بعد تصريحات "البابا".. القصة الكاملة لمقتل رئيس دير أبو مقار
كتب- محمود الشوربجي:
نفى قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس، أن تكون الكنيسة قد سلمت الراهبين المتهمين بقتل رئيس دير أبو مقار الأنبا إبيفانيوس كبش فداء لإعدامهما.
وأضاف البابا في بث حي لبرنامج "99 دقيقة"، المخصص للحوار مع الشباب، عبر الصفحة الرسمية لقناة "OCC" التابعة للكنيسة، "لم يحدث هذا الأمر، ولا تصدقوا كل الشائعات التي تقال، هذه جريمة أخذت حساسيتها لأنها تمت في دير، وزادت حساسية لأنه اعتداء على رئيس الدير، وتمت إدانة المتهمين لثبوت تورطهما في الجريمة".
وكانت حادثة مقتل الأنبا إبيفانيوس قد أثارت الرأي العام لفترة طويلة.. فما هي تفاصيل جريمة مقتل رئيس دير أبو مقار؟.
مقتل الأنبا إبيفانيوس
في 29 يوليو 2018؛ عثر رهبان دير الأنبا مقار بوادي النطرون على الأنبا أبيفانيوس رئيس الدير مقتولًا أمام القلاية الخاصة به، وعلى الفور أكدت الكنيسة خبر مقتله -عن عمر ناهز 64 عاما-.
مباشرة انتقلت نيابة وادي النطرون بالبحيرة، إلى دير الأنبا مقار وتأمر بنقل جثمان الأنبا أبيفانيوس، في سيارة إسعاف إلى مستشفى دمنهور التعليمي، لإجراء عملية التشريح اللازمة للجثمان، لكشف ملابسات وأسباب مقتله.
صباح اليوم التالي أعلنت الكنيسة اقتصار القداس على أعضاء المجمع المقدس، والرهبان والكهنة وأعضاء المجلس الملي وهيئة الأوقاف القبطية، وأسرة الراحل.
وفي اليوم الثالث تم نقل جثمان الأنبا أبيفانيوس، رئيس دير أبومقار بوادي النطرون، من مشرحة المستشفى العام بدمنهور إلى الدير تحت حراسة مشددة استعدادًا للصلاة عليه، وإقامة القداس وتشييع جنازته.
استدعاء الجهات الرسمية للتحقيق
مباشرة جرى استدعاء الجهات الرسمية للتحقيق، إذ لمست الكنيسة غموضًا أحاط بظروف وفاة أسقف ورئيس الدير.
بعدها أوفد قداسة البابا تواضروس الثاني، بطريرك الكرازة المرقسية سكرتاريته وأسقف لمتابعة الحادث، وقال رهبان وقتها أن المجني عليه توفي بجرح غائر في الرأس.
وفي 2 أغسطس 2018 أصدر البابا تواضروس عقب اجتماع للجنة الرهبنة وشؤون الأديرة بالمجمع المقدس، 12 قرارًا تعلق بالرهبنة، كان أبرزها وقف رهبنة أو قبول أخوة جدد في جميع الأديرة القبطية الأرثوذكسية داخل مصر لمدة عام يبدأ من أغسطس 2018، وإيقاف سيامة الرهبان في الدرجات الكهنوتية "القسيسية والقمصية" لمدة ثلاث سنوات، وحظر البابا الظهور الإعلامي بأي صورة ولأي سبب ولأي وسيلة لكل الرهبان، مؤكدًا أن من يتورط في ذلك سيعرض نفسه للتجريد من الرهبنة والكهنوت.
تجريد ومحاولة انتحار
في 5 أغسطس 2018 قرر البابا تواضروس تجريد الراهب أشعياء المقاري من الرهبنة وطرده من دير أبومقار، بسبب "تصرفاته التي لا تليق بالسلوك الرهباني، وأكدت الكنيسة حينها أن تجريد الراهب لا علاقة له بمقتل الأنبا إبيفانيوس، وأنه تم لأسباب رهبانية بحتة.
وفي اليوم التالي وبالتحديد يوم 6 أغسطس 2018 حاول الراهب فلتاؤس المقاري "ريمون رسمي" المتهم الثاني في القضية الانتحار.
وقالت الكنيسة القبطية إن أشعياء "وائل سعد تواضروس"، قد سبق وأن تم التحقيق معه من قبل لجنة شئون الرهبنة والأديرة بداية العام الحالي 2018، وصدر قرارًا بإبعاده عن دير القديس أبو مقار بوادي النطرون لمدة 3 سنوات، إذ أن لجنة التحقيق وقتها أشارت إلى عدم التزام الراهب بقانونين من قوانين الرهبنة هما الطاعة والتجرد ويرفض أن يتولى أي مسؤولية رغم صغر سنه، وأنه لا يتعامل نهائيًا مع رئيس ديره وكذلك أمين الدير، وأنه حاول تكوين جبهة مضادة داخل الدير، وأن رئيس الدير المقتول طلب إبعاده عن الدير.
تعطل الكاميرات
خلال تحقيقات النيابة العامة تم اكتشاف تعطل جميع كاميرات الدير، باستثناء 3 كاميرات فقط على بوابة الدير الخارجية ومقر الكنيسة التي تجرى فيها طقوس الصلاة.
كما تبين عدم وجود كاميرات بأماكن الرهبان والطرق المؤدية إلى مساكنهم أو ما يسمى بـ "القلايات"، للحفاظ على خصوصيتهم الروحانية.
حبس أشعياء المقاري والاعتراف بالجريمة
وفي 10 أغسطس 2018 استمعت النيابة إلى أقوال 145 راهب، وجرى إحالة القضية إلى نيابة استئناف الإسكندرية.
وقررت النيابة التحفظ على الراهب المشلوح أشعياء المقاري، 34 سنة، على ذمة التحقيقات، وإحالته للطب الشرعي لبيان ما به من إصابات، بعدما تبين وجود جروح قطعية وسحجات بيده اليسرى، كما قررت النيابة حجز الراهب "ب. ا" مسؤول الكاميرات بالدير، وحجز "م. ي. ش" مسؤول العمال بالدير على ذمة تحريات المباحث.
ثم جرى حبس الراهب أشعياء المقاري، عقب اعترافه وتمثيله للجريمة، عن طريق استخدام قضيب حديدي عثر عليه بمخزن خردة بالدير، حيث ضرب أشعياء رئيس الدير على رأسه 3 ضربات متتالية أودت بحياته، فيما اعترف بتولي الراهب "فلتاؤوس" مهمة مراقبة الطريق ومكان الواقعة.
الإحالة للجنايات
في 19 أغسطس 2018 قررت نيابات استئناف الإسكندرية برئاسة المستشار ناصر الدهشان، إحالة الراهبين أشعياء وفلتاؤس، إلى محكمة جنايات الإسكندرية، لمحاكمتهما بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد في قضية قتل الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار.
وفي 23 سبتمبر من نفس العام بدأت محكمة جنايات دمنهور "الدائرة الثانية"، المنعقدة بمحكمة ايتاي البارود الابتدائية، أولى جلسات المحاكمة، واقتصرت على قرار باستدعاء المتهم الثاني من محبسه في مستشفى قصر العيني والسماح لدفاع المتهم الأول بالاطلاع على أوراق القضية وتصوير المستندات.
خلافات سابقة و3 ضربات قاتلة
خلال التحقيقات كشفت النيابة العامة أن إحالة المتهمين للجنايات جاءت بعدما انتهت نيابة استئناف الإسكندرية من تحقيقاتها التي كشفت عن قتل المتهمين للمجني عليه الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير الأنبار مقار بوادي النطرون.
واعترف المتهمان في التحقيقات بأنهما على إثر خلافاتهما مع المجني عليه، اتفقا على قتله، قبل شهر سابق من تاريخ الواقعة، ونصبا كمينًا له بطريقه المعتاد من سكنه إلى كنيسة الدير لأداء صلاة قداس الأحد، وما أن شاهد الأول "أشعياء"، المجني عليه اعتدى عليه مسددًا له 3 ضربات متتالية على مؤخرة الرأس.
وأشارت التحقيقات، إلى أن المتهم الأول سدد ضربات للمجني عليه بواسطة الأداة التي أعدها لذلك "ماسورة حديدية" قاصدًا إزهاق روحه حال مراقبة المتهم الثاني "فلتاؤوس" للطريق والشد من أزره، وعقب تيقنهما من وفاة إبيفانيوس فرا هاربين.
وثبت من تقرير الصفة التشريحية، أن وفاة المجني عليه نتجت عن الإصابات القطعية بالرأس وما صاحبها من تهتك وكسور ونزيف بالجمجمة.
الإحالة للمفتي
في 23 فبراير 2019؛ قررت محكمة جنايات دمنهور "الدائرة الثانية"، والمنعقدة بمحكمة إيتاى البارود الابتدائية، إحالة أوراق الراهبين المشلوح أشعياء المقاري، واسمه المدني "وائل سعد تواضروس"، وفلتاؤوس المقاري، المتهمين بقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا أبومقار بوادى النطرون، إلى فضيلة المفتي.
وجاء قرار الإحالة من المحكمة إلى فضيلة المفتي لاستطلاع الرأي الشرعي في تنفيذ حكم الإعدام بهما وتحديد جلسة 24 أبريل 2019. للنطق بالحكم.
إعدام المتهمين
بعد شهرين تقريبًا وبالتحديد يوم 24 أبريل 2019؛ قضت محكمة جنايات دمنهور بعد إجماع الآراء بمعاقبة الراهبين السابقين وائل سعد تواضروس وريمون رسمي منصور بالإعدام شنقًا لإدانتهما بقتل الأنبا ابيفانيوس رئيس دير أبو مقار بوادي النطرون.
وقال رئيس المحكمة في كلمة له في مستهل جلسة النطق بالحكم إن المتهمين ارتكبا كبيرة من أكبر الكبائر وأعظم الجرائم التي نهت الديانات السماوية عنها، ولم يمنعهما عن جرمهما كونهما راهبين، فقد سلكًا طريق الرهبنة طوعًا ولم يردعهما مكان ارتكاب الواقعة وكبر سن المجني عليه ومكانته.
وأضافت المحكمة أنها اطمأنت لأدلة الثبوت في هذه الدعوى، وتطابق الأدلة القولية مع الأدلة الفنية، وقررت بإجماع آراء أعضائها القصاص من المتهمين.
إلغاء إعدام "فلتاؤوس" والتأييد لـ"أشعياء"
وفي 1 يوليه 2020؛ قال المحامي ميشيل حليم، دفاع المتهم فلتاؤوس المقاري في قضية قتل رئيس "دير الأنبا أبو مقار"، إن محكمة النقض ألغت حكم الإعدام الصادر بحقه وعاقبته بالسجن المؤبد.
وأضاف "حليم" لمصراوي، أما بخصوص المتهم الأول في القضية المشلوح أشعياء المقاري، أيدت المحكمة حكم الإعدام الصادر بحقه.
وكان المتهمان؛ المشلوح أشعياء المقاري، واسمه المدني "وائل سعد تواضروس"، وريمون رسمي منصور فرج المعروف بفلتاؤوس المقاري، طعنا أمام محكمة النقض، للمطالبة بإلغاء الأحكام الصادرة بإعدامهما.
تنفيذ حكم الإعدام
وبعد مرور أقل من عام على تأييد حكم الإعدام وفي 9 مايو 2021، نفذت مصلحة السجون حكم الإعدام على وائل سعد تواضروس الراهب السابق المسمى باسم أشعياء المقاري، المتهم بقتل الأنبا إبيفانيوس، داخل دير وادي النطرون عام 2018.
فيديو قد يعجبك: