"وداعا للرفاهيات".. كيف تكيفت الطبقة المتوسطة مع الغلاء بعد التعويم؟
كتب- أحمد الحنفي وأميرة أحمد:
لم يدرك أحمد الشريف، رب أسرة ومدير أحد فروع شركات السيراميك، تأثير قرار تعويم الجنيه بشكل واضح، إلا عندما اتجه إلى مدرسة طفله لدفع المصروفات المدرسية.
يقول الشريف لمصراوي، "مصروفات ابني تضاعفت هذا العام من 8.5 ألف جنيه إلى 15 ألف جنيه، بدون اشتراك الأتوبيس والزي المدرسي، لذا قررت أن نقله إلى أحد مدارس اللغات الحكومية، لأن مصروفاتها أقل".
وبرغم أن الشريف، نقل ابنه، الذي يدرس في الصف الثالث الابتدائي، إلى مدرسة حكومية إلا أنه دفع له مصروفات حوالي 5 آلاف جنيه.
يقول الشريف، الذي ينتمي للطبقة الوسطى "بالرغم من أن الأمر أزعجني كثيرا لكن ليس لدي خيار آخر، وخصوصا بعد أن كبر طفلي الثاني والتحق بالروضة".
وفي نوفمبر 2016، قررت مصر تحرير سعر صرف الجنيه، وهو القرار الذي أفقد الجنيه نصف قيمته.
ورغم أن التعويم لاقى استحسانا من صندوق النقد الدولي، والذي وافق على إقراض مصر 12 مليار دولار، لكنه أثقل المصريون، وخاصة من يمكن تصنيفهم ضمن الطبقة المتوسطة، بغلاء لم يسبق له مثيل في أكثر من ثلاثة عقود.
ومنذ قرار التعويم ارتفعت معدلات التضخم بنسب كبيرة وصلت ذروتها في يوليو الماضي، ليحلق فوق 30%.
ومع ارتفاع الأسعار لجأ الشريف إلى خفض كل مصروفاته الضرورية وغير الضرورية، بما يتناسب مع الزيادات التي طرأت على الأسعار.
قلل الشريف من كمية السجائر التي كان يدخنها بعد ارتفاع أسعارها، فبعدما كان يدخن علبة سجائر يوميا أصبح يدخن علبة كل 4 أيام.
كان الشريف ينفق 23 جنيها مقابل شراء علبة من سجائر المارلبورو والآن أصبح يشتريها بـ 35 جنيها، حسب قوله.
ويقول الشريف إن أسعار السجائر لم تتأثر فقط بعملية التعويم بل سبقه ضريبة القيمة المضافة.
ورفعت الحكومة خلال عام أسعار السجائر مرتان، أول مرة في سبتمبر 2016 عندما طبقت ضريبة القيمة المضافة لأول مرة، ثم عادت الشهر الماضي ورفعت الأسعار مرة ثانية بعدما قرر مجلس النواب رفع قيمة الضريبة المفروضة على السجائر.
اضطر الشريف، للاقتصار في الخروجات والفسح لأسرته لأن المبلغ الذي كان يخصصه للخروجات، تضاعف مع التعويم.
"كنا نخرج 4 مرات في الشهر، ونخصص مبلغ 500 جنيه لها، لكن الآن لم نعد نخرج سوى مرتين أو مرة واحدة فقط"، بحسب الشريف.
لم يقتصر الأمر على تقليل الخروجات فقط، لكن الشريف وأسرته التي تسكن محافظة القليوبية، غيرت أيضا أماكن الخروج إلى أماكن أرخص وأقل تكلفة حتى لا تدفع تكاليف أكثر.
كما قلل الشريف "الخروجات" مع أصدقائه التي كانت تتم أسبوعيا، لأن تكلفة الخروجة أصبحت مرتفعة.
يقول الشريف "الخروجة الواحدة أصبحت تكلفنا 100 جنيها للفرد الواحد منا، لذلك كان علينا تقليل المقابلات في ظل الظروف الاقتصادية الحالية".
"الكل زاد همه منذ ارتفاع الأسعار، والبعض منا بدأ يبحث عن عمل أخر كي يستطيع توفير حياة كريمة لأسرته"، وفقا للشريف.
وبدأت الحكومة العام الماضي، اصلاحات اقتصادية واسعة، بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي بعدما اتفقت معه على الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار.
وتأثرت الطبقة الوسطى بشد من هذه الاصلاحات التي رفعت أسعار الكهرباء والطاقة، وهي الأسر التي كان لديها دخل جيد من عمل الزوج والزوجة أو ميراث من الأهل، يمكنها من العيش بشكل جيد.
وربما كانت هذه الطبقة الأكثر تضررا خاصة أن الحكومة لم تقدم لها أي دعم من أجل تعويضها عن الغلاء الذي ضرب كل احتياجاتها، في حين نال محدودي الدخل بعض الدعم من خلال زيادة دعم بطاقات التموين أو المعاشات وبرامج الحماية الاجتماعية.
الغلاء يطول المصروف
لم يلمس ارتفاع الأسعار رب الأسرة فقط، بل لمسه الأبناء أيضا، بحسب ما تقوله هدير حسين، طالبة بإحدى الكليات في جامعة القاهرة.
تقول هدير، الذي يعمل والدها في إيطاليا، ولم تكن تشعر من قبل بأي أزمات اقتصادية إنه "بعد قرار التعويم، المصروف ما بقاش يكفي، وقيمته بقت قليلة جدا مقارنة بأسعار السوق دلوقتي".
مع انخفاض قيمة مصروف هدير، تراجعت خروجاتها مع صديقاتها، "من سنتين كنت بخرج مع أصحابي وممكن أدفع 80 جنيه، لكن دلوقتي بدفع مش أقل من 150 جنيه وهي هي نفس الخروجة".
مع بداية كل فصل، اعتادت هدير على شراء ملابس جديدة إلا أن المبلغ الذي كانت تحصل عليه من والديها للشراء لم يعد يكفي حاليا.
وتقول "كنت بأخد 1500 جنيه، تكفيني لشراء هدوم وأحذية، لكن دلوقتي بحتاج 2500 جنيه، عشان أجيب نفس الحاجات".
شعرت هدير وأسرتها أكثر بالتعويم، بعدما تراجعت أصناف اللحوم على مائدة الأسرة، بعدما كانت طبقا أساسيا كل يوم.
تقول هدير، "مش بس الرفاهيات اللي بنقلل منها لأ ده كمان الأساسيات مبقتش موجود".
وتضيف "مثلا المأكولات البحرية زي الجمبري والأسماك، بقت منعدمة تماما على سفرتنا وبقينا نكلها مرة كل سنة تقريبا".
استغنت هدير وأسرتها عن سيارة الأسرة بعد ارتفاع أسعار الطاقة منذ التعويم وتقول "أنا بعرف أسوق العربية وكمان ماما، لكننا نفضل حاليا ركن العربية علشان نوفر في البنزين، ومش بنسخدمها غير للضروريات".
وخلال عام رفعت الحكومة أسعار الطاقة مرتين، أولهما في نوفمبر 2016 في أعقاب تعويم الجنيه مباشرة، ثم رفعته مرة أخرى في يونيو الماضي.
السيارة أخذتها رياح التعويم
إذا كانت هدير وأسرتها قرروا استخدام السيارة للضروريات فقط، فإن محمد النجار، طالب بالسنة النهاية في كلية الآداب، تخلى والده، الذي يعمل في الكويت عن وعده بشراء سيارة هدية له.
يقول النجار، "في بداية السنة التالتة من الجامعة، وعدني والدي بعربية هدية، بس لما الأسعار غليت كده وكمان رفعوا سعر البنزين، حذفنا الفكرة دي من دماغنا تمامًا".
يذهب النجار، من مدينته طنطا إلى الجامعة في القاهرة 3 مرات، ويحصل على مصروف أسبوعي 250 جنيها.
يقول النجار "كنت باخد 250 جنيه أسبوعيا، يكفوني ويفضل 50 جنيه كمان أحوشهم، لكن دلوقتي يا دوب بيكفوا المواصلات وممكن أجيب مرتين أكل بس من الكلية".
في أعقاب التعويم، تراجعت قيمة ميزانية أسرة النجار، ويقول "كان مصروف البيت الشهري حوالي 5 آلاف جنيه، لكن دلوقتي مش بيكفوا نفس الحاجات إللي كنا بنشرتيها قبل سنة".
كما استغنى النجار عن اشتراكه في أحد الأندية الرياضية بمدينة طنطا، بعدما أخبره والده بضرورة توفير النفقات.
"بابا قالي إن 300 جنيه كل شهر اشتراك للنادي كتير، والوضع المالي حاليا مش كويس، وأحنا محتاحين نوفر نفقاتنا شوية"، بحسب النجار.
ولجأت فاطمة عبد الرحمن، مونتيرة بأحد أحد القنوات الفضائية، هي الأخرى إلى تقليل مصروفاتها بعدما ارتفعت أسعار كل شيء.
تخلت فاطمة عن الوجبات السريعة التي كانت تشتريها بشكل يومي، بعدما ارتفعت أسعارها بشكل كبير.
"الوجبة كانت بتكلفني 30 جنيه، لكن دلوقتي السعر تضاعف، لذلك بدأت أعتمد على أكل البيت" بحسب قولها.
كما شعرت فاطمة بارتفاع أسعار مستلزماتها الشخصية، تقول، كنت بشتري "برفان" بـ 250 جنيه، سعره دلوقتي بقى 400 جنيه، والهدوم سعرها بقى الضغف.
قبل أكثر من عام كانت فاطمة، يمكن أن تدخر جزءا من مرتبها، إلا أن الوضع تغير الآن "يا دوب المرتب بيكفيني بالعافية"، وفقا لما قالته.
فيديو قد يعجبك: