تجدد صراع "الإرجوت" بين الزراعة والتموين.. هل يُعرض الأمن القومي للخطر؟
تقرير - إيمان منصور ومصطفى عيد:
أطلت المخاوف من جديد بشأن تأثر احتياطي مصر الاستراتيجي من القمح في ظل عودة الصراع بين وزارتي الزراعة والتموين بشأن الاشتراطات الصحية للقمح المستورد، بعد أن عادت الزراعة إلى قرار منع استيراد أي شحنات تحتوي على أي نسبة من فطر الإرجوت تزامنًا مع إعلان الدكتور خالد حنفي وزير التموين السابق استقالته.
وتجددت أزمة استيراد القمح عندما أعلنت وزارة الزراعة، في الثامن والعشرين من أغسطس الماضي، أن عصام فايد وزير الزراعة واستصلاح الأراضي قرر منع دخول القمح المستورد المصاب بأي نسبة من فطر الإرجوت، وذلك عقب استقالة وزير التموين السابق بثلاثة أيام فقط.
وبعد قرار الزراعة بثلاثة أيام أيضًا قامت وزارة التموين بطرح مناقصة عالمية لاستيراد القمح في خطوة لجس النبض بعد القرار الجديد، ولإظهار ما قد يكون لقرار الزراعة من تأثير ما قد يمثل خطورة على احتياطي القمح نظرًا لرد الفعل المتوقع للموردين بالإحجام عن المشاركة في المناقصة.
ومع حدوث رد الفعل المنتظر من الموردين - حيث لم يتقدم سوى واحد للمناقصة - وهو نفسه ما حدث من شهور مع اتخاذ نفس القرار من قبل، قامت التموين بإلغاء المناقصة وشنت هجومًا صريحًا على قرار وزارة الزراعة رغم أن التموين وقتها كانت خاضعة لإشراف وزير الصناعة طارق قابيل.
وقالت التموين في وقتها، إن عزوف الشركات الموردة عن المشاركة في هذه المناقصة يأتي بعد قرار وزارة الزراعة، والخاص بحظر استيراد أقماح مصابة بفطر الإرجوت، وذلك على الرغم من أن المعايير العالمية تتيح الاستيراد بنسبة إصابة تصل إلى 0.05 بالمئة وهو ما أعلنته منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو).
ولكن الوزارة طمأنت المواطنين وقتها أيضًا أن المخزون الحالي من القمح آمن، ويكفي حاجة الاستهلاك لأكثر من 6 أشهر مقبلة أي حتى نهاية فبراير المقبل على الأقل.
وعادت وزارة التموين بعد 16 يومًا من المناقصة الأولى لتطرح مناقصة جديدة لاستيراد القمح ولكن رد الفعل لم يتغير ولم يتقدم أي من الموردين بأي عرض للمناقصة، مما استدعى أن يعلن وزير التموين الجديد محمد علي مصيلحي عن طرح مناقصة جديدة غدًا الاثنين في محاولة ربما لا تأتي بجديد في ظل استمرار نفس الشروط، والأوضاع.
الأزمة الأولى
وكانت إدارة الحجر الزراعي رفضت عددًا من شحنات القمح المستورد في وقت سابق من العام الحالي بسبب احتوائها على نسبة من فطر الإرجوت، مما عمل على إحجام العديد من الموردين عن التقدم للمناقصات التي كانت تطرحها وزارة التموين بسبب عدم وضوح القواعد مما تسبب في صراع مكتوم بين وزارتي الزراعة والتموين تسبب في تدخل رئيس الوزراء فيما بعد لإنقاذ الموقف.
وعقد رئيس الوزراء في 21 يوينو الماضي اجتماعًا مع الأطراف المعنية باستيراد القمح حيث تم التأكيد على الالتزام بالمواصفات القياسية المصرية عند استيراد القمح من الخارج، والتي تم إقرارها وتطبيقها منذ عام 2010 بالتنسيق بين كافة الوزارات والجهات المعنية بالدولة.
وأشار إلى أن هذه المواصفات تسمح بنسبة (0.05 بالمئة) من فطر الإرجوت، وهي النسبة التي يسمح بها الكود العالمي، والتي تعتبر غير ضارة بالصحة وفقاً لتقارير منظمة الأغذية والزراعة العالمية.
وبالفعل استطاعت هيئة السلع التموينية التعاقد على استيراد 840 ألف طن قمح من خلال طرح 5 مناقصات عالمية في العام المالي الجديد (2016-2017) كانت آخرها المناقصة الخامسة في 27 أغسطس - أي قبل يوم واحد من إصدار وزارة الزراعة قرارها الأخير.
وتتجه الأنظار إلى المناقصة التي من المقرر أن تطرحها وزارة التموين غدًا والتي قد تكون عاملًا مهمًا لتحديد ما إذا كانت الحكومة ستسمر في الإصرار على قرار وزارة الزراعة وهو ما قد يعرض احتياطي القمح لخطر النقص أو التراجع عن القرار والرجوع للنسبة التي قالت هي نفسها أنها غير ضارة بالصحة.
لا تنازل عن القرار
ومن جانبه، قال عيد حواش المتحدث الرسمي باسم وزارة الزراعة، إنه لن يتم التراجع عن القرار الذي أصدرته وزارة الزراعة بخصوص منع دخول أي شحنات من القمح تحتوي على أي نسبة من فطر الإرجوت.
وأضاف حواش خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، أن دخول القمح الذي يحتوي على هذا الفطر "الإرجوت" سيتسبب في وقوع خطورة كبيرة على الثروة الزراعية "ولن نسمح بذلك".
ولفت إلى أنه تم تشكيل لجنة مختصة تضم علماء من الثلاث جهات المسؤولة، لبحث إمكانية قبول هذا الفطر بنسبة معينة مسموح بها وبناءً على آراء اللجنة والتي أكدت على خطورة الفطر تم البت في القرار.
وأوضح حواش أن الثروة النباتية لا تتحمل مثل هذه الضغوط حيث أن هذا الفطر ستنتقل خطورته عبر ثلاث محاصيل وهي القمح والذرة والشعير، كما أن الإنتاجية ستنخفض إلى النصف إذا أصيب المحصول بهذا الفطر، فضلًا عن تكلفة المبيدات بنحو ملايين الدولارات التي سيتم صرفها لمعالجته.
وأشار إلى أن إحجام التجار الموردين عن المناقصات التي تم طرحها يأتي بسبب جشعهم وللضغط على مصر بقبول القمح "المعيوب" الذي يمثل خطورة على الصحة المصرية، منوهًا إلى أنه إذا كان ما يتردد عن وجود نسبة مسموح بوجودها في القمح بنحو 0.05 بالمئة، فما هو الضمان أن لا تزيد هذه النسبة مع الاستخدام الآدمي وانتشار الأمراض.
ونوه إلى أن هذا القرار لم يكن مجرد خطوة ولكنه قاعدة يجب على الدول الموردة احترامها وقبولها، كما تحترم مصر قواعد الدول التي يتم التصدير لها.
لا شيء فوق صحة المواطن
ومن جانبه، قال الدكتور صلاح الجندي أستاذ الاقتصاد بكلية الزراعة جامعة المنصورة، إنه لا شيء يعلو فوق "صحة المواطن" وهذا ما تعمل على أساسه وزارتا الزراعة والصحة بإصدار هذا القرار الذي يكمن هدفه الرئيسي حماية المواطنين.
وأضاف الجندي خلال اتصال هاتفي مع مصراوي، أنه إذا كان رفض التجار للمناقصات التي طرحتها وزارة التموين الغرض منه التحكم في مصر وقوانينها "فيمكننا الاستغناء عن هذا القمح".
وأوضح أن الاستيراد يكلف مصر كثيراً وفي حالة إذا كان مضر وبه شبهة خطر على صحة المواطن فنحن لدينا بدائل أخرى، قائلًا "إحنا كده كده بندفع فلوس يبقي ناخد منتج نظيف وصحي".
ولفت الجندي إلى أنه أما في حالة إذا كان الهدف من هذا الإحجام هو عدم توفر قمح خالي من هذا الفطر فعلياً فمن الممكن مراجعة فكرة السماح بوجود نسبة منه.
ونوه إلى أنه مع تكرار هذه المشكلات التي بدأت تواجه مصر في عمليات الاستيراد، نحن لدينا العديد من البدائل والحلول على المدى المتوسط عن طريق توسيع إنتاجية القمح، والحد من عمليات الاستيراد حيث أن أسعار عمليات الاستيراد بدأت تزيد بنسبة عالية تصل إلى حد التضخم، وفي هذه الحالة نكون بمثابة من يستورد المرض وبسعر عالٍ.
وحاول مصراوي التواصل مع أحمد يوسف نائب رئيس هيئة السلع التموينية الحالي لمحاولة معرفة كيف ستواجه الهيئة ووزارة التموين هذا المأزق إلا أنه لم يتسن لنا التوصل إليه.
فيديو قد يعجبك: