في الذكرى الخامسة لتنحيه.. هل مازال اقتصاد مبارك الأفضل؟ (تقرير)
تقرير - أحمد عمار:
ربما مازال قطاع عريض من الشعب المصري، وعلى رأسهم جزء كبير من المواطنين البسطاء، يتحسرون على فترة الاستقرار الأمني والسياسي التي شهدها عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بعبارة "فين أيامك يا مبارك"، والتي كانت توفر لبعضهم حدًا أدنى لمناخ البحث عن لقمة العيش، حتى ومع انتقادات كبيرة تطول نظامه وسياساته الاقتصادية.
لم يكن يتخيل كثير من المصريين عندما خرجوا إلى ثورة شهد لها العالم كله بطهارة اليد ونبل الهدف، أن يطول بهم الحال الذي خرجوا لتغييره للأفضل، بل زاد سوءًا لعوامل منها ما هو متعلق بالناحية الأمنية والسياسية، ومنها ما كان مستمدًا من بعض قوانين وسياسات مبارك الاقتصادية، ومنها ما كان لسوء إدارة حكومات ربما لم تكن على قدر سرعة رياح التغيير التي ينادي بها الشعب الكادح.
ويعود مبارك مع كل ذكرى جديدة لتنحيه ليثير الجدل من جديد بين الاقتصاديين بشأن النتائج التي كانت تحققها سياسات مبارك الاقتصادية ومدى جدواها في فترتها وأثرها فيما حدث للاقتصاد من تدهور في الفترة التالية لثورة يناير، بل وصل الجدل عند البعض إلى مدى احترافية إدارة وزراء مبارك الاقتصادية وربما يدفعهم لذلك بعض ما يرونه من قرارات لبعض المسؤولين.
ويرى خبراء اقتصاد - استطلع مصراوي رأيهم - أن ما يحدث في مصر الآن بعد 5 سنوات من الثورة وتنحي الرئيس الأسبق مبارك، هو أن الوطن يدفع ثمن الاقتصاد الهش الذي بناه نظام مبارك و"قرارات ومنظومات فاسدة"، على الرغم من أن مصر كانت تسجل في ذلك الوقت معدلات نمو مرتفعة يستفيد منها فئات معينة ولا يشعر بها المواطن البسيط.
وأشاروا إلى أن الوضع الحالي مختلف عما كان عليه نظام مبارك، حيث ظلت البلاد 3 سنوات بعد 25 يناير تعاني من حالة عدم استقرار سياسي وعدم إدارة جيدة للاقتصاد الأمر الذي أثر بشكل كبير على موارد الدولة، وفي المقابل شهدت البلاد في عهد مبارك حالة استقرار سياسي ولكن على الرغم من ذلك كان "الفساد هو المتحكم في كل شيء ولم يتم بناء نظام اقتصادي سليم".
وعلى النقيض، يرى طرف آخر أن مصر كانت بالفعل على وشك انطلاقة اقتصادية لولا قيام ثورة 25 يناير 2011، مؤكدين أن السياسات الاقتصادية التي اتبعها نظام مبارك ساعدت على وجود مؤشرات قوية للاقتصاد المصري عالميًا، بالإضافة إلى شعور المواطن بتحسن في أمور حياته، عكس ماهو قائم الآن.
أرقام
وصل الدين العام المحلي لمصر في نهاية عام 2010 - أي في نهاية عهد مبارك - إلى نحو 962 مليار جنيه والذي وصل بنهاية الربع الثالث من 2015 إلى 2259.4 مليار جنيه، كما بلغ الدين الخارجي نحو 32 مليار دولار بينما بلغ 46.1 مليار دولار بنهاية سبتمبر الماضي، وسجل معدل التضخم بنهاية 2010 نحو 11.1 بالمئة مقابل 10.7 بالمئة كمعدل سنوي خلال يناير 2016.
وبلغ معدل نمو الاقتصاد المصري بنهاية 2010 نحو 5.1 بالمئة خلال (2009 - 2010) بينما وصل حاليًا إلى 4.2 بالمئة خلال (2014 - 2015)، ومعدل البطالة 9 بالمئة خلال 2010 مقابل 12.8 بالمئة بنهاية الربع الثالث من عام 2015.
وسجل صافي الاستثمارات الأجنبية المباشرة 6758 مليون دولار خلال (2009 - 2010) بينما وصل خلال عام (2014 - 2015) إلى 6371 مليون دولار، ووصل احتياطي مصر من النقد الأجنبي إلى 36 مليار دولار والذي وصل إلى 16.5 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2015.
وعلى الرغم من نجاح نظام مبارك في تحقيق معدلات نمو قوية للاقتصاد في الفترة الأخيرة من عهده إلا أنها كانت تصب في صالح فئات معينة ولم يشعر بها المواطن العادي، وكان أغلب القطاعات في البلاد تزداد سوءًا كل فترة، لعدة أسباب من بينها الجهاز الإداري المترهل، والفساد المستخفي، والبيروقراطية العقيمة.
لم يكن أفضل
ومن جانبه، يرى الدكتور شريف الديواني رئيس المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن الأوضاع الاقتصادية الحالية تعد أفضل بكثير عن فترة نظام مبارك من ناحية الجدية والاهتمام في خدمة المواطن البسيط.
وقال الديواني خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، ''وصلنا لمرحلة أفضل بكثير عن ما قبل ثورة 25 يناير هناك اهتمام دقيق وواقعي لتحقيق العدالة الاجتماعية وبناء اقتصاد سليم، وهجوم على منظومات اقتصادية كالدعم كانت لا تصل إلى مستحقيها وتخدم فئات معينة ويستفيد منها الأغنياء بشكل أكبر''.
وأشار إلى أن الفترة التي كانت قبل ثورة 25 يناير شهدت إهمالًا لموازنة الدولة، وتم بناء جهاز إداري ضخم يستهلك ربع ميزانية مصر، وسط سياسات خاطئة ووقت ضائع كان من الممكن بناء اقتصاد بشكل أفضل خلال تلك الفترة التي كان بها استقرار سياسي، واهتمام كبير بالاستثمار وتحقيق معدلات نمو مرتفعة ولكنها لم تفيد الفقراء وكانت لصالح فئات معينة.
وأضاف الديواني "الآن القيادة السياسية لديها اهتمام بمشاكل الفساد، ومعالجة منظومة الدعم التي كان يستفيد منها الأغنياء أكثر من المواطن البسيط أو الفقير، فمثلًا دعم الطاقة أو الخبز كان يستفيد منها فئات محدودة من المجتمع المصري، وفي المقابل الآن هناك توجه وقرارات لمعالجة خلل المنظومة والعمل على إيصال الدعم لمستحقيه لتحقيق العدالة من خلال التوجه إلى الدعم النقدي''.
سبب عدم التحسن
وعن سبب عدم شعور المواطن بأي تحسن حتى الآن مقارنة بأيام مبارك، قال ''الوضع حاليًا مختلف ما قبل 25 يناير كان هناك استقرار سياسي والظروف مختلفة وعلى الرغم من ذلك لم يكن هناك اهتمام بالمواطن البسيط، أما حاليًا واجهت البلاد متغيرات سياسية وظلت نحو 3 سنوات بدون إدارة جيدة للاقتصاد وإهمال، ولم تشهد البلاد أية إدارة جيدة إلا منذ عام ونصف''.
وأضاف ''هناك ضغط على المواطن العادي خصوصًا في الأسعار نتيجة المرحلة الصعبة التي مرت بها البلاد خلال الفترة الماضية بعد 25 يناير، بالإضافة إلى القرارات الاقتصادية الخاطئة التي اتخذها نظام مبارك وعدم بناء اقتصاد سليم تدفع مصر ثمنه الآن، ولذلك من الصعب أن يتم معالجة كل هذا أو يشعر المواطن بوضع أفضل خلال عام واحد فقط''.
وتابع ''أسئنا إدارة الاقتصاد المصري خلال الفترة الماضية، ووصلت البلاد إلى مرحلة انهيار ''فظيعة'' فقد كانت مصر على الهاوية خلال السنوات الماضية نتيجة ما مرت به خلال الفترة التي أعقبت 25 يناير 2011، والحكومة تحاول اليوم إعادة استرجاع الوضع السليم للاقتصاد المصري من خلال العديد من القرارات الاقتصادية التي اتخذتها''.
وأكد أن الظروف الحالية أفضل لتحقيق العدالة الاجتماعية عما كانت عليه أيام نظام مبارك الذي كان عليه أن يصلح منظمة الدعم في وقت كانت البلاد في حالة استقرار سياسي''.
واستطرد ''حاليًا هناك اهتمام لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تساعد على خلق فرص عمل كبيرة، مقارنة بما كان في عهد نظام مبارك والذي كان يهتم فقط بدعم الاستثمارات الضخمة والمشروعات الكبرى التي لا تخلق فرص عمل بنفس النسبة التي توجدها المشروعات الصغيرة والمتوسطة".
وأشار الخبير الاقتصادي، أنه وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بلغ عدد المنشآت الصناعية في مصر 2 مليون و400 ألف منشأة، 80 بالمئة منها منشآت صغيرة سواء كانت صناعية أو تجارية أو غيرها، متوسط حجم العاملين بها 2 في كل منشأة، الأمر الذي يعني أنه لو تم الاهتمام بـ2 مليون منهم وتحويل نصفهم إلى مشروعات كبيرة سيخلق ذلك نحو 500 ألف فرصة عمل، منوهًا إلى القرارات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
واعتبر أنه على الرغم من كل القرارات التي اتخذتها الحكومة لتحقيق العدالة الاجتماعية ودعم المشروعات الصغيرةوالمتوسطة، ولكنها ليست كافية، فالاقتصاد بحاجة إلى اهتمام أكبر من ذلك قد يكون ليس مجاله الآن.
مبارك انطلاقة اقتصادية
بينما يرى إيهاب سعيد خبير سوق المال وعضو مجلس إدارة شركة أصول للوساطة، أن مصر كانت على أعتاب انطلاقة اقتصادية خلال آخر عام لنظام مبارك.
وقال "سعيد" خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، "اﻷرقام كانت تتحدث أن مصر كانت على وشك انطلاقة اقتصادية كبرى"، مؤكدًا أن 2010 كان عام الطفرة الاقتصادية في مصر.
وأشار إلى أن كل المؤشرات الاقتصادية لمصر كانت قوية في ذلك، "فمثلًا كان حجم الاستثمارات اﻷجنبية بلغ نحو 13.5 مليار دولار، كما كان قطاع السياحة في مصر ترتيبه رقم 18 في العالم، وكان نسبة عجز الموازنة من حجم الناتج المحلي 8 بالمئة، كما كان سعر الدولار مستقرًا أمام الجنيه، والاحتياطي كان 36 مليار دولار مع 15 مليار دولار ودائع الخليج.
وأكد أن وضع الاقتصاد المصري حاليًا من سيء ﻷسوأ، فمصر من الدول التي لا تمتلك رفاهية الثورات فمنذ 25 يناير هناك تراجع في كل شيء، بالإضافة إلى أن الإعلام خدع الناس بأن مصر من أغنى الدول وهذ أمر كان من الممكن تحقيقه لولا الثورة واستمرت الإصلاحات الاقتصادية التي كانت مطبقة في عهد مبارك - حسبما قال.
ويرى سعيد أن المواطن العادي كان يشعر بالفعل بتحسن الاقتصاد في عهد نظام مبارك - على حد وصفه -، مشيرًا إلى أن وضع البطالة حاليًا مرتفع بسبب المصانع التي أغلقت ومغادرة المستثمرين مصر بسبب عدم الاستقرار السياسي والأمني، وكان آخرها الوقف المؤقت لمصنع جنرال موتورز بسبب نقص العملة.
وأضاف ''أسعار السلع حاليًا مختلفة عما كانت عليه في تلك الفترة، لم يحدث في عهد مبارك أي نقص في السلع الأساسية أو الأدوية عكس ما يحدث الآن من نقص متواجد في السوق''.
وتابع ''أي ثورة مكلفة وكانت باهظة علينا لا نستطيع أن نسدد ثمنها، وما يحدث أننا ننهار أولًا ثم ننتظر أن يحدث أي تحسن ولا نعلم متى؟''
فيديو قد يعجبك: