بعد التحذيرات الدولية.. هل ارتفاع الدين الخارجي لمصر خطر حقيقي؟
كتب- مصطفى عيد:
"ليس لدينا أي قلق من مستوى الدين الخارجي، وقدراتنا أكثر بكثير، ونتحمل دينا خارجيا أكثر بكثير من ذلك"، هكذا وصف طارق عامر محافظ البنك المركزي، وضع الدين الخارجي لمصر في تصريحات له مؤخرا.
يأتي ذلك في الوقت الذي سلط فيه عدد من المؤسسات الاقتصادية الدولية الضوء على ديون مصر كأحد المخاطر التي تواجه الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة سواء من ناحية ارتفاع تكلفة الاقتراض أو التأثير على التصنيف الائتماني.
ووصل حجم الدين العام في مصر إلى 108% من حجم الناتج المحلي الإجمالي نهاية العام المالي الماضي، بحسب البيان المالي التمهيدي لموازنة العام المقبل.
وتوسعت الحكومة في الاقتراض الخارجي من أجل تمويل برنامج الإصلاح وعجز الموازنة، تزامنا مع ارتفاع تكلفة الاقتراض محليا بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
وبحسب نشرة طرح سندات اليورو التي طرحتها وزارة المالية الشهر الماضي، قفز حجم الدين الخارجي لمصر إلى 82.9 مليار جنيه في ديسمبر الماضي، مقابل 46.1 مليار دولار في يونيو 2014.
ووصلت نسبة الدين الخارجي إلى 36.2% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية سبتمبر 2017 مقابل 15.1% منتصف 2014، لكن وتيرة زيادة الدين الخارجي تباطأت خلال الربعين الثالث والرابع من 2017.
وبحسب تصريحات لعمرو الجارحي وزير المالية لشبكة سي إن بي سي عربية، في فبراير الماضي، فإن الحكومة تستهدف استقرار الدين الخارجي بين 30 و32% من الناتج المحلي خلال الأعوام المقبلة.
الاقتصاد يتحمل أكثر
قالت رضوى السويفي رئيسة قسم البحوث ببنك الاستثمار فاروس، لمصراوي، إن الدين الخارجي، كقيمة، لن ينخفض خلال العامين أو الثلاثة أعوام المقبلة، ولكنه سينخفض كنسبة من الناتج الإجمالي المحلي مع تحسن المؤشرات الاقتصادية وتراجع الفجوة التمويلية وبالتالي تراجع الاقتراض مع استمرار نمو الاقتصاد.
وتتفق رضوى مع محافظ المركزي في أن وضع الاقتصاد المصري يستطيع تحمل ديون خارجية بقيم أكبر من الحالية رغم التطورات الاقتصادية الخارجية، ولكنها ترى أن الإبقاء على قيم أقل للديون أفضل اقتصاديا.
وقالت رضوى: "لا خطورة على الاقتصاد المصري طالما نستطيع الوفاء بالتزاماتنا".
ويمتلك البنك المركزي احتياطي من النقد الأجنبي بقيمة 44.029 مليار دولار بنهاية أبريل، مقابل 42.611 مليار دولار في نهاية مارس 2018، وهو مستوى غير مسبوق في تاريخ مصر.
لكن في المقابل حذر تقرير لقسم خدمة المستثمرين بوكالة موديز للتصنيف الائتماني العالمية، صدر مؤخرا، من أن مصر ضمن 7 دول ناشئة معرضة لمخاطر بسبب ارتفاع تكلفة الديون وسعر الفائدة على الاقتراض.
كما اعتبرت وكالة ستاندرد آند بورز للتصنيف الائتماني، والتي رفعت تصنيف مصر مؤخرا إلى "B"، أن عدم السيطرة على الدين الخارجي لمصر قد يسبب ضغوطا سلبية على تصنيفها الائتماني فيما بعد، بحسب تقرير لها صدر الشهر الجاري.
وقالت الوكالة في تقريرها إن الضغوط السلبية على تصنيف مصر قد ترتفع في حال تغير مسار خطة مصر لخفض الديون مقابل الناتج المحلي.
وحذر ديفيد ليبتون النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولي خلال إحدى جلسات مؤتمر النمو الشامل في مصر الذي نظمه الصندوق مطلع الشهر الجاري مع البنك المركزي، من أن "الدين العام لا يزال شديد الارتفاع، ويتعين بذل جهود كبيرة لضبط الأوضاع المالية وإتاحة المبالغ اللازمة للإنفاق في المجالات الأساسية مثل الصحة والتعليم".
تراجع الدين طويل الأجل
وترى سلمى حسين الباحثة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية لمصراوي، أنه يجب أخذ التحذيرات المؤسسات الدولية على محمل الجد، لأن الوضع الدين الحالي لمصر "مقلق بالفعل".
"لم تختلف تركيبة الدين العام من حيث زيادة الدين الخارجي فيها فحسب، بل إن تركيبة الدين الخارجي نفسه تغيرت وتراجعت نسبة الديون طويلة الأجل فيها خلال السنوات الأخيرة لصالح الديون القصيرة والمتوسطة"، وفقا لسلمى.
ووفقا لبيانات البنك المركزي، فإن نسبة الدين طويل الأجل من الدين الخارجي انخفضت من 89.7% نهاية عام 2010، إلى 65.6% منتصف 2015، وإلى 61.7% منتصف 2017.
ورغم زيادة نسبة الدين قصير الأجل من إجمالي الدين الخارجي من 9% نهاية 2010 إلى 15.5%، إلا أن الزيادة الملحوظة كانت في نسبة الدين متوسط الأجل الذي قفز من 1.3% نهاية 2010 إلى 22.8% منتصف 2017.
وتقول سلمى إن هيكل الدين الخارجي الحالي "تزيد معه هشاشة وضع الدين الخارجي ويؤدي إلى زيادة كبيرة في أعباء السداد في الأجل المتوسط، خلال السنوات الخمس المقبلة".
التغير الآخر الذي حدث في تركيبة الدين الخارجي خلال السنوات الخمس الأخيرة، بحسب سلمى حسين، "هو أن أكثر من ثلث هذا الدين جاء عبر البنك المركزي، وهي حيلة حكومية لتمرير القروض دون العرض على البرلمان الذي ألزمها الدستور بموافقته على القروض المتعلقة بها".
وتقول سلمى أشارت إن الدولة كانت مضطرة للاقتراض عندما بلغت أزمة نقص العملة ذروتها خاصة قبل تعويم الجنيه. ولكنها ترى أن الحكومة كان أمامها حلول أخرى خلال الفترات التي سبقت ذروة الأزمة.
وعانت مصر من أزمة نقص العملات الأجنبية خلال السنوات السابقة على تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، ولكن الأزمة اختفت من البنوك بعد شهور قليلة من التعويم.
وقالت سلمى حسين: "الاقتراض الخارجي وليس التعويم هو من نجح في إخراج مصر من مشكلات نقص العملات الأجنبية".
فيديو قد يعجبك: