كيف سيتأثر اقتصاد مصر من تداعيات أزمة فيروس كورونا؟ (تحليل)
كتب- مصطفى عيد:
لم يخطر على بال أكثر المتشائمين بشأن مستقبل الاقتصاد العالمي أن تحدث أزمة مالية واقتصادية حادة وسريعة خلال الفترة الحالية، بنفس القوة والسرعة التي خلفتها ولا تزال تخلفها تداعيات انتشار فيروس كورونا المستجد.
وطالت تداعيات الأزمة الاقتصاد المصري مثل غيره من الاقتصادات التي طالتها سواء كانت متقدمة أم ناشئة، حيث بدأت بعض المؤشرات في الظهور بالفعل، كما بدأت الحكومة في مراجعة توقعاتها وخططها للاقتصاد خلال العامين الحالي والمقبل.. فكيف يتوقع أن تؤثر الأزمة على اقتصاد مصر؟
المؤشرات تبدأ في الظهور
ظهرت بعض المؤشرات الاقتصادية التي تشير بالفعل إلى تأثير أزمة كورونا على الوضع الاقتصادي، ومنها أن مؤشر مدراء المشتريات (PMI)، أظهر انخفاض النشاط والأعمال الجديدة والصادرات بمعدلات قياسية في القطاع الخاص غير النفطي في مصر خلال أبريل الماضي وسط تدابير تخفيف أزمة فيروس كورونا.
كما انخفض احتياطي مصر من النقد الأجنبي خلال شهري مارس وأبريل الماضيين بنحو 8.5 مليار دولار ليصل إلى 37 مليار دولار، وذلك بعد خروج نحو 15 مليار دولار من استثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومية، بحسب تقديرات وكالة موديز للتصنيف الائتماني.
الحكومة تراجع التوقعات
راجعت الحكومة توقعاتها لعدد من المؤشرات منها معدل نمو الاقتصاد الذي تتوقع أن يصل إلى 4.2% خلال العام المالي الحالي بدلا من 5.6%، وإلى 3.5% خلال العام المالي المقبل بدلا من نحو 6%.
كما غيرت الحكومة توقعاتها للعجز الكلي للموازنة إلى 7.9% بدلا من 7.2% للعام المالي الحالي، وأبقت على معدل 6.3% للعام المقبل على أن يزيد إلى 7.7% لو استمرت أزمة كورونا إلى ديسمبر المقبل.
وتوقعت الحكومة أن ترتفع نسبة دين أجهزة الموازنة العامة للدولة إلى 84.5% من الناتج المحلي الإجمالي في يونيو 2021 بدلا من 82.8% في تقديرات الموازنة، إذا استمرت الكورونا حتى ديسمبر.
كيف ستؤثر الأزمة على الاقتصاد؟
- مصادر النقد الأجنبي
يتوقع نعمان خالد محلل الاقتصاد بشركة سي آي كابيتال لإدارة الأصول، أن يكون القطاع الخارجي ومصادر مصر من النقد الأجنبي من بين أكثر مظاهر تأثر الاقتصاد سلبا بتداعيات أزمة كورونا خلال عامي 2020 و2021.
وقال نعمان خالد لمصراوي، إن السياحة ستكون على رأس مصادر النقد الأجنبي المتأثرة، خاصة وأنها قد تستغرق فترة طويلة نسبيا لاستعادة نشاطها بالكامل حتى بعد انتهاء أزمة كورونا، وأيضا قد تتأثر تحويلات العاملين بالخارج وإيرادات قناة السويس بالأزمة.
وأضاف أن من المتوقع أيضا حدوث تراجع في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خاصة أن جزءا كبيرا من هذه التدفقات يتعلق بنشاط البترول والغاز، ومن الطبيعي أنها ستقل مع المستويات الحالية لأسعار البترول بعد هبوطها الحاد مؤخرا.
واتفقت الدكتورة عالية المهدي الأستاذة بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، مع نعمان خالد، على تأثر مصادر مصر من العملات الأجنبية بتداعيات أزمة فيروس كورونا.
وقالت وكالة موديز في تقرير أمس الأول، إن الصدمة التي سببتها تداعيات أزمة انتشار فيروس كورونا بالنسبة للاقتصاد المصري تتمثل بشكل رئيسي في الضغط على متطلبات التمويل الخارجي، وانخفاض عائدات السياحة والتحويلات، وتباطؤ النمو.
وتوقعت موديز حدوث ارتفاع مؤقت في عجز الحساب الجاري إلى 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام المالي الجاري، وهو ما يتفق مع توقعات نعمان خالد بأن يكون العجز بين 4 و5%، وأن تصل الفجوة التمويلية إلى بين 12 و13 مليار دولار.
وأشار نعمان خالد إلى أن تأثر مصادر النقد الأجنبي المتوقع أن يستمر حتى نهاية العام قد يمثل عقبة أمام عودة النشاط الاقتصادي بكامل طاقته عند تخفيف الإجراءات الاحترازية، وهو ما يعني عودة ارتفاع الالتزامات الخارجية خاصة على مستوى الاستيراد وبالأخص مستلزمات الإنتاج.
- هيكل الاقتصاد
مشكلة أخرى يرى نعمان خالد أنها قد تواجه الاقتصاد ومترتبة أيضا على تأثر القطاع الخارجي، وهي تتعلق بهيكل الاقتصاد المصري ككل، حيث يستحوذ الاستهلاك المحلي على نحو 80 أو 85% من الناتج المحلي، ويعتمد في جزء كبير منه على التمويل من الخارج.
وأوضح أن هذه المشكلة تتمثل في أنه لابد لحل أي أزمة تؤثر على القطاع الخارجي من تحجيم الاستهلاك المحلي، أو البحث عن بدائل عن مصادر النقد الأجنبي لتوفير التمويل الدولاري المطلوب لاستمرار هذا الاستهلاك في مساره الطبيعي.
وأكد ضرورة استيعاب الدولة لتكرار حدوث هذه المشكلة مع أي أزمة اقتصادية تتعلق بالقطاع الخارجي، وبالتالي العمل على تغيير هيكل الاقتصاد بما يجعله يتفادى نفس التأثير في حالة حدوث أزمات جديدة.
- نشاط القطاع الخاص
قالت عالية المهدي لمصراوي أن بعض الأنشطة الاقتصادية تتأثر بشكل ملحوظ من حظر التجول الجزئي الذي تفرضه الحكومة حاليا للحد من انتشار فيروس كورونا، مثل تجارة التجزئة، والخدمات مثل المطاعم والفنادق وغيرها.
وأضافت أنه كلما طالت فترة الحظر واستمرت أزمة كورونا كلما كان تأثر هذه الأنشطة أشد، مشيرة إلى أن توقعاتها لنمو الاقتصاد أكثر تشاؤما بالنسبة لتقديرات الحكومة.
هل تفتح الحكومة الطريق أمام الاقتصاد عقب عيد الفطر؟
حملت تصريحات العديد من مسؤولي الحكومة في الفترة الأخيرة وعلى رأسهم رئيس الوزراء تلميحات ببدء عودة الحياة والنشاط الاقتصادي إلى طبيعته بشكل تدريجي بعد عيد الفطر المبارك مع اتخاذ كافة الإجراءات الاحترازية للحد من انتشار الفيروس.
وقال نعمان خالد إن أول القطاعات التي ستستفيد من عودة الاقتصاد إلى العمل بكامل طاقته هي القطاعات المتعلقة بالاستهلاك بكل أنواعه، خاصة مع صعوبة تطبيق كامل الشروط الاحترازية على عمل بعض الأنشطة وهو ما يمكن أن يساعد على انطلاقها وعودة زيادة معدلات الاستهلاك عليها.
وأضاف أن الاستهلاك لن يتأثر بقوة كبيرة من الأزمة خاصة مع التوقع بعدم ارتفاع البطالة بشكل حاد، ومحاولة أغلب الشركات الحفاظ على العمالة لديها على أمل عودة كامل النشاط الاقتصادي بعد عيد الفطر.
وأشار خالد إلى أن ما يساعد الشركات بمصر في الحفاظ على عمالتها لأطول فترة ممكنة هو ارتفاع السيولة النقدية المتاحة لديها مقارنة بدول أخرى مثل السعودية والكويت والإمارات.
ونصحت عالية المهدي بعدم التسرع في فتح الاقتصاد والتخلي عن الإجراءات المتخذة حاليا للحد من انتشار كورونا، مشيرة إلى ضرورة التأكد من الحكم على الوضع أولا، والقدرة على التحكم فيه في حالة زيادة معدلات انتشار الفيروس.
الوضع تحت السيطرة
يعتقد نعمان خالد أن السيناريو المتوقع أن يشهده الاقتصاد المصري خلال الفترة المقبلة في ظل أزمة كورونا بشكل عام لن يكون بعيدا عن سيطرة الدولة، والقدرة على التحكم فيه وتحجيم الأضرار بقدر الإمكان.
وترى وكالة موديز أن السجل الحافل لمصر بتنفيذ الإصلاح الاقتصادي والمالي، والقدرة الواضحة على إدارة الصدمات الكبيرة سيقلل من احتمال التأثر الشديد من أي اضطراب قد يحدث في الأسواق المالية العالمية.
ولكن بعض النتائج السلبية للإصلاح الاقتصادي قد تسهم في زيادة تأثير كورونا على الاقتصاد، مثل معدل الفقر الذي يمكن أن يتفاقم في حالة انتكاسة الاقتصاد، بحسب ما قالت عالية المهدي.
فيديو قد يعجبك: