"استراتيجية جديدة في الطريق".. كيف تخطط الحكومة لخفض الدين العام؟ (إنفوجرافيك)
كتب- مصطفى عيد:
تجهز الحكومة حاليا استراتيجية لإدارة الدين العام وخفضه خلال المرحلة المقبلة، بعد زيادة الديون سواء الخارجية أو المحلية خلال السنوات الأربع الأخيرة بنسب تصل إلى الضعف، ووصلت الأرقام إلى مرحلة وصفها خبراء بـ "الخطيرة".
ويرى خبراء أن إعداد استراتيجية للسيطرة على الدين وخفضه خطوة مهمة.
وشهد العامان الماضيان زيادة ملحوظة في أرصدة الديون مع بدء تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، والحصول على قروض خارجية كبيرة، من أجل سد عجز الموازنة وتوفير العملة الصعبة في السوق المحلي.
وبدا مؤخرا اهتماما كبيرا من الحكومة بخفض الدين العام وهيكلته، وهو ما أكده وزير المالية محمد معيط، في كلمته أمام مؤتمر اليورومني، بالأمس، مشيرا إلى أن هناك توجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسي ومجلس الوزراء، بخفض الدين.
وعقدت المجموعة الوزارية الاقتصادية سلسلة من الاجتماعات في الفترة الأخيرة لاستعراض ومناقشة عدد من المقترحات الخاصة بالعمل على خفض الدين العام بشقيه الداخلي والخارجي، بهدف وضع مسودة استراتيجية متكاملة لخفض الدين العام على المدى المتوسط.
وبحسب تصريحات معيط، فإنه من المقرر الانتهاء من وضع الاستراتيجية وعرضها على مجلس الوزراء في غضون أسابيع قليلة.
وتؤثر الديون المرتفعة على معدلات عجز الموازنة، وأيضا صعوبة توجيه الإنفاق العام لأوجه التنمية المستدامة وخدمة الأوجه المفترض أن يتم إنفاقها فيه من خدمات وغيره، نتيجة استخدام جزء كبير من الموارد في سداد فوائد الديون وأقساطها.
وبحسب موازنة العام الجاري، وصلت قيمة خدمة الدين والتي تشمل الفوائد والأقساط 817.3 مليار جنيه وهو ما يعادل 82.6% من الإيرادات المتوقعة بالموازنة خلال العام، ونحو 57.4% من إجمالي المصروفات.
ووفقا للبيان المالي للموازنة، تستهدف الحكومة خفض معدل الدين العام إلى بين 91 و92% من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام الحالي مقابل 97% بنهاية العام الماضي، و108% بنهاية عام 2016-2017، على أن تصل النسبة إلى 80% في نهاية عام 2020-2021.
وقال معيط، خلال مؤتمر اليورومني، إن الحكومة تدرس وضع حد أقصى للاستدانة الخارجية والمحلية.
ويتوافق كلام الوزير مع ما قاله نائبه للسياسات المالية، أحمد كجوك، في افتتاح ملتقى "تطوير الإصلاح المالي والتطوير المؤسسي"، الخميس الماضي، بإنه سيتم وضع سقف مالي للاقتراض بكافة جهات الدولة، ضمن استراتيجية يتم إعدادها حاليا للسيطرة على الدين العام بالتعاون مع المجموعة الوزارية الاقتصادية.
وبحسب بيان من وزارة المالية الخميس الماضي، قال كجوك: "يتم التعامل حاليا مع المجموعة الاقتصادية في وضع استراتيجية للدين العام تشمل عمر وخدمة الدين وأهدافه وتحسين الإيرادات وترشيد المصروفات، ووضع سقف مالي للاقتراض بكافة جهات الدولة وفقا لأولويات واحتياجات كل جهة".
وقالت عالية المهدي، الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن إعلان الحكومة إعداد استراتيجية لإدارة الدين العام، خطوة مهمة تعبر عن إدراكها "أخيرا" لأهمية الحاجة لإدارة ملف الدين وإصدار استراتيجية لذلك.
ويعد إعداد استراتيجية لإدارة الدين واهتمام الرئيس ورئيس الوزراء بموضوع إدارة الدين والسيطرة عليه "اختيار موفق جدا" في المرحلة الحالية، خاصة مع وصول أرقام الدين إلى "مرحلة خطيرة جدا" يذهب معها ما يقرب من نصف الإنفاق بالموازنة العامة إلى خدمة الدين، بحسب ما قاله شريف الديواني المدير التنفيذي الأسبق للمركز المصري للدراسات الاقتصادية.
وطالبت عالية المهدي بأن يكون على رأس هذه الاستراتيجية وقف المديونية المتصاعدة وهو ما اعتبرته نقطة البداية للتعامل مع هذا الملف وأنه بدونه لن يصبح للاستراتيجية قيمة، خاصة مع وصول خدمة الدين إلى نسبة لم تحدث من قبل من إجمالي الإنفاق العام.
وقال شريف الديواني إن هناك 3 ملامح واضحة حتى الآن من خطة إدارة الدين العام أولها زيادة كفاءة تحصيل الضرائب لزيادة إيرادات الدولة، "وهو ما يُرجى أن يحدث بحذر شديد حتى لا يتم بشكل يؤثر على الاستثمار ويراعى أن زيادة الحصيلة عبر توسيع القاعدة الضريبية يحتاج إلى وقت لحدوثه".
وأضاف أن هذه الفترة تعمل فيها الحكومة على تحصيل أكبر قدر ممكن من الضرائب من الممولين المعروفين والملتزمين بالسداد، وهو ما ظهر مع العديد من الشكاوى من المبالغة في التقدير والمنازعات، وما أثير عن التهديد بالحجوزات وخاصة على حسابات العملاء بالبنوك، وهو ما قد يشير إلى حاجة الدولة الشديدة لزيادة الحصيلة بحلول قد تهدد الاستثمار.
وذكر الديواني أن ملامح الخطة تشمل أيضا إعادة جدولة الدين من خلال تحويله إلى دين طويل الأجل وبعوائد مناسبة، بدلا من الاعتماد على أدوات قصيرة الأجل وبتكلفة مرتفعة، وذلك تزامنا مع رفع النظرة المستقبلية للتصنيف السيادي لمصر، وهو ما يعني أن تكلفة الاقتراض طويل الأجل أصبحت أقل من ذي قبل.
ورفعت وكالة موديز للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية لإصدارات الحكومة المصرية من السندات السيادية طويلة الأجل من مستقرة إلى إيجابية، مع التأكيد على تصنيف مصر الائتماني عند درجة "B3"، بحسب بيان من الوكالة الأربعاء الماضي.
ومن ملامح الخطة أيضا، بحسب الديواني، تشجيع الاستثمارات الأجنبية وتدفقات رؤوس الأموال من الخارج للتخفيف من العبأ على الجنيه المصري، وخفض تكلفة حماية العملة المحلية، حيث أصبحت زيادة التدفقات من الاستثمار الأجنبي والتصدير ضرورة في الوقت الحالي، وبدون ذلك من الصعب علاج عجز الموازنة، على حد قوله.
وطالبت عالية المهدي أن يتم وقف الاقتراض عبر قرار رئاسي، إلى جانب إصدار قرار آخر بألا تتجاوز المديونية رقما أو نسبة محددة.
وأشارت إلى التجربة المصرية في تحديد سقف للدين الخارجي بعد تجربة الإصلاح الاقتصادي في التسعينات، حيث قالت إن الرئيس الأسبق حسني مبارك قرر في عام 1996 ألا يصل حجم الديون الخارجية إلى 35 مليار دولار طيلة وجوده في سدة الحكم، وهو ما تمكن من تحقيقه خلال فترة عهده حتى ثورة يناير.
كما كانت هناك تجارب دولية ناجحة أيضا لتحديد سقف للديون عبر كنسبة من الناتج القومي الإجمالي، في بعض دول أمريكا اللاتينية منها البرازيل وتشيلي، وفقا لشريف الديواني، الذي أشار إلى أن هذه التجارب صاحبها سياسات تشجع على الادخار للاعتماد على الاقتصاد الوطني في تمويل الاستثمارات وتحريك الاقتصاد، وبالتالي زيادة الإيرادات.
وأكد الديواني أن التحول من الاعتماد على الاقتراض خلال العامين الماضيين من الإصلاح، إلى العمل على خفض معدلات الدين يحتاج إلى مجهود كبير، وإلى موازنة بين محاور الخطة، "خاصة أنه ليس هناك مجال لزيادة الديون على المدى القصير وبالتالي الحل الأمثل في الفترة المقبلة هو الحد من الإنفاق العام خاصة بالجهاز الإداري للدولة".
فيديو قد يعجبك: