آمال محفوفة بالمخاطر.. كيف تنتهي تجربة زراعة قطن قصير التيلة في مصر؟
كتبت- شيماء حفظي:
تنتظر وزارة قطاع الأعمال العام، نتيجة تجربة زراعة 250 فدان قطن قصير التيلة، في أكتوبر المقبل، في تجربة ليست الأولى لكنها قد تكون الأخيرة لتجربة هذا الصنف من القطن بمصر.
وتشتهر مصر بزراعة القطن طويل التيلة، وهو العلامة الرئيسية في تصدير الذهب الأبيض، والذي يعاني من تراجع في مساحات زراعته خلال السنوات الأخيرة.
وبدأت الشركة القابضة للغزل والنسيج، التابعة لوزارة قطاع الأعمال، تجربة الزراعة من أجل تقليل استيراد القطن قصير التيلة والغزول المصنعة منه (الغزول السميكة) المستخدم في صناعة الغزل والنسيج.
لكن صناع وخبراء قطن، يعارضون هذه التجربة، ويرونها تحمل مخاطر أكبر من منافعها – حال نجاحها – أخطرها أنها ستقضي على سمعة مصر الدولية في تصدير القطن طويل التيلة.
لماذا نزرع قطن قصير تيلة؟
فسر هشام توفيق وزير قطاع الأعمال العام، لمصراوي، سبب إجراء تجربة زراعة قطن قصير التيلة في مصر، على الرغم من الجدل الكبير حول هذا الملف على مدى سنوات مضت.
وقال توفيق، إن صناعة الغزل والنسيج ليست الشركة القابضة فقط، "الشركة القابضة جزء مهم من السوق لكن هناك لاعبين آخرين، كما أن زراعة القطن ليست مسؤولية وزارة قطاع الأعمال العام".
وأضاف "ولكن هذا الملف يدار بتنسيق كامل في لجنة الأقطان المشكلة بقرار رئيس مجلس الوزارء، مقررها وزير قطاع الأعمال وفيها وزيري التجارة والصناعة والزراعة".
يلخص الوزير، التجربة في أنها محاولة لـ"إحلال واردات" القطن قصير التيلة المستخدم في الصناعة المحلية، أي زراعته محليا بدلا من استيراده.
ويقول الوزير، إن صناعة النسيج في مصر تقوم على اتجاهين إما الاستيراد، أو تحويل القطن طويل التيلة لاستخدامه في الصناعة المحلية.
وأوضح أن "قدرة صناعة الغزل والنسيج في مصر على استخدام القطن طويل التيلة محدودة جدا، وبالتالي الطلب على القطن الطويل التيلة في مصر منخفض ويذهب أغلبه للتصدير، وحتى التصدير يقابله منافسة مع أقطان طويلة التيلة يتم زراعتها في أمريكا، بجودة عالية فأصبح البيما الأمريكي سيد الأقطان".
وأشار الوزير إلى أن استخدام قطن طويل التيلة في الصناعة المحلية "كإننا حولنا سيارة مرسيدس لتاكسي، وأهدرنا المواصفات الغزلية للقطن المصري، لكن هذا انتهى، كما لا نريد الاستمرار في استيراد قطن وغزول من الخارج لصناعة الغزل والنسيج في مصر".
وبلغ إنتاج مصر من القطن الموسم الماضي نحو 1.7 مليون قنطار، تم تصنيع ما بين 300 إلى 350 ألف قنطار فقط في مصر، والباقي إما تم تصديره أو تخزينه تمهيدا للتصدير، واستيراد قصير التيلة بنحو 2.2 مليون قنطار، بحسب الوزير.
ووفقا لبيانات قاعدة بيانات الأمم المتحدة COMTRADE للتجارة الدولية، بلغت صادرات مصر من القطن 471.63 مليون دولار خلال عام 2019
وفيما بلغت واردات مصر من القطن 890.07 مليون دولار خلال عام 2019، بينها 123.22 مليون دولار من اليونان، وفقا للبيانات.
بعيدا عن الوادي
وأكد الوزير:"نحاول زراعة أقطان قصيرة التيلة في مناطق بالصحراء بعيدا عن وادي النيل لأنها مكان زراعة القطن طويل التيلة، حتى لا يحدث خلط، وهي تجربة مازالت قيد التحكيم، غرضها إحلاله محل الواردات، ولا تعني إنهاء القطن المصري".
وفيما يتعلق بالقطن طويل التيلة، فنحن الآن نحاول تحسين نظم التجارة والمحالج في التعامل مع القطن طويل التيلة واسترجاع العلامة التجارية المميزة للقطن المصري.
"أخذنا على عاتقنا كشركات قطاع أعمال عام التجربة على 250 فدان، استوردنا بذورا عالية الإنتاجية وتعاقدنا مع شركة عالمية لتنفيذ الفكرة، ونتيجة التجربة يتم تقييمها في أكتوبر المقبل، وبناء عليه ننتقل إما لخطوة مقبلة للتوسع في الزراعة، أو لمعرفة أن هذا المقترح غير قابل للتنفيذ لكنها تجربة تستحق الدراسة"، بحسب الوزير.
إذا نجحت التجربة ستكون النتيجة تقليل تدريجي لاستيراد الأقطان قصيرة التيلة والغزول السميكة، بما يفيد منظومة التجارة، والمصنعين المحليين، وفقا لما قاله الوزير.
تعزيز الصادرات أم تقليل واردات
تستهدف تجربة قطاع الأعمال العام، تخفيض واردات مصر من القطن قصير التيلة بزراعته في مصر، بينما يقول الوزير إن هذا لن يؤثر على القطن طويل التيلة "لأن الوزارة تحسن منظومة تجارته".
لكن مجدي طلبة، رئيس المجلس الأعلى للصناعات النسيجية سابقا يرى أن موازنة الصادرات والواردات يمكن تنفيذها من خلال زيادة معدل صادرات القطن طويل التيلة وتعظيم الحصة السوقية لمصر، كحل أكثر جدوى وأقل مخاطرة من تقليل واردات قطن قصير التيلة.
وقال طلبة، إنه قبل سنوات، عمل المجلس، على وضع استراتيجية للنهوض بالقطن المصري، وحلقات الصناعة، توافقت عليها الأطراف المعنية بضرورة الحفاظ على القطن المصري طويل التيلة، لكنها لم تنفذ.
"97% من صناعة الغزل والنسيج في العالم تقوم على القطن قصير التيلة، ليس عيبا أن نستورده، بدلا من زراعته ومنافسة نحو 120 دولة تنتج القطن قصير التيلة عالميا" بحسب طلبة.
وتستورد مصر قطن قصير التيلة من 5 دول رئيسية، هي الولايات المتحدة الأمريكية واليونان، وسوريا والسودان وبوركينا فاسو، وسط مطالبات بالسماح للاستيراد من دول أكثر، بحسب طلبة.
وقال طلبة، "صحيح القطن طويل التيلة طلبه منخفض عالميا لكننا نتمتع فيه بسمعة جيدة يمكن استغلالها من خلال تحفيز زيادة المساحات المزروعة وتحسين السلالات، أو تصنيعه وتصديره منتج تام بقيمة مضافة 9 أضعاف".
وقال إنه لإحلال واردات قطن قصير التيلة في مصر، لابد من إثبات أن زراعته في مصر غير مكلفة مقارنة بسعر استيراده لضمان بيعه.
"إذا نجحت تجربة الزراعة، فيجب أن تكون بتكلفة أقل من الاستيراد ليتمكن المزارعون من بيع القطن، إذا لم يتحقق هذا البند وهو بند في غاية الأهمية ستكون عملية الإنتاج غير مجدية وسيستمر المستوردون في الشراء من الخارج بسبب انخفاض التكلفة".
وأظهرت دراسة عن جدوى زراعة الأقطان قصيرة التيلة صادرة عن مركز البحوث الزراعية، أن تكاليف إنتاج القطن المصري تساوي تكاليف إنتاج قطن الأبلند ، لكن أسعار القطن الأبلند (صنف قصير تيلة أمريكي) أقل عالميا.
وتشير الدراسة إلى أن معظم الدول المنتجة لقطن الأبلند قصير التيلة تدعم مزارعيها ولهذا يتم توريد هذه الأقطان بأسعار منخفضة، وعليه "فإن ظهور أقطان أبلند مستوردة أقل سعرا من المنتجة محليا سيضطر الفلاح لبيع محصوله بأسعار منخفضة ما يتسبب في خسارة فادحة للمزارعين".
وتقول الدراسة، إن الطرق التقليدية للزراعة في مصر تحد من قدرة المنتج المحلي على منافسة المنتج المستورد، وستظل تكلفة الإنتاج في مصر مرتفعة مقارنة بالهند وأمريكا والصين وباكستان (تنتج 80% من أقطان العالم).
مخاطر على القطن المصري
تتقاطع رؤية وزارة قطاع الأعمال بشأن الأقطان قصيرة التيلة، مع مخاوف متعاملون في منظومة القطن والزراعة، وكذلك مع مصنعين محليين ومصدرين، يرون أن التجربة تحمل مخاطر أكثر من المنافع.
وتقلصت مساحات الأراضي الزراعية المزروعة بالقطن المصري (طويل التيلة) وهي العلامة المميزة للقطن المصري في التجارة الخارجية والتصدير، على مدى عشرات السنوات.
وانخفضت المساحة خلال العشرين عام الماضية، من نحو مليون فدان إلى ما يقرب من 183 ألف فدان خلال الموسم الجاري، بحسب ما قاله مصدر بهئية تحكيم القطن لمصراوي.
وقال المصدر، إن الخطر من نجاح تجربة زراعة القطن قصير التيلة في مصر، لا يقتصر فقط على تشويه سمعة القطن المصري باعتباره "مخلط" لكنه أيضا قد يقضي على باقي المساحة التي تتم زراعتها الآن منه.
"إذا نجحت زراعة القطن قصير التيلة، سنواجه أزمة عالمية في أن القطن المصري لم يعد بنفس مواصفاته الغزلية كقطن طويل التيلة، وهذه ضربة كبيرة لسمعة القطن في ظل منافسة كبيرة مع القطن طويل التيلة الأمريكي "البيما" بحسب ما قاله المصدر.
وقالت دراسة البحوث الزراعية، إن في عام 2015، ونتيجة لتدهور النقاوة الوراثية بسبب زيادة نسبة الخلط الميكانيكي والوراثي، انخفضت القيمة السعرية لصنف جيزة 86 المصري الشهير لما يقرب من 25% من قيمته الحقيقية، تسببت في خسارة بنحو 58 مليون دولار في هذ الصنف في نفس العام.
وعلى الرغم من المخاطر المحيطة بزراعة القطن قصير التيلة في مصر، اتفق مصدرين على أنه إذا تبثت الجدوى الفنية والاقتصادية للتجربة، فإنه سيلزم على الدولة وضع ضوابط صارمة لعدم تخليط الأقطان والترويج لهذه الفكرة عالميا.
"سيكون على الحكومة تخصيص أماكن معينة والترخيص لجهات محددة بالزراعة، والتأكد من نقاوة الأقطان طويلة التيلة المنتجة من مناطق الدلتا، والتأكيد دوليا على هذه الإجراءات من أجل الحفاظ على الصادرات من القطن المصري" بحسب ما قاله مصدر بهيئة التحكيم.
فيديو قد يعجبك: