تحليل - مصر تقترب من الاكتفاء الذاتي من الغاز فلماذا تخطط لرفع أسعار الوقود؟
كتب - مصطفى عيد:
أضافت مصر 700 مليون قدم مكعب يوميا إلى إنتاجها من الغاز الطبيعي بعد افتتاح المرحلة الأولى لمشروع إنتاج الغاز من حقول غرب الدلتا، كما تنتظر أن تبدأ إنتاج الغاز في النصف الثاني من 2017 من حقل "ظهر" أكبر كشف في البحر المتوسط، فلماذا تواصل الحكومة برامجها للتخلص من دعم الطاقة؟.
في عام 2009-2010 كان الميزان التجاري البترولي لمصر يحقق فائضا بقيمة 5.1 مليار دولار، وهو ما يعني أن صادراتنا من البترول كانت تفوق واردتنا، لكن هذا التوازن تبدل تدريجيا واتجهت إنتاجية مصر من البترول تتدهور تدريجيا حتى تحول الميزان البترولي للعجز، وسجل هذا العجز 3.6 مليار في العام المالي 2015-2016.
وجاء تدهور الإنتاج لعدة أسباب أبرزها تراكم المديونيات على الحكومة لصالح الشركات الأجنبية المنقبة عن البترول، وهو ما دفعها للتباطؤ في تنفيذ الاكتشافات، علاوة على تنامي استهلاكنا المحلي للطاقة مع زيادة السكان، وأنتجت تلك المشكلتان أزمة الطاقة التي لمسها المواطنون مع ارتفاع ساعات انقطاع الكهرباء والذي وصل لذروته في عام 2013.
وبدأت أزمة الطاقة في التيسير مع التحولات السياسية التي لحقت بأحداث 30 يونيو 2013 والتي دفعت بلدان الخليج لمساندة الحكومة الجديدة اقتصاديا، وتمثل جزءا مهما من تلك المساندة في سداد مستحقات الشركات الأجنبية.
كما اتجهت الدولة لتعديل أسعار شراء المواد البترولية التي تستخرجها الشركات الأجنبية من أراضيها لتحفيز الإنتاج، حيث تم رفع سعر شراء المليون وحدة حرارية من الغاز خلال عام 2013 من 2.65 إلى 5.88 دولار، وفقا لتقرير لبنك الاستثمار بلتون، والذي يرى أنه من المحتمل أن يرتفع السعر خلال عامين إلى أكثر من 7 دولارات لكل مليون وحدة حرارية.
وساعدت الأقدار على دفع البلاد للخروج من أزمة الطاقة باكتشاف مصادر جديدة للثروة البترولية كان أبرزها حقل ظهر الضخم في مياه المتوسط، وهو ما يجعلها على بُعد عام ونصف من الاكتفاء الذاتي من الغاز، وفقا لوزير البترول طارق الملا، لكن خبراء يرون أن كل تلك التحولات ليست كافية لإثناء الحكومة عن زيادة أسعار الوقود.
"العبء أصبح كبيرا على الموازنة بعد تعويم الجنيه" وفقا لأحمد قنديل رئيس برنامج دراسات الطاقة بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية.
وتعتمد مصر بقوة على استيراد بنود أساسية من استهلاكها للطاقة من الخارج، مثل غاز البوتجاز، كما أن تكلفة شراءها للمواد البترولية التي تستخرجها الشركات الأجنبية من أراضيها تزيد مع هبوط قيمة العملة المحلية، حيث تشتري الدولة حصة الشريك الأجنبي بالدولار.
ورفع البنك المركزي يده تماما عن حماية العملة المحلية في نوفمبر الماضي مما أفقد الجنيه أكثر من نصف قيمته أمام الدولار، وهو ما دفع الحكومة للإسراع بتنفيذ خطة التحرير التدريجي لدعم الوقود، التي بدأتها في السنة المالية 2014-2015.
ومنذ يونيو 2014 قفز سعر لتر البنزين 92 من 1.85 جنيه إلى 3.5 بجنيه نسبة زيادة 89%، بينما ارتفع سعر السولار من 1.10 جنيه للتر إلى 2.35 بنسبة زيادة 114%.
وكانت الموجة الأخيرة من زيادات الوقود في نوفمبر الماضي، لكنها لم تكن كافية لتعويض آثار زيادة التكلفة بعد التعويم، حيث قال وزير البترول طارق الملا في تصريحات سابقة إن تكلفة دعم المواد البترولية زادت بأكثر من 90% خلال أول 9 أشهر من السنة المالية الحالية.
وبناء على تقديرات دعم المواد البترولية في الموازنة الجديدة، بنحو 110 مليار جنيه، تتوقع المجموعة المالية هيرمس، أن تطبق الحكومة زيادات في أسعار الوقود خلال الربع الثاني من العام المالي الجديد 2017-2018.
كما أن اكتشافات الغاز الجديدة لا تصب مباشرة في علاج مشكلة الطاقة في مصر، فالمنتجات البترولية وليس الغاز هي من تستحوذ على الحصة الأكبر من الدعم، وكما يقول أحمد قنديل فإن "نسبة قليلة فقط من الشعب المصري تستفيد بشكل مباشر من دعم الغاز الطبيعي".
ويغطي الغاز الطبيعي نصف استهلاك مصر من المواد البترولية تقريبا، وفقا لبيانات نشرها تقرير لبنك بي إن بي باريبا، بينما تمثل الزيوت البترولية 45% من هذا الاستهلاك والطاقة المولدة من السد العالي 3.5%.
ويلعب الغاز الطبيعي دورا رئيسيا في تغطية احتياجات البلاد من الكهرباء، حيث اعتمدت مصر بشكل رئيسي على بناء محطات إنتاج كهرباء بوقود الغاز، لكن الحكومة عزمت منذ 2014-2015 على تطبيق رفع تدريجي لأسعار الكهرباء، ولم تصدر أي تصريحات عن أن اكتشافات الغاز الجديدة ستثنيها عن تطبيق تلك المخططات، بل إنها ماضية في تحرير أسعار الغاز الذي تقدمه لمحطات الكهرباء.
ورفعت إيجاس في منتصف عام 2014 سعر بيع الغاز لمحطات الطاقة الكهربية من 1.8 دولار إلى 3 دولار لكل مليون وحدة بريطانية، وهو ما رفع تكلفة الكهرباء.
وتستهلك محطات الطاقة الكهربائية، حوالي 75% الإنتاج السنوي الحالي لمصر من الغاز الطبيعي (1.2 تريليون قدم مكعب من 1.6 تريليون).
سبب آخر لاستمرار مصر في الخطة التي بدأتها في عام 2014 لخفض دعم الوقود هو التوصل لاتفاق مع صندوق النقد الدولي لتمويل برنامج للإصلاح الاقتصادي في بقيمة 12 مليار دولار على 3 سنوات، وقال أحمد قنديل "الاتفاق مع صندوق النقد الدولي يضع تأكيدا على ضرورة إعادة هيكلة دعم الوقود".
فيديو قد يعجبك: