح أمس الأربعاء.
المكان: مقر إدارة قطاع إطفاء أكتوبر.
الحالة: هدوء حذر مصحوبا بيقظة واستعداد تام، لا تزال آثار صدمة صبيحة الثلاثاء الحزين تسيطر على الجميع، حالة وجوم تكسو وجوه رجال الحماية المدنية من حادث مروع أودى بحياة زميلهم الرائد خالد شبل، الضابط بإدارة تنفيذ الأحكام في مديرية أمن الجيزة، لكن دقائق قليلة فصلتهم عن جولة جديدة في مواجهة لهيب النار.
الحادية عشرة والثلث، سماع دوي سارينة إنذار تتبدل معها الأجواء داخل مقر القطاع، بلاغ وصل للتو غرفة العمليات بنشوب حريق هائل داخل مصنع بلاستيك في المنطقة الصناعية بوسط مدينة السادس من أكتوبر.
داخل مكتبه بمنطقة بين السرايات، كان اللواء هشام صادق مدير الإدارة العامة للحماية المدنية بالجيزة، يتابع الحالة الأمنية بمختلف القطاعات، يطمئن على جاهزية القوات في ظل طقس حار مصحوبا بارتفاع في درجات الحرارة، وزيادة احتمالية نشوب حرائق، يقطع ما كان ينجزه صوت جهاز اللاسلكي، يخطره العميد خالد المراكبي مدير قطاع إطفاء أكتوبر، بنشوب حريق في إحدى المنشآت الصناعية.
دقائق معدودات احتاجها رجال الدفاع المدني وصولا إلى موقع الحريق، يترجل اللواء "صادق" من سيارته ليقود طاقم العمل المكون من 50 رجل إطفاء يشاركه في عملية التوجيه وترجمة الخطة الموضوعة على أرض الواقع كل من العميد خالد المراكبي والعقيد علاء خلوصي رئيس قسم الإطفاء والمقدم شريف شبانة والمقدم عمرو حسين.
"إحنا سمعنا صوت انفجار وطلعنا لقينا النار مولعة" بصوت مرتعش يروي مالك مصنع مجاور اللحظات الأولى لاكتشاف الحريق بينما يلتزم صاحب المصنع غير المرخص -محل الحادث- الصمت رافضا الإفصاح عن الأسباب الكامنة وراء الحريق.
ألسنة النيران تعلو وكأنها تريد معانقة السحاب، العمال يفرون من الداخل بحثا عن النجاة، يوزع مدير طاقم الإطفاء رجاله إلى مجموعات عمل لمحاضرة ألسنة النيران من الاتجاهات كافة - بفضل 7 سيارات إطفاء و3 خزانات مياه استراتيجية- لاسيما أن المصنع مقام على مساحة 2800 متر وسطح مغطى بـ"الجمالون".
بالانتقال إلى ديوان عام مديرية أمن الجيزة، يتابع اللواء دكتور مصطفى شحاتة مساعد وزير الداخلية لأمن القطاع تطورات البلاغ لحظة بلحظة عبر جهاز اللاسلكي، موجها مساعده لقطاع أكتوبر اللواء رمزي بسيوني واللواء عمرو هاني مساعد فرقة الوسط بتقديم الدعم اللازم وتسهيل مهمة رجال الحماية المدنية حرصا على سلامة أرواح الجميع.
مؤشرات ضبط الوقت كانت تشير إلى الثانية عشرة ظهرا، 40 دقيقة مرت على بدء عملية الإطفاء لكن الأمور تزداد صعوبة مع وجود مواد تساعد على الاشتعال "بلاستيك - فوم"، وبدء انصهار "الجمالون" مهددا سلامة قوات الدفاع المدني ليصرخ اللواء "صادق" في رجاله: "ماحدش يدخل إلا ولابس الخوذة".
"يا فندم في مشكلة.. المصنع ملحق بيه مخزن للمنتجات النهائية" ردة فعل سريعة من العميد "المراكبي" بسرعة فصل المخزن عن مصدر النيران، والعمل على تقليل حجم الخسائر، إذ نجحت الخطة وإنقاذ منتجات داخل المبنى المقام على مساحة 800 متر.
60 دقيقة كاملة في مواجهة جحيم النيران، سطر خلالها رجال الإطفاء ملحمة بطولية، وكُللت جهودهم بالسيطرة على الحريق ليتنفس الجميع الصعداء، الحال نفسه لدى استقبال مدير الأمن الخبر انتابته حالة ارتياح كبيرة مشيدا برجال الإطفاء "انتم أبطال كالعادة".
سريعا دون توقف بدأ رجال الإطفاء تنفيذ عملية التبريد لمنع تجدد اشتعال النيران، بينما اهتم بعض رجال الشرطة بفحص أرجاء المصنع بالداخل حيث كانت فاجعة في انتظارهم، عُثر على جثة أحد العمال في حالة تفحم وبسؤال زملائه أكدوا "مش عارفين ده إبراهيم ولا كريم.. لما نعمل حصر هنعرف مين هو" في الوقت الذي نقلت سيارات الإسعاف 9 مصابين (رجال - سيدات) إلى أقرب مستشفى للعلاج.
ساعتان ونصف الساعة احتاجها رجال الدفاع المدني لإسدال الستار عن ذلك البلاغ، ليشرع الضباط في المعاينة والإجابة على سؤال يلوح في الأفق: "إزاي الحريق ده قام مرة واحدة؟" حتى عُثر على أسطوانة بوتاجاز متروكة في أحد الأركان فكانت طرف الخيط ليقر مالك المصنع بالحقيقة "حصل تسرب وأنبوبة انفجرت.. في لحظة كله اتفور".
"بشكركم يا أبطال.. وبنقل تحيات المساعد ليكم" ابتسامة علت الوجوه حال سماع رجال الإطفاء كلمات الشكر والثناء من رئيسهم؛ لما واجهوه من صعوبات على مدار 180 دقيقة لم يهابوا خلال الموت.
فيديو قد يعجبك: