إعلان

25 ضابطا حققوا فيها.. كيف كشفت الشرطة لغز ذبح تاجر داخل سيارته في بدر؟

01:48 م الثلاثاء 19 مايو 2020

كيف كشفت الشرطة لغز ذبح تاجر داخل سيارته؟


كتب ـ محمد الصاوي:

في تمام الواحدة صباحا، يوم الأحد الماضي، كانت هناك دورية شرطة تتجول في شوارع مدينة بدر الخالية، وتحديدا طريق الروبيكي؛ لتفقد الحالة الأمنية وتطبيق حظر التجوال الذي أقره مجلس الوزراء لمواجهة فيروس كورونا المستجد.

وفي طريق الروبيكي المظلم وعلى بعد 200 متر، لمح أحد افراد الدورية سيارة تقف بشكل لافت للانتباه، فأبلغ قائد الدورية ضابط النظام بقسم شرطة بدر: "يافندم عربية واقفة شكلها غريب"، ليقرر الضابط التوجه إلى السيارة رفقة قوته لاستطلاع الأمر؛ فاتخذ رجال الدورية تدابيرهم، وترجلوا لفحص تلك السيارة المشتبه بها.

وما إن اقترب الضابط من السيارة حتى لاحظ وجود شخص واحد في السيارة على مقعد القيادة نادى عليه الضابط للفت انتباهه فلم يجب، اقترب الضابط منه فوجده ملطخا بالدماء ورأسه ملقى على عجلة القيادة، حاول إفاقته لكن دون جدوى إلى أن وقعت عيناه على جرح ذبحي عميق بالرقبة، فأيقن أنه فارق الحياة.

على الجهاز اللاسلكي أطلق الضابط إشارته إلى قياداته بالقسم "لقينا واحد مدبوح جوه عربية على طريق الروبيكي".

دقائق معدودة وتحول المكان إلى بقعة بيضاء في الظلام، بفعل ما أحدثته أضواء سيارات الشرطة التي أقلت الضباط لفحص البلاغ الغامض.

في مسرح الجريمة، انقسم الضباط والأفراد إلى فرق، واحدة تفحص السيارة وأخرى تفحص الأوراق الثبوتية التي عثر عليها في ملابس القتيل، وآخرون يفحصون الطريق لعل القاتل ترك في غفلة منه شيئا يشي بما يدل عليه.

لحظات وكانت المفاجأة؛ حيث نادى أحد الضباط على رئيس المباحث: "يافندم فيه فلوس في العربية" ليرد الذي كان يفحص الأوراق الثبوتية: "ده شكله رجل أعمال أو تاجر كبير وكمان من الصعيد".
9000 جنيه كانت في السيارة! تؤكد أن مرتكب الجريمة لم يحركه دافع السرقة، بل الانتقام، في هذا الطريق المظلم الذي لا يحوي كاميرات، والذي يشير إلى أن القاتل اختار مسرح الجريمة بعناية، ما يزيد القضية تعقيدا، فهي تحتاج إلى جهود مكثفة لفك طلاسمها.

على الفور، عزم اللواء نبيل سليم، مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة، على حسم أمر هذه القضية مبكرا؛ بتشكيل فريق بحث من 25 ضابط مباحث مشهودا لهم بالكفاءة عملوا ليل نهار لكشف ملابسات القضية.

داخل القسم كانت الزوجة تجلس باكية فراق زوجها "المذبوح"، طلب ضابط المباحث استجوابها وطرح عليها عدة أسئلة، فلم تساعد أجوبتها في حل القضية، "جوزي راجل طيب مالوش مشاكل مع حد وكان بيعمل خير كتير.. ده حتى كان بيساعد أي حد محتاج"، ثم سُمح لها بالرحيل لمتابعة إجراءات دفن زوجها؛ بعد ذلك تم فحص واستجواب كل من له علاقة مباشرة بالقتيل في العمل ومن تجمعه بهم معاملات مادية في السوق لكن دون جديد؛ مما أضطر فريق البحث إلى الانتقال إلى مسقط رأس الضحية ربما يجدون أجوبة لأسئلتهم وفرضياتهم.

على طريق ترابي كانت سيارة الشرطة التي تقل ضباط المباحث من القاهرة، تشق طريقها داخل القرية الريفية بالصعيد التي تعود لها أصول الضحية؛ بحثا عن أي خلاف ثأري بين العائلات في القرية كما هو معهود في الصعيد.

أخذ الضباط يستجوبون أهلية القتيل وأهالي البلدة عن علاقات المجني عليه بهم؛ إلا أن عائلته نفت وجود خلافات ثأرية مع أحد "إحنا مفيش مشاكل بينا وبين حد هنا.. والمرحوم كان بيساعد شباب البلد كلهم وبيشغلهم معاه.. مفيش حد هنا ممكن يفكر في قتله".

رجع رجال المباحث إلى القاهرة دون جديد يذكر، إلا أن جملة متكررة ترددت على لسان الأهالي - لدى طرح العديد من الأسئلة عليهم- تبادرت إلى ذهنهم "المرحوم سره كان مع مراته".

وفي الطريق تيقنوا أن مفتاح كشف الجريمة بحوزة الزوجة؛ وبالفعل تم استدعاء الزوجة لاستجوابها للمرة الثانية، بعدما تم إجراء التحريات المكثفة عليها، ومع بدء التحقيق بدت على السيدة علامات القلق المبالغ فيه، وبدأت تتلعثم مع ارتفاع وتيرة الأسئلة؛ ما أثار ارتياب الضباط؛ فقرروا تضييق الخناق اكثر، خاصة بعدما توصلوا إلى دليل جديد يؤكد إخفاء الزوجة شيئا ما عن القضية.

بدأ الضباط يباغتون السيدة بأسئلتهم، لكنها بدت متماسكة؛ إلى أن كان سؤال قائد فريق البحث الذي وقع على رأسها كالصاعقة، فتقيأت السر؛ حيث فاجأها المحقق بالدليل الذي أجلوا مواجهتها به، وهو تليفون ثانٍ به خط مسجل باسمها لدى إحدى شركات الاتصالات، تم التوصل إليه خلال جمع المعلومات عنها "فين تليفونك التاني اللي كنتِ بتكلمي منه عشقيك"؟!

اتسعت حدقتاها، وبدأت أكاذيبها في التداعي، لكنها حاولت المراوغة لثوانٍ: "مفيش معايا تليفونات غير ده" فأظهر المحقق الهاتف الذي كانت تخفيه داخل الشقة؛ وإمعانا في حصارها تم تشغيل إحدى المكالمات التي كانت هي تسجلها بنفسها لعشيقها؛ مع كل كلمة من المحادثة كان صوت أنفاسها يرتفع، حتى كاد يشوش على الصوت التسجيل الصادر من الهاتف؛ شعرت بالمحاصرة فآثرت في النهاية الاعتراف:

"أنا ماقتلتوش.. أنا مليش دعوة بحاجة.. ده واحد بلدياته كنت أعرفه هو اللي عمل كده"، تنفس الضباط الصعداء، بعدما بدأت ألغاز القضية في التكشف.

وعن دافع القتل، قالت السيدة إن زوجي كان يشك في وجود علاقة بيني وبين "بلدياته"، وقبلها بأيام هاتفه، وكانت لهجته حادة؛ بعد تلك المكالمة التحذيرية، قرر القاتل أن يبادر هو بالتخلص من الضحية قبل افتضاح أمرهما بين العائلة؛ واتفق مع الزوجة أن تمده بالمعلومات حول مواعيد خروجه ووجهته وخط سيره، ويوم الأربعاء الماضي، اتصل بالضحية، وأقنعه بضرورة مقابلته لحل الأزمة التي نشبت بينهما؛ بدت اعترافات المتهمة للمحققين منطقية؛ حيث إن عدم وجود أي علامات أو آثار اصطدام خارج السيارة تشير إلى أن القاتل كان تربطه علاقة بالقتيل، حيث سمح له بركوب السيارة طواعية.

في سرية تامة وسرعة فائقة داهمت مأمورية شرطة منزل العشيق الذي ما إن وصل إلى القسم راح يصطنع الثبات وعدم المعرفة بسبب وجوده؛ وبعد سؤاله عما جاءت التحريات به أنكر؛ فقرر الضباط ضرورة مواجهته بشريكته، فتم استدعاء السيدة من الحجز، وبدا على وجهها عندما رآها المتهم داخل غرفة التحقيق علامات عنت له أنها وشت به لدى المباحث، وحكت كل ما دار بينهما؛ لكنه فضل المماطلة علها تكون المنقذ؛ "أنا مليش علاقة بالموضوع ده والست دي كدابة"؛ لترد هي باكية: "أنا مش كدابة إنت اللي قتلته بعد مااتفقت معايا إن أنقلك كل حركة ليه؛ ويوم الحادثة كلمتني الساعة 12 بالليل، وسألتني عن مكانه، وقلتلك مشي من الفرن، وبعدها قابلته انت ودبحته".

بعد سيل الاعترافات التي لفظته شريكته؛ راح يقر "أنا فعلا اتفقت معاه على المقابلة على طريق الروبيكي عشان نخلص من القصة دي وخدت معايا واحد معرفة.. وبعد ما اتحركنا واتاكدت إن مفيش حد على الطريق دخلت العربية أنا واللي معايا هو قعد ورا وخنقه وأنا رميت عليه نشادر، وبعدها خرجت السكينة وذبحته.. كان لازم أعمل كده لأنه كان ابتدى يعرف إن فيه كلام بيني وبين مراته عشان كده قلت أخلص منه أنا الأول".
بعد هذه الاعترافات شرع الضباط في إعداد محضر بأقوال المتهمين وإبلاغ القيادات بحل طلاسم القضية، وإعدادها لإحالتها إلى النيابة لتستكمل التحقيقات.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان