هل تؤثر موجة التضخم الحالية على أرباح الشركات في مصر؟
كتب- مصطفى عيد:
يرى محللون صعوبة الحكم على تأثير الموجة التضخمية الحالية عالميا ومحليا على أرباح الشركات العاملة في مصر خلال الربع الرابع من عام 2021، وذلك تزامنا مع إعلان الشركات تأثرها بتداعيات الموجة وانعكاسها على تكلفة الإنتاج بدءا من أكتوبر الماضي.
وكان تقرير مديري المشتريات الخاص بمصر لشهر أكتوبر الماضي، أشار إلى أن الشركات المصرية تواجه أكبر ضغوط تضخمية في 3 سنوات، حيث بدأت تشعر بعبء النقص في المواد على كل من الإنتاج والمخزون خلال أكتوبر بعد أن كانت أقل تأثرا في السابق من أوروبا ومناطق أخرى.
وفي تقرير شهر نوفمبر، الصادر منذ أيام، واجهت شركات القطاع الخاص غير المنتج للنفط في مصر ارتفاعًا حادًا في تكاليف مواد الخام، مما دفعها لرفع أسعار بيع المنتجات وهو ما أدى لخفض الطلب خلال شهر نوفمبر الماضي.
وكان معدل التضخم الشهري ارتفع بنسبة 1.7% لإجمالي الجمهورية خلال أكتوبر الماضي مقابل ارتفاع نسبته 1.6% في سبتمبر، فيما سجل التضخم السنوي 7.3% متراجعًا عن 8% في سبتمبر، وفقًا لبيانات جهاز الإحصاء.
ويعاني العالم من اجتياح موجة تضخمية كبيرة منذ عدة أشهر نتيجة تداعيات جائحة كورونا واضطراب سلاسل الإمداد، وسجل معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مستوى منذ عام 1990 عند مستوى 6.2%.
هل تؤثر الموجة التضخمية على أرباح الشركات في الربع الرابع؟
قالت رضوى السويفي رئيس قسم البحوث بشركة الأهلي فاروس لتداول الأوراق المالية، لمصراوي، إنه رغم إعلان شركات القطاع الخاص بدء تأثر أعمالها بتداعيات الموجة التضخمية، فإنه من الصعب أن تظهر تلك التداعيات على أرباح الشركات خلال الربع الرابع من العام الجاري.
وأضافت رضوى السويفي أن الربع الرابع عادة ما يشهد أحداثا موسمية تتأثر بها أرباح الشركات مثل موسم الأعياد والإجازات في ديسمبر من كل عام، وهدوء في بعض القطاعات مثل العقارات، وخصم المخصصات المطلوبة للعام من البنوك من الأرباح، وهو ما يزيد من صعوبة تحديد مدى تأثر الأرباح بالموجة التضخمية.
وأوضحت أنه في كل الأحوال من المتوقع أن تشهد أرباح الشركات في الربع الرابع تحسنا ملحوظا مقارنة بنفس الربع من العام الماضي، لأن عام 2020 كان متأثرا كله بتداعيات جائحة كورونا بشكل عام، ولكن عند المقارنة بالربع الثالث من هذا العام من المتوقع أن تسجل نفس المستوى أو أقل قليلا.
وذكرت السويفي أن تأثير الموجة التضخمية على أعمال الشركات لم يبدأ فقط في الربع الرابع من العام، ورغم أن الأسعار العالمية بدأت في الارتفاع منذ بداية العام، لم نرَ تقلصا في مبيعات الشركات خلال نتائج الأعمال التي ظهرت حتى الآن (أي حتى الربع الثالث).
وأشارت إلى أن متوسط أرقام التضخم خلال العام المقبل ستكون مرتفعة مقارنة بمتوسط الأرقام في عام 2021، وهو ما يجعل فرصة ظهور هذه التداعيات على أرباح الشركات في مصر أكبر خلال عام 2022.
وأوضحت السويفي أن ظهور تداعيات الموجة التضخمية على نتائج أعمال الشركات لن يحدث بشكل واضح قبل الربع الأول من عام 2022 على الأقل.
كما أن هناك عاملا آخر يتعلق بمدى التأثر بتداعيات هذه الموجة، والذي يتمثل في تطورات الأوضاع خاصة مع ظهور متحور أوميكرون، والذي قد يؤدي إلى انحسار الموجة التضخمية بشكل نسبي وبالتالي عدم حدوث تأثر ملحوظ لأعمال الشركات بتداعياتها، بحسب رضوى السويفي.
واتفق محمد سعد المحلل المالي بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، مع رضوى السويفي، على أن بعض التطورات العالمية الأخيرة مع ظهور متحور أوميكرون، وانخفاض أسعار بعض السلع مثل البترول، يجعل من الصعب التوقع بوجود تأثير واضح لتداعيات الموجة التضخمية على أرباح الشركات خلال الربع الحالي من العام.
القطاعات المتضررة من الموجة التضخمية
قال محمد سعد محلل بشركة برايم إنه رغم صعوبة تقدير مدى تأثر أرباح الشركات بالموجة التضخمية فإن هناك شركات متضررة من هذه الموجة وأخرى مستفيدة وهو ما يختلف باختلاف القطاعات التي تعمل بها الشركة.
وأضاف أن من بين الشركات المتأثرة سلبا بالموجة التضخمية الشركات التي تعاني من ارتفاع تكلفة مدخلات الإنتاج بسبب استيرادها مثل منتجي الأجبان مع ارتفاع أسعار اللبن البودرة منزوع الدسم، بالإضافة إلى معظم الشركات التي تعتمد في إنتاجها على استيراد المواد الداخلة في التصنيع بسبب ارتفاع تكلفة الشحن.
كما أشار سعد إلى أن من بين الشركات المتأثرة سلبا هي التي تشتري مواد تصنيع محلية ولكن أسعارها ارتفعت تأثرا بزيادة أسعار نظيرتها عالميا.
وقالت رضوى السويفي إن أبرز القطاعات المتضررة من الموجة التضخمية هي التي تنتج السلع غير الضرورية والترفيهية، وأيضا قطاع مواد البناء والأسمنت والبويات الذي يشهد في الأصل حالة من الضعف ويعاني من تداعيات ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج.
وأوضح أن هناك شركات مستفيدة من الموجة التضخمية وهي التي تبيع السلع التي ترتفع أسعارها، وعلى العكس فإن الشركات المستوردة لبعض السلع العالمية التي ارتفعت أسعارها ستتأثر بالسلب.
واتفقت منى بدير، كبيرة الاقتصاديين بشركة برايم لتداول الأوراق المالية، مع رضوى، حيث قالت إنه كلما كانت السلع التي تنتجها الشركات ترفيهية أكثر كلما صعب تمرير زيادة تكلفة الإنتاج للمستهلك النهائي وبالتالي ستتحمل هذه الشركات جزءا من هذه التكلفة وتتأثر ربحيتها سلبا.
القطاعات المستفيدة من التضخم
ذكرت منى بدير أن الشركات التي تستطيع تمرير الزيادات السعرية للمستهلكين هي التي تستطيع الاستفادة من ارتفاع معدلات التضخم وهي شركات غالبا ما تنتج سلعا ضرورية أو التي مرونتها السعرية منخفضة، فقطاع الأغذية أو قطاع إنتاج الأجهزة الإلكترونية المهمة ستكون مستفيدة لأن الطلب عليها لا يتأثر.
وأوضحت أن هناك قطاعات ستستفيد من عدم رفع أسعار الطاقة في مصر بنفس الوتيرة التي ارتفعت بها في الخارج مثل الصناعات الكيماوية والأسمدة المصدرة للخارج والتي تعتمد على الطاقة كمدخلات إنتاج، حيث يمكنها المنافسة في هذا القطاع وبالتالي ارتفاع أرباحها نتيجة للطلب الخارجي.
ووفقا لمنى بدير، من بين هذه القطاعات التي ستستفيد أيضا من هذه الموجة قطاع الحاصلات الزراعية تحديدا شركات الخضر والفاكهة التي تعمل في مجال التصدير، رغم الأسعار المتقلبة، ولكنها تعتبر سلعا أساسية ولابد أن يشتريها المستهلكون، إلى جانب زيادة حجم إنتاج مصر منها وبالتالي زيادة الكميات المتاحة للتصدير، وأيضا دخول مصر أسواقا جديدة في هذا القطاع.
وذكرت أن قطاع الاتصالات أيضا يشهد انتعاشة خلال الفترة الحالية، وهو من غير القطاعات المتأثرة بالموجة التضخمية، ولكنه ينمو بوتيرة سريعة خاصة من بعد جائحة كورونا، وله فرص كبيرة في مصر لأن له ميزة تنافسية في حجم الشركات الناشئة التي تعمل في مجال التكنولوجيا والتطبيقات الذكية والخدمات التكنولوجية وخدمات الاتصالات، إلى جانب انخفاض تكلفة العمالة، وتوفر العمالة الماهرة.
ورغم تأثر قطاع الإنشاءات والتعمير بارتفاع مدخلات الإنتاج، فإن منى بدير تتوقع أن يشهد القطاع انتعاشا ملحوظا خلال الفترة المقبلة في ظل وجود عدد من الشركات المهمة به مثل أوراسكوم والسويدي، إلى جانب الأخبار المتداولة عن نشاط مصر في برامج إعمار ليبيا والعراق، وأيضا تنافسية القطاع المصري مع القرب الجغرافي من هذه الدول.
وقالت رضوى السويفي إن أبرز القطاعات المستفيدة من الموجة التضخمية الحالية يتضمن قطاع العقارات والذي يشهد عادة إقبالا عند ارتفاع معدلات التضخم، إلى جانب قطاع التصدير مع الاستفادة من أزمة سلاسل الإنتاج العالمية والطلب على السلع.
وأضافت أن استفادة قطاع التصدير تظهر في حجم الصادرات الإجمالي خلال الفترة الأخيرة، وأيضا الطفرة التي شهدتها مبيعات بعض الشركات التي تعتمد على التصدير في جزء من مبيعاتها.
وارتفعت قيمة الصادرات المصرية خلال أول 9 أشهر من العام الجاري إلى 29.7 مليار دولار بنسبة 40%، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بحسب بيان الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يوم الأحد قبل الماضي.
فيديو قد يعجبك: