ميكرع هاكول - (مقال)
بقلم – محمد سليمان:
يقولون أن غريزة البقاء هي أهم ما يحرك الجنس البشري على مر التاريخ، يكفي أن تشعر أن وجودك في خطر حتى تشعر بقوة لم تتخيل أنك تمتلكها تدفعك لمحاولة الحفاظ على الشئ الوحيد الذي يهمك فعلًا.. بقاءك حيًا.
عندما قامت دول إسرائيل، صمم قادتها على أن تبقى للأبد، لذلك سعوا بقوة لامتلاك السلاح النووي الذي سيضمن لهم الاستمرار، أو على الأقل تدمير المعبد على الجميع إذا حانت لحظة النهاية.
اتخذ بن جوريون من الجملة العبرية ميكرع هاكول أو "قبل ضياع كل شيء" شعارًا للمشروع النووي الإسرائيلي، ليرمز إلى أنهم لن يستخدموا هذا السلام ضد جيرانهم العرب الإ في حالة التأكد من أن بقاء الدولة العبرية أصبح في خطر حقيقي.
والآن.. أصبح الوضع الاقتصادي في مصر تنطبق عليه هذه العبارة أكثر من أي وقت مضى، فاقتصاد مصر يقترب من الهاوية الفعلية مع بحر الدماء التي تراق في الشوارع كل يوم، ليصبح الحديث عن إفلاس مصر واقعي وقريب للغاية.
منذ ثورة يناير والخبراء يحذرون من أن الاقتصاد ينهار، والوضع يزداد سوءً، وإمكانية الاستمرار أصبحت تعتمد بشكل كامل على المساعدات والمنح والتسول الخارجي، ولكنهم لم يتخيلوا أن يتحول الأمر إلى إفلاس فعلي حاليًا.
دعونا ننظر إلى الواقع بعيدًا عن دبلوماسية الحكومة والسياسيين، مصر تحتاج شهريًا لنحو 30 مليار جنيه لاستيراد سلع وخدمات، بينما لا تزيد قيمة صادرتنا الشهرية عن 15 مليار جنيه، أي أن العجز التجاري يصل لنحو 50 بالمئة في أفضل الحالات.
وبينما نحتاج لسد هذا العجز لنتمكن من توفير احتياجاتنا الحياتية، نصطدم بتراجع رهيب في الإيرادات، فلا وجود لسياحة في بلد يقتل فيه العشرات بشكل يومي، ويهاجم فيه أقسام الشرطة والكنائس والمساجد وكل مؤسسات الدولة.
كما تراجعت إيرادات قناة السويس خلال العام المالي المنتهي بنحو 4 بالمئة تقريبًا، في حين ارتفعت تكلفة الديون بشكل عنيف لأن الدائنين أصبحوا يريدون ثمن إضافي لمخاطر اقراضك في وضعك الحالي وإمكانية عدم التزامك بالسداد في الوقت المحدد.
وبينما تشير أرقام البنك المركزي إلى أن الاحتياطي النقدي – الذي يستخدم في شراء احتياجات مصر الخارجية – إلى 18 مليار دولار، الإ أن الواقع يؤكد أن 90 المئة من هذه الاحتياطيات هي مساعدات خارجية مشروطة وليست ملكًا للدولة بشكل فعلي.
وساهمت حالة الطوارئ وحظر التجوال في تراجع الإنتاج بشكل كبير، مع انخفاض عدد ساعات العمل في المصانع والشركات، وانتهاء الحياة العملية للمصريين في الساعة السابعة مساءً، لتتقلص كميات الإنتاج أكثر مما هي متراجعة أصلًا منذ الثورة بسبب الاضرابات والتظاهرات والاعتصامات.
في حين تزداد أسعار كل السلع مع ارتفاع تكلفة النقل للسلع الغذائية بسبب غياب الأمن في الطرق، وانخفاض حجم المعروض في الأسواق.
معدل البطالة ارتفع خلال الثلاث أشهر الماضية من مستوى 13 بالمئة إلى 13.3 بالمئة، لتضاف أعداد جديدة إلى طابور العاطلين، بينما وصل معدل الفقر – وفقًا للبيانات الرسمية – إلى أكثر من 25 بالمئة من المصريين.
نحن حاليًا أمام دولة أصبحت لا تملك سوى المساعدات التي تتلقاها من دول تعد على أصابع اليد، ومواطنين أصبحوا عاطلين عن العمل أو تراجع دخلهم بشكل كبير، بينما يصطدمون بارتفاع سريع في أسعار كل شيء.
الخلاصة: مصر لا تملك رفاهية الصراع الداخلي والاقتتال اليومي في الشوارع وحالة الطوارئ وحظر التجوال الحالية، الحديث الآن لم يعد عن الأخلاق والقيم والحب والشرع والشرعية.. نحن أمام حقيقة أننا بعد فترة قصيرة لن نجد الطعام أو المياه.. فأما نتوصل لحل للأزمة السياسية الآن ونحيا معًا.. وإما يجمعنا الموت رغمًا عن الجميع.
فيديو قد يعجبك: