إعلان

ما أسباب تفوق اقتصاد ألمانيا؟

03:56 ص الجمعة 09 أغسطس 2013

دويشته فيلله:

الأزمة المالية في منطقة اليورو ضربت أطنابها بقوة وأحدثت زلزالا في بعض دولها، رغم ذلك بقي الاقتصاد الألماني في موقع متفوق يشار إليه بالبنان. فما هي أسباب ذلك التفوق؟ وماذا يمكن أن تستفيد بقية الدول الأوروبية من ذلك؟

''صُنع في ألمانيا'' بقيت لسنوات طويلة علامة للجودة والتفوق الاقتصادي. وكان يمكن لهذه الصورة أن تتغير مع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بمنطقة اليورو، والتي قلبت الخارطة السياسية وأطاحت بحكومات عدة دول وفرضت إتباع سياسات تقشفية، أقل ما يمكن وصفها بأنها شديدة المرارة.

ولكن يبدو أن الأزمة لم تؤثر على اقتصاد ألمانيا بشكل كبير، حيث حافظ الاقتصاد الألماني على تفوقه وبدا وكأنه يغرد خارج السرب بين اقتصادات بقية دول الاتحاد الأوروبي. إذ تشير الأرقام إلى أن الاقتصاد اليوناني سجل انكماشا بنسبة 6.5 % خلال الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. الانكماش في إيطاليا كان بنسبة 2.4 %، وحتى الأرقام في فرنسا وبريطانيا تشير إلى انكماش اقتصادهما أيضا. أما في ألمانيا، وإن كانت التوقعات لهذا العام قد خُفضت قليلا، إلا أنه يتوقع تحقيق نمو قدره 0.7 %، وفي عام 2014 ينتظر تحقيق 1.6%.

قطاع الصناعات الثقيلة، وخاصة الصناعات الميكانيكية، ينتقل من نجاح إلى نجاح. ويسهم قطاع الصناعة الألماني عموما بحوالي 20% في الناتج المحلي الإجمالي، أما النسبة في بقية منطقة اليورو فهي 10 % فقط.

الاعتماد على أسواق الدول النامية

بعد ما يناهز خمسة أعوام على ما يعرف بـ ''الاثنين الأسود''، وهو اليوم الذي أعلن فيه بنك ليمان براذرز الأمريكي إفلاسه بسبب الخسائر الكبيرة في السوق العقارية، حيث كان لذلك الإفلاس تأثيرات سلبية كبيرة على الأسواق العالمية، وفي خضم الأزمة المالية الأوروبية الحالية، ينظر الجيران الأوروبيون بعين الدهشة إلى نجاح الاقتصاد الألماني.

ميشائيل غروملينغ من معهد الاقتصاد الألماني في كولونيا يفسر ذلك بأن الشركات الألمانية اعتمدت بقوة خلال العقدين المنصرمين على أسواق ''الدول الصناعية الجديدة'' والدول النامية. وعلى الرغم من بقاء أوروبا كسوق مهم للاقتصاد الألماني، إلا أن الشركات الألمانية زادت استثماراتها بشكل متزايد في تلك الدول الصاعدة، ''وهذا الأمر نجحت فيه ألمانيا، ولكن هناك دول أوروبية عدة فشلت في تحقيقه''، كما يضيف غروملينغ.

أكثر الدول التي تشهد طلبا كبيرا على البضائع الألمانية هي الصين، إلى جانب الهند والبرازيل. إنها ''أشبه بضربة حظ تاريخية لألمانيا''، كما قال الخبير الاقتصادي الألماني البارز بيرت رويروب في أحد المؤتمرات.

نصف صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الصين تأتي من ألمانيا. ويساهم التصدير إلى الدول الصناعية الصاعدة بحوالي 4 % من الناتج المحلي الإجمالي الألماني، أما في فرنسا مثلا فتبلغ النسبة 1.2 %.

وتركز الشركات الألمانية اليوم على إنتاج ما تحتاجه الأسواق حول العالم، وفقا لألكسندر شومان، رئيس اتحاد غرف الصناعة والتجارة الألمانية: ''الآلات، ومعدات للبنى التحتية، وتقنيات الطاقة؛ كلها هامة جدا للدول التي تتجه حاليا لتحديث نفسها''، وتريد أن تتطور بسرعة. وكل ما تحتاجه تلك الدول لهذه العملية يمكن لألمانيا أن توفره، من الآلات الثقيلة وحتى البراغي.

كلمة السر: ''الاقتصاد القديم''

وبينما كانت دول مثل بريطانيا وإسبانيا مثلا تعتمد بشكل متزايد على قطاع الخدمات والاستثمارات البنكية والعقارات (ما يعرف بالاقتصاد الحديث)، بقيت شركات ألمانية كثيرة وفيّة للاقتصاد القديم، وخاصة الصناعة الإنتاجية. كما يقول الخبير الاقتصادي غروملينغ.

وخلال عقد التسعينات من القرن الماضي كثر الحديث عن ''الرجل المريض'' في القارة الأوروبية، والمقصود هو ألمانيا، التي قيل حينها بأنها لم تعد قاطرة للاقتصاد الأوروبي. أما اليوم فانقلب الحديث إلى ''الاقتصاد القدوة''، والذي تسعى دول كثيرة إلى تقمص بعض أسباب نجاحه.

بدوره يشير عبد العزيز المخلافي، الأمين العام لغرفة التجارة والصناعة الألمانية، إلى أن ألمانيا استوعبت جيدا الأزمة الاقتصادية الأولى التي حدثت في عام 2008 ولم تتأثر بها، عن طريق عدم تخفيضها للإنتاج واستيعاب العاملين. وذلك لأن آلية اقتصاد السوق الاجتماعي الذي تنتهجه ألمانيا تقوم على التضامن بين رب العمل والعمال عند حدوث الأزمات.

ولعل نظام التعليم المهني والتأهيل الفني يعتبر عاملا مهما أيضا في خلق أيدي عاملة شابة مزودة بالمعرفة النظرية من جهة والخبرة العملية من جهة أخرى، و''هو نظام تدرس دول أوروبية كثيرة اليوم إمكانية تطبيقه لديها''، كما يذكر عبد العزيز المخلافي، الأمين العام لغرفة التجارة والصناعة الألمانية.

وإلى جانب المؤسسات العملاقة المعروفة من قبيل دايملر (المصنعة لسيارات مرسيدس) و بي. إم. دبليو. وباير وبوش وسيمنز، تتميز ألمانيا بوجود الآلاف من الشركات المتوسطة – التي غالبا ما تكون شركات عائلية – تساهم بقوة في هذا النجاح الاقتصادي والقدرة على المنافسة.

انعكاس إيجابي على بقية دول الاتحاد الأوروبي

وأحد الأسباب الهامة هو خلق فرص عمل جديدة. وفيما ترتفع معدلات العاطلين عن العمل في دول مجاورة، تواصل تلك المعدلات انخفاضها في ألمانيا، وهذا يقود إلى مزيد من السيولة لدى سكان ألمانيا وبالتالي ارتفاع معدلات الاستهلاك الداخلي. أي أن التصدير ليس سببا وحيدا لارتفاع الطلب على البضائع الألمانية.

وهذا الأمر يستفيد منه بقية الأوروبيين أيضا، وخاصة الشباب، حيث تستوعب الشركات الألمانية الكثير من الشباب الأوروبي العاطل عن العمل، وتشير التقديرات إلى حاجة ألمانيا لأكثر من نصف مليون عامل خلال العشر سنوات القادمة، كما يقول الخبير الاقتصادي عبد العزيز المخلافي.

فوائد أخرى تجنيها الدول الأوروبية الأخرى من نجاح ألمانيا اقتصاديا، كمساهمة ألمانيا في تحمل جزء من عبء الديون الذي تعاني منه عدة دول أوروبية. وأيضا المساهمة المالية الكبيرة لألمانيا في تمويل العديد من هيئات ونشاطات الاتحاد الأوروبي، خاصة وأن ''الاقتصاد الألماني يشكل 20 % من مجمل الاقتصاد الأوروبي''، وفقا للمخلافي.

أسباب عديدة تضافرت لتجعل من الاقتصاد الألماني علامة فارقة، تتمنى دول كثيرة لو تستطيع أن تنقل التجربة إليها، ولكن الأمر يحتاج إلى عقود طويلة من الخبرة المتراكمة.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان