محامي كرداسة.. كيف أسقطت مأمورية الرصاص "وحش" نزلة البطران؟
كتب - محمد شعبان:
غرفة ضيقة بالكاد يتحرك قاطنها بين جدرانها الأربعة، أغلق بابها المتهالك بحرص شديد كيف لا وهو يعلم ما ينتظره بعد جريمته. أمسك سلاحه الآلي مع أخذ وضع الاستعداد للإطلاق فقلبه يحدثه قبل عقله بنهاية محتومة بين غشية وضحاها.
على بعد عشرات الكيلو مترات من نزلة البطران بحي الهرم غرب الجيزة كانت خلية نحل من ضباط الشرطة تعمل على قدم وساق هناك بمسرح جريمة هزت الرأي العام راح ضحيتها المحامي بنداري حمدي بطلقات نارية داخل مكتبه بقرية أبو رواش مركز كرداسة.
تركيز شديد يصاحبه تحليل دقيق لمعلومات جمعها رجال المباحث حول الجاني. كاميرات المراقبة المثبتة داخل المكتب التقطت ثوان معدودة كانت كفيلة بكشف هوية القاتل ويدعى "محمد.ف." وشهرته "محمد خيرية".
على بعد أمتار من المكتب المخضب بدماء الضحية الثلاثيني، صاح أحد الضباط قاصدا تجمع قيادات البحث الجنائية "حددنا مكان المتهم يا فندم". كلمات انعكس صداها على ملامح فريق البحث مانحة إياهم فرصة لالتقاط أنفاسهم في ظل اهتمام رفيع المستوى من يادات الوزارة ونقابة المحامين بالقضية.
بعيدا عن صخب الحضور وعويل ذوي القتيل، وضع المقدم هاني عماد رئيس مباحث كرداسة خطة محكمة للإيقاع بالمتهم واضعًا نصب عينيه خطورة المأمورية لحيازة الأخير سلاحا ناريًا لن ينتوان عن استخدامه "هتبقى حياة أو موت".
فجر الأربعاء، توجهت مأمورية سرية إلى مقر اختباء المتهم "خيرية" أشرف عليها العقيد تامر صالح مفتش مباحث فرقة شمال أكتوبر، بمشاركة الرائد أحمد فايز والنقيب إبراهيم فاروق معاوني مباحث كرداسة بالتنسيق مع فرقة الهرم بقيادة العقيد هاني الحسيني.
عنصر المفاجأة كان صاحب القول الفصل. استيقظ المتهم ليجد رجال الشرطة أعلى رأسه ليفقد النطق مؤقتًا محاولًا استيعاب ما يدور -داخل غرفة استأجرها- ليبحث عن سلاحه الذي احتضنه قبل أن يغط في النوم ليرد عليه أحد الضباط "بدور على البندقية دي.. كمان ساحب طلقة من الخزنة.. انت وحش ومانعرفش".
قبل 24 ساعة تحديدا صباح الثلاثاء، خرج صاحب الرداء الأسود "روب المحاماة" قاصدًا محكمة شمال الجيزة للدفاع عن أحد موكليه. سلم على أسرته كما لو قلبه يحدثه بأنها لحظات الوداع دون أن يجول بخاطره لبرهة بما يُحاك له في الخفاء.
بحضوره المميز وابتسامته المعهودة، باشر المحامي بنداري حمدي أحمد عمله بين جنبات المحكمة العتيقة وسط دهشة البعض من نشاطه المفرط وإصراره على مصافحة غالبية زملاء مهنته كما لو أنه يودعهم ليغادر بعدها إلى مكتبه بقرية أبو رواش بمركز كرداسة.
مع غروب الشمس، حضر أحد الأشخاص يطلب مقابلة "بنداري" ليسمح له بالدخول. لحظات قليلة كانت كفيلة بتبدل المشهد ليغلب عليه لون الدم في جريمة غادرة. لم يكد يسمع العامل دوي إطلاق الرصاص حتى هرع إلى الداخل ليصرخ بصوت مرتفع "الأستاذ اتقتل إلحقونا".
دقائق معدودة كانت كفيلة بتوافد الأهالي والشرطة. معاينة لعقيد تامر صالح مفتش مباحث فرقة شمال أكتوبر، بينت أن الجثة لمحامٍ ثلاثيني داخل مكتبه بالقرب من شركة الكهرباء يدعى "بنداري.ح.ح" قتل بالرصاص في ظروف غامضة.
تبين بالفحص تحت إشراف اللواء أحمد الوتيدي مدير المباحث الجنائية بالجيزة، أن الجاني أطلق دفعة من الطلقات ببندقية ألية أصابت رصاصتان منها منطقة حساسة بجسد القتيل أودت بحياته قبل نقله إلى مستشفى الشيخ زايد التخصصي.
بالعودة إلى منطقة الهرم، اصطحبت مأمورية المتهم صاحب السجل الإجرامي -له معلومات جنائية سابقة- إلى قسم شرطة كرداسة بالقرية الذكية ليدلي باعترافات تفصيلية لجريمته وبحيازته (بندقية آلية - 10 خزائن - 300 طلقة) والدراجة النارية المستخدمة في الهروب.
المتهم هو أحد موكلى المجنى عليه في قضية نفقة خاصة بطليقته، وعند صدور الأحكام لصالح الطرف التاني، قرر الانتقام من المحامي وقتله داخل مكتبه ليعلل السبب "دمرني وخرب بيتي".
اكتملت الصورة ولم يتبق سوى إجراء المتهم للمعاينة التمثيلية لجريمته وسط حراسة أمنية مشددة -تحت إشراف اللواء عصمت هريدي ميدر قطاع أكتوبر- قبل اقتياده إلى محبسه في انتظار إحالته للمحاكمة الجنائية العاجلة بتهمة العمد القتل.
فيديو قد يعجبك: