"قفزة فتاة" كشفت المستور.. مصراوي يتتبع لغز العقار "المشبوه" بالشيخ زايد
كتب - محمد شعبان:
مؤشرات ضبط الوقت كانت تشير إلى الثانية عشرة منتصف ليل الأربعاء 15 يناير الماضي، هدوء يطبق على أحد المناطق الراقية في مدينة الشيخ زايد بالجيزة، برودة الطقس أجبرت غالبية السكان التزام منازلهم لكن سرعان ما تبدلت الأجواء بصراخ أنثى تلاه صوت ارتطام شديد بالأرض مصدره العقار (53)
دقائق معدودة انتشر معها رجال الشرطة في منطقة المستثمر الصغير بالحي العاشر. وسرعان ما وصلت سيارة إسعاف نقلت فتاة عشرينية إلى مستشفى قريب، بعد قفزها بملابسها الداخلية من "شقة مشبوهة" بالطابق الرابع بأحد العقارات.
أُغلق المحضر الخاص بواقعة سقوط الفتاة بعد سماع أقوالها ورواية الجيران لكن "مصراوي" تتبع الواقعة؛ لكشف لغز العقار المشبوه الذي تحول إلى وكر للأعمال المنافية للآداب شكل صداعا مزمنا لسكان المنطقة والشرطة.
مطلع العقد الثاني من الألفية الجديدة، طرحت هيئة المجتمعات العمرانية قطع أراضي للبيع في إطار خطة التوسع السكاني بالمدينة، أسرع الطبيب البشري "محمد.ع." إلى شراء واحدة ليصطدم بشروط وضوابط الهيئة التي تنص على ضرورة تقدم شركة مقاولات مرخصة.
لم يتردد الطبيب في عرض الأمر على شقيقه الذي يعمل في مجال المقاولات، الذي ساعده في الحصول على قطعة أرض بـ"المستثمر الصغير" وأوكل له مهمة البناء، وأقام عقارا من 5 طوابق بخلاف الأرضي إضافة إلى "رووف".
خصص الطبيب الطابق الأخير له وأسرته، وشرع في بيع عدد من الشقق تزامنا مع إقبال الكثيرين على المنطقة التي لاقت رواجا كبيرا من قبل الباحثين عن وحدات سكنية بالحي الراقي رغم ارتفاع قيمتها، وكللت مساعيه بتوثيق عقود 3 وحدات سكنية إضافة إلى تأجير بعضها لمدد زمنية متفاوتة.
بمرور الوقت، اتخذ قاطنو الشقق الثلاثة قرارا بالرحيل، واشترى مالك العقار الطبيب "محمد.ع." اثنتين وتمسك صاحب الأخيرة بملكيتها قبل أن يغادر المنطقة لاحقا.
صيف 2014، استقر "أشرف محمود" -اسم مستعار- وزوجته في العقار رقم (51) -الملاصق لرقم 53- ليكون من أوائل سكان المنطقة، بعدما وجد ضالته حيث الهدوء والمساحات الخضراء وحُسن الجيرة التي تحولت لاحقا إلى مصدر إزعاج واستياء الجميع.
منتصف 2018، اتخذ مالك العقار رقم (53) نهجا جديدا للاستفادة من الوحدات السكنية الشاغرة، طرح غالبيتها للإيجار ما بين أُسُر مصرية وأخرى خليجية إلى جانب بعض الشباب.
طاقم فندقي
لم يدم الأمر سوى أشهر معدودة، أواخر العام ذاته أنهى الرجل الخمسيني -الذي انصرف عن مزاولة الطب- عقود الإيجار، وعمد إلى "تشطيب" الشقق على أعلى مستوى، تضمن نظامي صوت "ساوند سيستم" وإضاءة تمهيدا لخطوته التالية التي كانت نقطة تحول له وسكان "المستثمر الصغير" كافة.
"الموضوع كان فردي بعد كده الإيجار تحول لشكل فندقي "يروي رجل الأعمال "أشرف" بداية معاناتهم مع العقار رقم (53)، قائلا "كنا متخيلين الموضوع شباب بيشغل أغاني بصوت عالي فصابرين لكن فوجئنا إن الحوار تجارة لحم رخيص".
فتيات بملابس فاضحة وشباب في مقتبل العمر يمسكون زجاجات الخمور يرقصون على موسيقى صاخبة وتصدر عنهم ألفاظا خارجة.. يصف "أشرف" أوضاع المترددين على العقار (53) حتى أضحى الأشهر لدى الباحثين عن متعة مُحرمة.
مطلع العام الماضي، أخذت الأمور منعطفا خطيرا، ارتفعت أسهم الشقق المفروشة بين الشباب العرب، ليستقدم مالك العقار طاقما فندقيا -حسب الجيران- ما بين سيدات يباشرن أعمال النظافة وأخريات لإعداد الطعام والمشروبات.
يقول المهندس "مصطفى" أحد الجيران إن الطبيب الخمسيني استعان بشقيقه الثاني "أيمن" ليكون ذراعه اليمنى في إدارة أعماله المشبوهة، وأحضر 4 بلطجية رابضين على باب العقار وامتد الأمر إلى تركيب كاميرات مراقبة.
يتذكر المهندس أولى المواقف المحرجة لدى حضور بلطجي ممسكا قطعة حديدية هشم بها بعض السيارات أسفل العقار (53)، صارخا بصوت عالٍ "عايز فلوس البنت اللي جبتها"، مشيرا إلى أن "النضورجية" أسرعوا لاحتواء الموقف ومنحوه مبلغا ماليا حتى انصرف.
أولادنا في خطر
"الوضع بقا مريب وماحدش يرضى باللي بيحصل.. أولادنا في خطر،" يقول رجل الأعمال أشرف محمود إن لقاءات عدة جمعت السكان بعد صلاة الجمعة بالمسجد القريب، بحثوا خلالها السبيل لوقف تلك المهزلة، موضحا أن أحدهم اقترح الاتصال مالك العقار مصدر الإزعاج لكن النتيجة جاءت مخيبة للآمال.
رد مالك العقار جاء سريعا، أضاف مصعدا ثانيا -الأول خاص به وأسرته التي تقيم بالطابق الأخير- يصل إلى الجراج خلف باب حديد؛ لمنع الجيران من معرفة هوية المترددين على الشقق المفروشة مع زيادة عدد الكاميرات كإجراء احترازي، ليعلق مصدر أمني مسؤول "علشان لما نقرب يعمل حسابه.. لدرجة القوة لما توصل العمارة يخرج يطلب إذن نيابة قبل السماح لهم بالتفتيش".
في أغسطس الماضي، ازدادت الأوضاع سوءا، رائحة الأعمال المشبوهة طفت على السطح. فشلت محاولات مالك العقار (53) لإخفائها، ما دفع الأهالي لإبلاغ شرطة النجدة التي أخطرت بدورها قسم شرطة ثان الشيخ زايد.
مداهمات متتالية
استجابة سريعة من رجال الأمن، داهمت مأمورية العقار محل الشكوى في وقت متأخر من الليل. "مرة واحدة لقينا بوكس تحت العمارة وقبضوا على بنات وشباب أوضاعهم مش كويسة"، يروي أحد شهود العيان -رفض نشر اسمه- تفاصيل تلك الأمسية لافتا إلى أن مشهد بكاء فتاة في مقتبل العمر وتوسلها للضابط بتركها دون اصطحابها للقسم لا يزال محفورا في ذاكرته، رددت عبارة واحدة "علشان خاطر أبويا ما يموتش".. ليرد الشرطي عليها: "يروح علشان يعرف أنه مرباش بنته".
ظن الطبيب "م.ع." أن تلك المأمورية هي الأولى والأخيرة، لكنه فوجئ بتوالي المداهمات بنحو مرة كل 3 أشهر في تمام الواحدة صباحا، ليقرر البحث عن طريقة تجنبه الاصطدام بـ"العيون الساهرة". يقول المهندس "أشرف محمود" إن ضابطا بقسم الشرطة أخبرهم: "الدكتور بتاع العمارة إياها قالب الدنيا علينا.. كلم طوب الأرض علشان منقربش منه" حسب قوله.
عادت الأوضاع إلى قديم العهد، واصل مالك العقار إدارة نشاطه بمساعدة شقيقه ونجليه "أحمد" و"محمد" وازدادت المشاهد المؤسفة "عندي أطفال كانوا بيشوفوا الناس اللي نازلة سكرانة الصبح بدري"، يقول أحد الجيران إن الوضع بات لا يطاق "صوت ضحك وبنات ترقص وبنات تجري ورا بعض".
يتذكر أحد سكان العقار (51) -المواجه للعقار المشبوه- ما جرى صبيحة يوم السبت مطلع شهر أغسطس الماضي إذ استيقظ في تمام الحادية عشرة على صراخ فتاة تقف بجوار نافذة ممسكة بزجاجة خمرة "افتح الباب.. عايزة انزل" حتى كسرت زجاج النافذة قبل أن يصطحبها قاطنو الشقة للداخل.
عاد الجيران للاجتماع بعد صلاة الجمعة، اتصلوا خلالها بشخص تربطه علاقة صداقة بالطبيب البشري طالبوه بنقل استيائهم من المخالفات الفجة التي تحدث ليل نهار فجاء رد مالك العقار: "معلش آسفين.. مش بنختار الناس اللي بتأجر المفروش.. كل واحد بييجي بمشاكله.. اللي يضايقكوا قولوا عليه يمشي وياخد فلوسه.. إحنا جيران".
توسم الأهالي الحي خيرا، لكن سرعان ما اصطدموا بواقع مرير، وتبين لهم أن مالك العقار (53) يتلاعب بهم ماضيا في نشاطه حتى بلغت الأمور ذروتها في ديسمبر الماضي، عندما فوجئ سكان العقار (51) بـ3 شباب خليجيين في حالة سُكر يطرقون أبواب الشقق بالخطأ في وقت متأخر من الليل ظنا أنها تخص العقار المجاور لكن سرعان ما لاذوا بالفرار.
كانت تلك الواقعة بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، تخلى الأهالي عن حرصهم ومخاوفهم، حرروا 5 محاضر بقسم الشرطة في غضون فترة قصيرة، حصل "مصراوي" على رقمي اثنين منها: (4414 لسنة 2019 - 4135 لسنة 2019).
"الناس قابلتنا بشكل محترم لأنهم عارفين العمارة واللي بيحصل فيها"، يقول أحد مقدمي البلاغات أن ضابط المباحث أخبرهم أنهم استدعوا المشكو في حقه "محمد.ع." ووجهوا له اللوم "هزقناه.. لكن مش عايز يبطل".
حالة استياء سيطرت على رجال الشرطة بالقسم حديث العهد بمديرية أمن الجيزة، قرروا الضغط على الطبيب المشكو في حقه قدر المستطاع، وأكد مصدران أمنيان أحدهما بقطاع أكتوبر والثاني بإدارة البحث الجنائي أنه تم نشر أكمنة ثابتة بداية ونهاية الشارع المؤدي للعقار (53) وفحص المترددين خاصة الفتيات والشباب العرب ليصف مصدر ثالث الأمر "أي واحدة داخلة مش معاها عنوان أو خليجي يتم اصطحابه للقسم وفحصه"، حسب قوله.
منتصف ليل الأربعاء يوم 16 يناير الماضي، كان سكان الحي العاشر على موعد مع حلقة جديدة لمسلسل "العقار المشبوه"، استيقظ الجميع على صوت ارتطام شديد بالأرض "جرينا نشوف اللي حصل لقينا بنت بتصرخ تحت العمارة 53" يقول أحد سكان العقار المواجه إنه سمع شقيق مالك العقار "أيمن" محدثا مساعديه "دي مروة بتاعت الرابع" في إشارة إلى أنهم على علم ودراية بالفتيات اللاتي يترددن على العقار.
صوت سارينة الشرطة ترافقها سيارة إسعاف أثار انتباه الأهالي، وتبين أن فتاة عشرينية قفزت من شرفة شقة بالطابق الرابع مرتدية ملابسها الداخلية، وأنها كانت رفقة شابين خليجيين، وتم نقلها سريعا إلى المستشفى للعلاج إثر إصابتها بكسور بالجسم.
يوضح المهندس "مصطفى" أن الشرطة استمعت لأقوالهم حول ملابسات الواقعة، لافتا إلى أن شاهدة عيان أخبرت الأمن "بالصدفة كنت في المطبخ، وشوفت فجأة البنت نطت من الشباك اللي قدامي".
قبل نهاية الأسبوع، توجه وفد من الأهالي إلى النيابة العامة، وقدموا ملفا يحوي البلاغات التي حرروها بشأن مخالفات العقار (53) فأثلج رد وكيل النيابة صدورهم "ماتقلقوش.. الموضوع ده بتاعنا وهنصعده".
بالتزامن مع تحركات الجهات المعنية، انتقل فريق من الشرطة إلى مستشفى الشيخ زايد التخصصي، واستمعوا لأقوال الفتاة "مروة" 22 سنة، التي بررت تواجدها رفقة الشابين بالشقة محل الواقعة "دول صحابي". وبسؤالها عن سبب قفزها من الشرفة أجابت والدتها "بنتي ملبوسة يا بيه" ظنا منها أن الأمر سيمر بسلام.
فتاة تكشف المستور
تحريات المباحث تحت إشراف مدير إدارة البحث الجنائي توصلت إلى أن "مروة" سبق اتهامها في قضية دعارة، كما أثبتت عينة أخذت من الشابين الخليجيين تعاطيهما لمواد مخدرة.
"مصراوي" عاين محل الواقعة مرتين -الأولى صباحا والثانية في وقت متأخر من الليل- في محاولة لرصد تفاصيل ما يحدث داخل العقار المشبوه، وتلاحظ تواجد أشخاص ببنيان قوي يرتدون ملابس مدنية (3 - 5 أفراد) لا يتركون مواقعهم، يراقبون حركة المارة مع منع توقف السيارات بمحيط العقار بدعوى أنه حرم خاص للبناية ذات الطوابق الستة.
في المساء، بدت الصورة مختلفة مع توافد سيارات ملاكي -غالبيتها بزجاج فاميه- على جراج العقار (53) ومع الاقتراب من "الندورجية" بدعوى الاستفسار منهم على شقة للإيجار رد أحدهم بصوت جهوري "مافيش شقق فاضية.. اتفضل من هنا يا أستاذ".
بالعودة إلى قسم شرطة ثان الشيخ زايد، كان رجال المباحث يعكفون على جمع المعلومات حول نشاط مالك العقار (53) المشبوه، وإعداد مذكرة بالمخالفات مرفقة بأرقام محاضر الجيران ومن ثم استصدار إذن من النيابة العامة بسرعة ضبطه.
بعد 17 يوما من واقعة سقوط الفتاة، ألقت مأمورية أمنية القبض على "محمد.ع.ا" 50 سنة، طبيب بشري، أصل إقامته المنصورة؛ بتهمة تأجير شقق مفروشة لأعمال منافية للآداب، وعُرض على النيابة العامة التي باشرت التحقيق واستعجلت تحريات مباحث الآداب.
فيديو قد يعجبك: