كيف يتوقع خبراء معدل نمو الاقتصاد بعد تعويم الجنيه؟
كتب - مصطفى عيد:
اتجهت توقعات عدد من الاقتصاديين إلى تحقيق معدل نمو اقتصادي خلال العام المالي الحالي (2016-2017) أقل مما كانت تتوقعه الحكومة مع بداية السنة المالية وهو معدل 5.2 بالمئة، وهو ما اتجهت إليه تصريحات من مسؤولين حكوميين في الفترة الأخيرة، بينما يرى البعض الآخر أن معدل النمو سيدور حول نسبة 6 بالمئة.
وبدأت الحكومة تطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادي بدءًا من السنة المالية الحالية ويستمر لمدة 3 سنوات لإعادة الاقتصاد على الطريق الصحيح بعد المشكلات التي عانى منها خلال السنوات التي تلت ثورة 25 يناير 2011.
وقامت الحكومة بتحرير سعر صرف الجنيه في الثالث من نوفمبر الماضي، كما قامت بتطبيق الضريبة على القيمة المضافة كبديل عن ضريبة المبيعات، إلى جانب استئناف برنامج خفض الدعم على المواد البترولية والذي توقف خلال السنة المالية الماضية، والاستمرار في خفض الدعم أيضًا على الكهرباء.
واتفقت مصر مع صندوق النقد الدولي في 11 نوفمبر الماضي على الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات في إطار حزمة تمويلية بقيمة 21 مليار دولار لتمويل برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يهدف إلى خفض عجز الموازنة العامة للدولة والدين العام وزيادة معدلات النمو والتشغيل وخفض البطالة وتحسين مستوى المعيشة.
الحكومة تتراجع
كان الدكتور عمرو الجارحي وزير المالية توقع في تصريحات سابقة خلال شهر نوفمبر الماضي، تحقيق الاقتصاد معدل نمو 4 بالمئة خلال العام المالي الجاري (2016-2017) مرجعًا ذلك إلى أن تعويم العملة وخفض دعم المواد البترولية سوف يتسببان على المدى القصير في تباطؤ الاقتصاد.
وأعلنت وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري، الشهر الماضي، تراجع نسبة نمو الناتج المحلي الاجمالي للاقتصاد المصري خلال العام المالي الماضي (2015-2016) ليسجل نحو 4.3 بالمئة، مقارنة بنسبة نمو 4.4 بالمئة خلال العام المالي السابق له (2014-2015).
تأثيرات مصاحبة للإصلاح
قام البنك المركزي بعدة إجراءات مصاحبة لقرار سعر الصرف منها زيادة أسعار العائد على الإيداع والإقراض بنحو 300 نقطة أساس، وهو ما قد يرفع من تكلفة اقتراض الشركات الكبيرة لتمويل أي مشروعات تطمح في تنفيذها خلال الفترة الراهنة وبالتالي يمكن أن تؤثر بشكل سلبي على الاستثمار.
كما ساهم تحرير سعر الصرف خلال شهر نوفمبر في ارتفاع التضخم الشهري إلى 5 بالمئة، ووصل معدل التضخم السنوي إلى نحو 20.2 بالمئة مقابل 14 بالمئة خلال أكتوبر الماضي، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
وكانت دراسة تابعة لبنك الإمارات دبي الوطني في مصر، أشارت إلى أن القطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر استمر بالتراجع بشكل متسارع في شهر نوفمبر الماضي، منبهة إلى أن ضغوط التكلفة الكبيرة الناتجة عن ضعف العملة، خاصة أمام الدولار الأمريكي، كان لها تأثير حاد على العمليات.
تأخر الإجراءات
من جانبه، توقع الدكتور فخري الفقي الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن يدور معدل النمو الاقتصادي خلال العام المالي الحالي (2016-2017) حول 4 بالمئة مقارنة بتوقعات الحكومة مع بداية العام بما بين 5 و6 بالمئة.
وقال الفقي خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، إن النمو الاقتصادي يعتمد بشكل أساسي على عاملين هما الاستثمار والاستهلاك، ومن ناحية الاستثمار فهي تنقسم إلى استثمارات عامة وهي في يد الحكومة وقادرة على تحقيق المستهدف منها خلال العام، ويتبقى الاستثمارات الخاصة والتي تتوقف على مناخ الأعمال وصدور قانون الاستثمار.
وأضاف أن قانون الاستثمار تأخر صدوره كثيرًا ومن المتوقع أن يصدر خلال شهر يناير المقبل، وبالتالي انتهى النصف الأول من العام دون صدوره، بما يؤثر على حجم الاستثمارات المحلية والأجنبية وبالتالي معدل النمو، بالإضافة إلى أن توحيد سعر الصرف لتهيئة المناخ لدخول المستثمرين تأخر أيضًا من سبتمبر إلى نوفمبر.
وأوضح الفقي أن برنامج الأطروحات في البورصة والذي كان يستهدف طرح عدد من البنوك والشركات التابعة للدولة في البورصة المصرية، بما يمكنها من زيادة رأسمالها ودخول استثمارات جديدة بها ولكن ذلك لم يتحقق أيضًا بعد مرور 6 أشهر تقريبًا من العام المالي الحالي.
ولفت إلى أن البنك المركزي كان ينوي بيع المصرف المتحد، وطرح نسبة ما بين 20 إلى 30 بالمئة من أسهم بنكي القاهرة والعربي الأفريقي في البورصة المصرية، وهو ما سيعود في النهاية على زيادة إيرادات الدولة بما يمكنها من الإنفاق على استثمارات البنية التحتية.
ونبه الفقي إلى أن أحداث التفجيرات الأخيرة بمنطقتي الهرم والعباسية قد تلقي بظلالها إلى حد ما على الاستثمار، رغم إمكانية حدوثها حاليًا في دول أخرى، ولكن المستثمر يضع المخاطر الأمنية في الحسبان عند قراره بالاستثمار في دولة ما.
الإصلاح والتمويل الخارجي
أشاد الفقي بإجراءات الإصلاح الاقتصادي التي اتخذتها الدولة مؤخرًا ومن ضمنها تحرير سعر الصرف وتطبيق ضريبة القيمة المضافة، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي لتمويل البرنامج الاقتصادي بقيمة 12 مليار دولار على مدار 3 سنوات، بالإضافة إلى قرضين من البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي بقيمة 4.5 مليار دولار.
وشدد الفقي على ضرورة طرح الاكتتابات في الشركات والبنوك التي يشملها برنامج الأطروحات بشكل سريع استغلالًا لزيادة نشاط البورصة الحادث بعد تعويم العملة حيث ارتفعت السيولة بالسوق إلى ما بين 1.5 و2 مليار جنيه يوميًا وهناك حاجة لتنفيذ الأطروحات للمحافظة على مستوى السيولة واستمرار جذب الاستثمارات الأجنبية في الأنشطة المالية.
وذكر أن الاستهلاك من الممكن أن يقل في الأوضاع الحالية بعد ارتفاع التضخم ولكن من الممكن استعاضته بزيادة الاستثمار الذي له الأثر المعجل أي الأسرع على معدلات النمو الاقتصادي، مؤكدًا أنه لا مشكلة في ظل اتخاذ الإجراءات الإصلاحية الأخيرة أن يتراجع معدل النمو ولكن الأهم أن يكون الاقتصاد على الطريق الصحيح.
وبين الفقي أن تراجع معدل النمو لن يؤثر على أهداف برنامج الإصلاح الاقتصادي في السنوات التالية، منبهًا إلى أن صندوق النقد الدولي سيقوم بعمل مراجعات لتنبيه الحكومة إذا ما كانت تحتاج إلى تدعيم في بعض النقاط، أو للتأكيد على أنها في الاتجاه الصحيح في الإصلاح الاقتصادي.
4% نمو متوقع
من ناحيته، يرى الدكتور هشام إبراهيم أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، أن معدل النمو الاقتصادي سيدور خلال العام المالي الحالي حول 4 بالمئة، مشددًا على أنه من الصعب تحقيق معدلات نمو تصل إلى 5 و6 بالمئة ومصر في بداية برنامج الإصلاح الاقتصادي.
وقال إبراهيم خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، إن قطاع السياحة لم يعد لطبيعته حتى الآن منذ حادث سقوط الطائرة الروسية، بالإضافة إلى أن الاستثمار لم يتحرك بالشكل المناسب حتى الآن بسبب تأخر تنفيذ الإجراءات المطلوبة لتهيئة المناخ الجاذب للاستثمار، مشددًا على أن المشروعات القومية هي قاطرة النمو في الوقت الحالي.
وأرجع إبراهيم توقع الحكومة لمعدلات نمو أعلى من التي يمكن أن تتحقق خلال العام إلى تصور الحكومة بإمكانية اتخاذ إجراءات إصلاحية متتابعة تؤدي إلى معدلات النمو المستهدفة، ولكنها تصطدم بمخاوف ردود الأفعال الشعبية ومدى قدرة المواطنين على تحمل آثار اتخاذ هذه القرارات خلال وقت قصير ومثال على ذلك التردد في زيادة أسعار تذاكر المترو.
وحذر من تأخر تحقيق النتائج الإيجابية المستهدفة من إجراءات الإصلاح الاقتصادي وعلى رأسها جذب الاستثمارات في ظل حدوث آثار سلبية لهذه الإجراءات تؤثر على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين.
القروض الاستهلاكية
من جانبه، توقع أحمد آدم الخبير المصرفي والاقتصادي، أن يتراجع معدل النمو الاقتصادي خلال العام المالي الحالي إلى نحو 3 بالمئة ليتراجع مقارنة بما سجله خلال العام الماضي 4.3 بالمئة، وبما كانت تخطط له الحكومة خلال العام الحالي 5.2 بالمئة.
وقال آدم خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، إن تراجع نمو القروض الاستهلاكية بعد سياسات التشديد عليها من البنك المركزي بالإضافة إلى ارتفاع معدل الفائدة عليها، سيؤدي إلى انخفاض الاستهلاك وبالتالي التأثير سلبًا على معدل النمو.
وأضاف أن هناك استقرارًا نسبيًا في الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما أن أحداث الإنفجارات الأخيرة يمكن أن تؤثر عليها، بالإضافة إلى استمرار الصادرات في التراجع الذي حققته خلال العام المالي الماضي أمر وارد، وهو كله ما يؤثر على معدلات النمو.
وسجلت الصادرات المصرية تراجعًا بنسبة 15.9 بالمئة خلال السنة المالية الماضية (2015-2016) حيث سجلت نحو 18.7 مليار دولار مقابل 22.2 مليار دولار خلال السنة المالية السابقة عليها (2014-2015)، بينما ارتفع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر ليسجل 6.8 مليار دولار مقابل 6.4 مليار دولار بنسبة زيادة 7.2 بالمئة.
مبادرات التقشف
أشار آدم إلى أن الشركات والمشروعات الكبيرة ستتأثر بالسلب من ارتفاع أسعار الفائدة بعد تحرير سعر الصرف وهو ما يؤدي إلى زيادة تكلفة الاقتراض، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى حالة ركود في الأسواق والتأثير على الصادرات أيضًا.
ونبه إلى أن تضخم الأسعار بعد تحرير سعر الصرف سيؤدي إلى تراجع الاستهلاك، وذلك إلى جانب تأثير بعض دعوات التقشف ووقف الشراء وترشيد الاستيراد وهو ما سيؤثر على الاستهلاك أيضًا وبالتالي تأثر معدل النمو بالسلب.
وطرح الاتحاد العام للغرف التجارية، مبادرة في الأول من نوفمبرمبادرة للتوقف عن استيراد السلع غير الأساسية لمدة 3 أشهر للمساهمة في ترشيد استخدام العملة الأجنبية، كما دعا عاطف يعقوب رئيس جهاز حماية المستهلك، إلى مبادرة التوقف عن شراء السلع غير الضرورية ابتداءً من الأول من الشهر الحالي.
كما يشتكي بعض المستوردين أيضًا من التوقف عن الاستيراد بسبب ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية في الشهور الأخيرة وهو ما يؤدي لارتفاع أسعار السلع بشكل لا يمكن للمستهلك شراءها معه.
اتجاه مغاير
على العكس، يرى الدكتور أسامة عبد الخالق أستاذ المالية بجامعة عين شمس، معدل النمو الاقتصادي لمصر سيدور خلال السنة المالية الحالية حول 6 بالمئة، وهو ما يماثل أفضل توقعات الحكومة مع بداية السنة المالية.
وقال عبد الخالق خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، إن الإجراءات الإصلاحية الأخيرة وخفض الدعم عن الوقود، سيؤدي إلى زيادة القوى الشرائية للأفراد والشركات في الأسواق عبر إنفاق الأموال المدخرة وبالتالي يحدث نشاط يقضي على حالة الركود في الأسواق.
وأضاف أن حملات التقشف وترشيد الاستيراد من الممكن أن تؤثر في بداية الأمر على حجم الاستهلاك ولكن هذا الأثر سيتلاشى مع الوقت.
فيديو قد يعجبك: