إعلان

تحليل – ''غباء'' الحد الأقصى للأجور !

02:10 م الخميس 21 مارس 2013

تحليل – محمد سليمان:

يخطئ الكثيرون بالاعتقاد بأن العدل والمساواة متشابهان لا فارق بينهما، في حين أن الاختلاف بين الكلمتين يمثل إحدى أكبر أزمات الاقتصاد والمجتمع المصري ككل !.

فالواقع أن العدل قد لا يعني المساواة، بل أنهما غالبا ما يتعارضان مع بعضهما البعض بشكل صارخ.. فالمساواة كلمة تعني تساوي كل الأطراف في كل شيء.. رغم أنه قد يكون من الحكمة التفريق بينهما، وهو ما يمثله مصطلح العدل، حيث يحصل كل شخص على ما يستحقه تماما.

ويظهر هذا الأمر بشكل أكثر وضوحًا مع اتجاه حكومة الدكتور هشام قنديل لإقرار الحد الأدنى والأقصى للأجور في المؤسسات الحكومية بدءً من شهر يوليو المقبل، وهو الأمر الذي اعتبرته الحكومة تجسيدًا لمبدأ العدالة الاجتماعية.
 
وكان وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور أشرف العربي قد صرح بأن اعتمادات الاجور في الموازنة الجديدة تبلغ 170 مليار جنيه مقابل6,136  مليار جنيه بالموازنة الحالية.

وتنقسم مصروفات الموازنة العامة لمصر إلى 4 اجزاء متقاربة الحجم، الأول خاص بالأجور، والثاني بفوائد الديون، والثالث يتعلق بالدعم، والأخير بكل ما يخص مصروفات للوزارات والهيئات ومختلف نواحي الحياة في مصر.

والمنطق يؤكد أن تطبيق الحد الأدنى للأجور هو أمر صحيح تمامًا، ويعبر عن العدالة الاجتماعية بالفعل، فتحديد حد أدنى للأجر في مصر هو أمر مطبق في عدد كبير من دول العالم، لمساعدة المواطنين على الوفاء بالاحتياجات الأساسية للحياة بكرامة ومع مراعاة الارتفاع العام في الأسعار.
 
ولكن عندما نتحول للشق الثاني والذي يتحدث عن فرض حد أقصى للأجور بحيث لا يتجاوز – طبقًا لتصريحات وزراء التخطيط والمالية ورئيس الوزراء – 35 ضعف الحد الأدنى، نجد أن هذا الأمر يتعارض تمامًا مع فكرة العدل، بل ويضرب أسس الاقتصاد والمنطق البشري ذاته في مقتل !.

دعونا نتخيل أن أحد الأشخاص وصل من الكفاءة والعمل المتواصل في إحدى الشركات المملوكة للدولة لأن يتقاضى الحد الأقصى للأجر.. مر عليه عدة أشهر وهو يعمل بهذا الأجر دون تغيير رغم أنه لازال بنفس الكفاءة ولازالت شركته تربح الكثير بفضل ذكاءه ومجهوده المتميز عن باقي زملاءه.. هل تتوقع أن يواصل تميزه هذا مع غياب الدافع؟.
 
الواقع أن تطبيق الحد الأقصى للأجور يعني ببساطة تدمير أي حافز أو دافع لتقديم مزيد من العمل، فهو يعني بالنسبة للشخص الحاصل عليه "أنك وصلت إلى اقصى ما يمكن أن تصل إليه.. لن يرتفع راتبك أبدًا مهما تطور عملك وتحسن انتاجك.. إذا ربحت الشركة الاف الجنيهات بسببك أو ربحت ملايين فلن تحصل على أكثر مما تحصل عليه الآن".. هل تتوقع أن يسعى أو يحاول أو ينتج أكثر؟؟.

الأمر الثاني.. هو أن تطبيق حد أقصى للأجور في القطاع العام سوف يحول معظم الكفاءات إلى القطاع الخاص الحر، المستعد لاستقدام الخبرات وزيادة رواتبهم بشكل كبير، لأنه سيحصل على أضعاف هذه الرواتب جراء عمل هؤلاء وأفكارهم، وهو ما سيظهر خلال الفترة المقبلة مع بدء تطبيق الحد الأقصى، خاصة في البنوك وشركات البترول والمؤسسات المالية.
 
تطبيق فكرة الحد الأقصى للأجر جاءت لسببين، أحدهم لا يمثل أزمة، والثاني يعبر عن "استسهال" لحل مشكلة.

السبب الأول والذي أعلنته الحكومة يتلخص في محاولة تضييق الفارق بين الطبقات، فكيف يحصل شخص على ألف جنيه راتب شهري، بينما يحصل آخر على 100 ألف جنيه؟.. رغم أن التساؤل هنا يجب أن يكون.. هل يستحق كلاهما ما يحصل عليه أم لأ؟.. هل يقدم كلًا منهما ما يبرر حصوله على راتبه هذا، أم أن أحدهما يعترض للظلم؟
 
قد أحصل على ألف جنيه شهريًا بينما عملي وكفاءتي لا تبرر حصولي على ربع هذا المبلغ، بينما قد يكون راتب صديقي يتجاوز عشرات الالاف، في حين أن شركته تربح بسببه ملايين الجنيهات.. في رأيك أيهما يتعرض للظلم ؟.
 
السبب الثاني الذي يتخذه البعض ذريعة لإقرار الحد الأٌقصى هو محاولة سد باب الفساد في الوزارات والهيئات الحكومية، ووقف مهزلة المستشارين والأقارب الذين يحصلون على عشرات الالاف شهرياً بينما يمكن توفير هذه الأموال وتحويلها لصغار الموظفين.
 
والحقيقة أن هذا السبب هو حق يراد به باطل، فوقف النهب والسرقة والفساد لا يكون يفرض حد أقصى له، بل بمنعه تمامًا وفرض ضوابط صارمة على هذا الهيئات، فإذا كان هناك اشخاص يحصلون على رواتب كبيرة بدون وجه حق، فالمنطق يدفعنا لتطهير هذه الهيئات منهم بما أنهم لا يقدمون ما يستحقون عليه هذا، وليس أن نضع حد أقصى للسرقة والفساد، ونمنع من يستحق أن يحصل على هذه المبالغ بالفعل من حقه.
 
الطبيعية البشرية، والنظام الكوني الذي أرساه الله يحتم وجود فوارق بين البشر، بين عقلي وعقلك، جهدي وجهدك، بين الطموح والعمل والانتاج، وبالتالي بين الدخل والثروة في النهاية.. محاولة فرض حد أقصى للأجر تعني فرض حد أقصى للعمل.. محاولة تقول لأي شخص: "لا تحاول أكثر.. فلن تحصل على أكثر"
 
يقول الله تعالي: "قل هل يستوي الذي يعلمون والذين لا يعلمون''

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان