أزمة طاقة تشتعل حول العالم وتوقعات بزيادة أسعار السلع.. فماذا يحدث؟
كتبت-ياسمين سليم:
اشتعلت أسعار الطاقة حول العالم، مسببة أزمة كبرى تحديدًا في أوروبا والصين، بعد أن دفعت المصانع إلى خفض إنتاجها في محاولة لترشيد الطاقة والسيطرة على هذه الأزمة التي تعم العالم.
ويتوقع أن تضيف هذه الأزمة مزيدًا من الأعباء على الاقتصاد العالمي الذي يعاني من أزمات متلاحقة منذ بداية انتشار فيروس كورونا، وأن تسبب مزيدًا من الضغوط على سلاسل الإمدادات العالمية مما يرفع أسعار السلع حول العالم ويزيد التضخم.
ماذا حدث؟
منذ نحو شهرين تسجل أسعار الطاقة والغاز ارتفاعات هائلة مع زيادة الطلب على السلع والبضائع، لكن هذا الزيادة تحولت من زيادة في الطلب إلى نقص في الإمدادات مسببة أزمة طاقة.
وسجل سعر برميل البترول يوم الجمعة الماضية أعلى مستوى له في 3 سنوات بعد أن وصل إلى 85.10 دولار للبرميل، وتضاعف سعر البترول بذلك مقارنة بسعره قبل عام.
وكان البترول يتداول في نفس هذا الوقت من العام الماضي عند 40 دولارًا للبرميل، وفقًا لبيانات وكالة بلومبرج، لكنه الآن يحوم حول 85 دولارًا.
كما سجل خام غرب تكساس "نايمكس" مستويات قياسية ووصل إلى 82 دولارًا، في حين كان يتداول قبل عام من الآن عند 25 دولارًا.
ويأتي هذا في ظل أزمة نقص في الغاز الطبيعي تضرب أوروبا والعالم، تسببت في صعود الغاز الطبيعي إلى مستويات مرتفعة إذ سجل 5.41 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في العقود الآجلة يوم الجمعة الماضية.
ارتفع الطلب على الغاز الطبيعي في أوروبا والدول الآسيوية مما شكل ضغطًا على الإمدادات الروسية التي تمد أوروبا بأغلب الغاز الطبيعي عبر شبكة أنابيب تمتد في أغلب دول أوروبا.
وتدهور الوضع في أوروبا بسرعة وتحول إلى أزمة واتخذت بعض الدول إجراءات سريعة لمواجهة هذه الأزمة، وقررت إسبانيا عدة إجراءات طارئة لخفض فواتير الطاقة، فيما تخطط فرنسا لدفع 100 يورو لمرة واحدة إلى ما يقرب من 6 ملايين أسرة منخفضة الدخل، بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة.
كما دخلت بريطانيا الشهر الماضي في أزمة بسبب نفاد الوقود من المحطات، بسبب النقص الواسع في عدد سائقي الشاحنات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسميًا مطلع العام الجاري، لتضيف هذه الأزمة عبئًا جديدًا.
مراوغة روسية
تستورد أوروبا أكثر من نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي عبر شبكة أنابيب ممتدة من روسيا إلى بقية دول القارة الأوروبية.
وتُلقي الدول الأوروبية باللوم على روسيا وتقول إنها تحجب الغاز عن دول أوروبا مسببة هذه الأزمة، لرفع الأسعار، خاصة مع دخول فصل الشتاء والحاجة الضرورية للغاز من أجل التدفئة.
لكن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين خرج نهاية الأسبوع الماضي لينفي هذه الادعاءات وقال إن بلاده لا تستخدم الغاز كسلاح، وأنها على استعداد للمساعدة في تخفيف أزمة الطاقة في أوروبا.
وتخوض روسيا وأوروبا نزاعًا بخصوص خط أنابيب جديد، هو نورد ستريم 2، لتزويد ألمانيا بالغاز الروسي. وجرى بناء الخط بالكامل، لكنه في انتظار الموافقة على بدء الضخ وسط معارضة من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية التي تخشى من أنه سيجعل أوروبا أكثر اعتمادا على روسيا.
وفي كل الأحوال ستكون أزمة الطاقة على جدول أعمال قمة الاتحاد الأوروبي في 21 و22 أكتوبر الجاري، إذ يتنظر أن يوافق الأعضاء على مجموعة من الإجراءات الطارئة لتخفيف وقع الأزمة.
تعنت أوبك+
تسربت أزمة نقص إمدادات الغاز وارتفاع أسعاره سريعًا إلى سوق النفط مما تسبب في زيادة أسعاره وتخطيه 85 دولارًا للبرميل.
وتلقت منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفائها (أوبك+) مطالبات بزيادة إنتاجهم في ظل النقص الحالي من النفط.
وتتخذ أوبك+ سياسة حذرة اتجاه سوق النفط منذ أن تهاوى سعر البترول لأقل من 30 دولارًا في مارس 2020 في أعقاب الإغلاق الكبير الذي عم العالم بسبب انتشار فيروس كورونا.
واتخذت أوبك+ قرارات بتخفيضات إنتاج يلتزم بها أعضائها في محاولة للسيطرة على النفط، لكنها بدأت مع تحسن الأوضاع العالمية في زيادة الإنتاج تدريجيًا.
وتنفذ حاليًا زيادة تبلغ 400 ألف برميل يوميًا كل شهر بداية من أغسطس الماضي وحتى نهاية العام.
وقالت وكالة بلومبرج إن "أوبك+" لم تظهر أي علامات على الحيد عن خطتها، وفي حديثه في أسبوع الطاقة الروسي في موسكو، قال وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان، التزامه بالزيادة التدريجية لخام النفط.
وقال إن الأزمة التي تجتاح أسواق الطاقة الأخرى تظهر العمل الجيد الذي قامت به المجموعة في تنظيم سوق النفط.
وقالت وكالة الطاقة الدولية منذ يومين إن نقص الغاز الطبيعي في أوروبا وآسيا يعزز الطلب على النفط، ليعمق العجز الكبير في المعروض في أسواق الخام.
وتتوقع وكالة الطاقة أن يرتفع إنتاج النفط العالمي بنحو 2.7 مليون برميل يوميًا من سبتمبر إلى نهاية العام، مع استمرار "أوبك+" في عكس تخفيضاتها وتعافي إنتاج الولايات المتحدة من الأضرار الناجمة عن إعصار "إيدا".
وأضافت أنه حتى مع هذه الإضافات ستعاني السوق من عجز في المعروض يبلغ نحو 700 ألف برميل يومياً لبقية العام الجاري، قبل أن تتحول مرة أخرى إلى الفائض في أوائل عام 2022.
صدمة لسلاسل التوريد
وبسبب أزمة الطاقة التي تعم العالم، اضطرت مصانع الصين، وهي أكبر الموردين في العالم، إلى إيقاف المصانع عن العمل مما يهدد بتعطيل طويل لسلسلة التوريد العالمية.
وقالت صحيفة فايننشال تايمز إن شهور من النقص في الكهرباء أدى إلى قطع الكهرباء عن المنازل في شمال شرق الصين وتسبب في انقطاع التيار الكهربائي عن المصانع في جميع أنحاء البلاد.
كما أن الطلب على الطاقة لا يزال يرتفع وسط طلب قياسي على الصادرات الصينية، وسوف تتفاقم المشاكل بسبب احتمال انخفاض درجات الحرارة في الشتاء، وفقا لفايننشال تايمز.
ويجب على المشترين في أوروبا والولايات المتحدة الانتظار لفترة أطول للحصول على الإمدادات التي يطلبوها لأن المصانع لجأت إلى خفض الطاقة التشغيلية.
وذكرت وكالة بلومبرج أن الصين، وهي أكبر دولة منتجة زراعيًا، قد تواجه أزمة كبيرة في تصريف محصولها الزراعي والتي تستعد لحصده مثل الذرة وفول الصويا والفول السوداني والقطن، إذ ستواجه صعوبة في التعامل مع هذه المحاصيل بسبب أزمة نقص الطاقة في المراكز الزراعية.
وخلال عام 2020، استوردت الصين كمية قياسية من المنتجات الزراعية بسبب النقص محليا، ما دفع الأسعار وتكاليف الغذاء عالميا إلى أعلى مستوياته.
وتقول الوكالة إن أزمة الكهرباء في الصين تُنذر بزيادة أسعار الغذاء عالميًا.
ويأتي هذا في ظل ارتفاعات كبيرة تعم العالم في أسعار السلع الغذائية والمحاصيل، وتضخم يخيم على العالم أجمع، وأزمة كبيرة في أسعار شحن البضائع.
فيديو قد يعجبك: