الدعم النقدي.. هل ينقذ الفقراء من "مفرمة" الإصلاح الاقتصادي؟
تقرير - إيمان منصور:
في ظل اتخاذ العديد من إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تعكف الحكومة على اتخاذها خلال هذه الفترة، والتي قد تكون لها بعض الآثار السلبية على المواطنين البسطاء، ومحدودي الدخل، بل وقد تمس متوسطي الدخل أيضًا، أعلنت الحكومة مؤخرًا أنها تدرس التوجه لتطبيق الدعم النقدي ولكن بالتدريج، في إطار حماية الفقراء من تداعيات الإصلاح.
وتنتظر مصر موافقة صندوق النقد الدولي على طلب لإقراضها 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات، في إطار اتفاق مبدئي بالقيام بعدد من الإجراءات في إطار الإصلاح الاقتصادي قبل الموافقة النهائية على القرض، والتي بدأتها الحكومة الشهر الماضي بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، ورفع أسعار الكهرباء.
وأكد خبراء اقتصاد، استطلع مصراوي رأيهم، أن الدعم العيني هو الحل الأمثل لصالح المواطن في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، ولكن التوجه إلى تطبيق الدعم النقدي يعد بمثابة الحل السهل بالنسبة للحكومة.
وكان المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء قال خلال لقائه بعدد من الكتاب، يوم الأربعاء الماضي، أن الحكومة تدرس التوجه للدعم النقدي شريطة أن يتم بالتدريج.
الدعم العيني أفضل
وأكدت الدكتورة عالية المهدي العميد الأسبق لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، أن الدعم العيني أفضل من النقدي خاصة في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، وحالة تضخم الأسعار.
وأوضحت المهدي، خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، أن الحكومة ترى أن الدعم النقدي الحل الأسهل ولكن المهم هو مع تطبيق هذا الدعم هل سيتأثر حجم القوى الشرائية، وهل تضمن الحكومة عدم ارتفاع أسعار السلع.
وقالت إنه من المفترض أن تفكر الحكومة في التوجه لمساعدة المواطنين، والسؤال هنا هل حجم الدعم التي ستعطيه الحكومة للأفراد سيغطي احتياجاتهم إذا ارتفعت الأسعار بعد ذلك كما يتم رصدها مؤخرًا في تزايد مستمر.
واقترحت المهدي أن تلعب الحكومة دوراً جوهرياً إذا أرادت تطبيق الدعم النقدي ومواجهة تضخم الأسعار في نفس الوقت، بعيدًا عن تطبيق هامش الربح ومثل هذه الإجراءات، وهو أن تقوم الحكومة نفسها بشراء السلع الأساسية من المنتجين بسعر مناسب وتبيعه هي للمواطنين بوضع هامش ربح لها أقل مما يضعه التجار.
وكان المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، أصدر قرارًا يوم الأربعاء الماضي بتشكيل لجنة وزارية برئاسته، لوضع الأساليب المناسبة لتحديد هامش ربح المنتجات والسلع الأساسية سواء المحلية أو المستوردة.
وتتكون اللجنة من عدة وزراء هم وزير التنمية المحلية، والتجارة، والمالية، والتموين، والاستثمار، ورئيس جهاز الأمن القومي، وممثل عن هيئة الرقابة الإدارية، وممثل عن وزارة الدفاع، ورئيس جهاز حماية المنافسة، ورئيس جهاز حماية المستهلك.
تحول جزئي
وتحولت مصر إلى الدعم النقدي بشكل جزئي فيما يتعلق بالسلع التموينية، بعد تطبيقها منظومة جديدة تحدد قيمة مالية لكل فرد مسجل على بطاقة التموين ولكنه يصرفها على هيئة سلع، بدلًا من تحديد نصيب معين للفرد من السلع المدعمة التي تباع له بسعر بسيط وهو ما كان يطبق قبل ذلك.
كما بدأت مصر في تطبيق برنامج "تكافل وكرامة" منذ أكثر من عام للدعم النقدي المشروط لمحدودي الدخل في المناطق الأكثر فقرًا، سواء لمن ليس لهم مصدر دخل من غير القادرين على العمل سواء من ذوي الاحتياجات الخاصة أو كبار السن، أو الأسرة الفقيرة التي لها أبناء بشرط الحصول على التطعيمات في وقتها، والانتظام في الدراسة بنسبة 80 بالمئة على الأقل.
توقيت خاطئ
وفي سياق متصل، قال الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي، إن توجه الحكومة لتطبيق الدعم النقدي إذا حدث في هذا التوقيت سيكون توجهًا خاطئًا خاصة في ظل عجز الحكومة عن الرقابة على الأسواق ومواجهة ما وصفه بجشع التجار وما وصفه أيضًا بـ"فشل سياسات البنك المركزي".
وأوضح عبده خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، أن "التجار الجشعيين" أصبحوا أكثر تفهمًا لسياسات الدولة ودخل المواطنين، فكلما رفعت الدولة قيمة الدخل أو الدعم النقدي للمواطنين سيقوم هؤلاء التجار برفع الأسعار بنسبة أعلى.
ولفت إلى أن الدعم العيني هو أفضل أشكال الدعم في الوقت الحالي، حيث أن الحكومة التي لم تستطع التحكم بالسوق أو مواجهة تدهور حالة العملة أو جشع التجار، "هي أضعف من أن تضمن وصول الحد الأدنى للمواطن من الدعم المستحق له".
وأشار عبده إلى أن الدعم الذي تقدمه الحكومة ليس شيئًا فريدًا من نوعه فكافة دول العالم تقدم كافة أنواع الدعم لمواطنيها، منبهًا إلى أن الدعم النقدي سيحرم المواطن البسيط من "شوية السكر والأرز والشاي اللي بيعيش عليهم كل شهر"، على حد قوله.
وتسائل "من يضمن أن قيمة الدعم النقدي الذي سيحصل عليه المواطن ستكفي لشراء نفس كمية السلع التي كان يحصل عليها؟"، لافتًا إلى أنه إذا أصرت الحكومة على تطبيق مثل هذه التوجهات سيؤدي ذلك إلى تحويل الطبقة المتوسطة بالمجتمع التي ستقوم بحرمانها من ذلك الدعم إلى طبقة كادحة.
ونوه عبده بأنه إذا كانت المشكلة التي تواجه الحكومة هي إنفاق الكثير من موارد الدولة لغير المستحقين، فالحل ليس بتحويل الدعم ولكن بوضع أسس وضوابط ومعايير لتوصيل الدعم لمستحقيه.
تطبيقه يحتاج لإجراءات
ومن حانبه، قال مدحت الشريف استشاري الاقتصاد السياسي وعضو مجلس النواب، إن تحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي يحتاج إلى بعض الإجراءات أولها وجود قاعدة بيانات يتم من خلالها تحديد مستحقي الدعم.
وأضاف الشريف خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، أن الفقراء في مصر تصل نسبتهم إلى 28 بالمئة بحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء، أي نحو 26 مليون مواطن، ولكن يصل عدد من يحصلون على دعم السلع الغذائية إلى نحو 71 مليون مواطن، أي أن هناك نحو 45 مليون مواطن لا يستحقون الدعم ويحصلون عليه.
وأوضح الشريف أن تطبيق الدعم النقدي بطريقة صحيحة سيساعد كل من المواطن والحكومة خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية.
فيديو قد يعجبك: