إعلان

مصر: الانتخابات القادمة سترسم المشهد السياسي لعدة عقود

09:16 م الخميس 17 نوفمبر 2011

القاهرة – (إذاعة هولندا) طوال عقود كان المشهد السياسي المصري يتسم بالعداء لكل ما هو جديد، ولكل من يجرؤ على تحدي سلطة الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة حسني مبارك. السؤال المطروح أمام الانتخابات القادمة هو: هل تستطيع الأحزاب السياسية أن تقضي على البنية التسلطية للنظام السابق، وأن تستبدلها بنظام سياسي ديمقراطي تنافسي؟ أم هل ستنجح النخبة العسكرية التي تدير البلاد مؤقتاً بالحفاظ على مؤسسات النظام السابق، متمثلة ببقايا الحزب الوطني الديمقراطي، والأجهزة الأمنية والمخابراتية، وبيروقراطية الدولة العتيدة. الإجابة على هذا السؤال ستظهرها نتائج الانتخابات القادمة، وما سيفعله كلا الفريقين لتوجيهها لصالحه. وتشير نتائج البحث الذي أجراه الفريق الأكاديمي لمشروع بوصلة الناخبين- مصر، الذي ترعاه إذاعة هولندا العالمية، أن الانتخابات القادمة، ستشكل المشهد السياسي المصري لعدة عقود مقبلة.

الناخب المصري لديه ما يختار

جوهر العملية الديمقراطية هو إتاحة الخيار للمواطنين بين برامج سياسية متعددة، وبهذا الخصوص فإن أمام المصريين هذه المرة بالفعل العديد من الخيارات. حين نمعن النظر في البرامج المعلنة للأحزاب، نرى بالفعل اختلافات كثيرة وجوهرية، في قضايا أساسية مثل الخطط الاقتصادية الاجتماعية التي يمكن أن ترسم صورة مصر المستقبلية. في مشروع بوصلة الناخب – مصر اخترنا ثلاثين موضوعاً أساسيا يمكن من خلالها تحديد ملامح كل حزب وما يميزه عن الأحزاب الأخرى. واعتمدنا في تحديد مواقف الأحزاب على الوثائق الرسمية الصادرة عن الأحزاب نفسها (برامج الأحزاب، البيانات الرسمية، الموقع الالكتروني الرسمي..الخ). ويمكن من خلال الرسم التالي تحديد موقع كل حزب داخل المربع السياسي، الذي يعتمد على خطين: اقتصاديا؛ اليسار مقابل اليمين، واجتماعيا- ثقافياً، المحافظ كمقابل الليبرالي.

ثلاثة تيارات

من خلال تحليلنا لمواقف الأحزاب السياسية المصرية، توصلنا إلى وجود ثلاثة تيارات أساسية، يضم كل واحد منها طيفاً متعدداً من الأحزاب المتقاربة فكرياً. نرى أولاً تيارا يضم ستة أحزاب تقترب بدرجة أو بأخرى من القطب الليبرالي، التيار الثاني يجمع ثلاثة أحزاب يسارية راديكالية، تتبنى مواقف أكثر اعتدالا على الصعيد الاجتماعي- الثقافي. التيار الثالث يضم ثلاثة أحزاب تميل بقوة باتجاه القطب المحافظ. من الواضح أن هناك انقساماً عميقاً في مصر، بين العلمانيين والإسلاميين، وقد يعتقد المرء للوهلة الأولى أن هذا هو الانقسام الوحيد، الذي سيحدد شكل الاصطفاف السياسي بين معسكرين. لكن التعمق في الأمر يظهر أن الاختلافات داخل كل معسكر، لا تقل حدة وأهمية. ''المعسكر'' العلماني أبعد ما يكون عن الاصطفاف في كتلة واحدة. فالاختلافات كبيرة بين اليسار الراديكالي، والأحزاب الأقرب إلى الوسط، أو يمين الوسط. وينطبق الأمر نفسه بشكل آخر، على ''المعسكر'' الإسلامي.

إسلاميون: يسار ويمين ووسط

يتمثل الاتجاه الإسلامي بثلاثة أحزاب رئيسية، تميل جميعها إلى القطب المحافظ، في القضايا الثقافية والاجتماعية الأخلاقية. وإذا كان وصف ''اليمين'' ينطبق على هذه الأحزاب في ما يخص مواقفها من الحريات العامة، والقيم الاجتماعية، فإن مواقفها الاقتصادية تعكس فروقاً ليست بالقليلة. يمكن، في المجال الاقتصادي اعتبار حزب الحرية والعدالة (الجناح السياسي للإخوان المسلمين)، حزباً إسلامياً وسطيا معتدلا، وحزب البناء والتنمية (الجناح السياسي للجماعة الإسلامية) إسلامياً يمينياً، وحزب النور، الذي يمثل السلفيين، أقرب إلى اليسار الإسلامي. من المهم التوضيح هنا أننا وضعنا حزب النور في أقصى اليسار، ليس بسبب مواقف السلفيين من إعادة توزيع الثروة، فمواقفهم بهذا الشأن شديدة الغموض والعمومية، بل بسبب موقفهم المؤيد بقوة للتنمية الموجهة مركزياً من قبل الدولة. في المقابل يمتلك حزب البناء والتنمية، موقفاً واضحاً في تأييد اقتصاد السوق والاستثمار الأهلي.

ليبراليون بألوان اقتصادية متعددة

تتشابه الأحزاب ''الليبرالية'' الستة في مواقفها من القضايا الاجتماعية والثقافية، لكنها تظهر فروقات كبيرة في رؤاها الاقتصادية. يمكن اعتبار ''حزب المصريين الأحرار''، الذي يقوده إمبراطور الإعلام والاتصالات نجيب سايروس، الحزب الأكثر يمينية في المجال الاقتصادي. يؤيد هذا الحزب دون تحفظ سياسات السوق الحرة، والاستثمار الأهلي. يؤيد الحزب أيضا بقوة الحريات الإعلامية والحريات العامة، مما يجعله في خانة ''اليمين الليبرالي''. هناك حزبان آخران يقتربان من موقع اليمين الليبرالي، وهما حزب العدل، وحزب الجبهة الديمقراطية، اللذان يؤيدان الاقتصاد الحر ويعارضان التنمية الموجهة من قبل الدولة. وتظهر هذه الأحزاب الثلاثة حيوية مجتمع الأعمال والاستثمار في مصر، وتمنحه مساحة مؤثرة في المشهد السياسي للبلاد. إلى جانب أحزاب اليمين الليبرالي الثلاثة، يمكن للمصريين أن يصوتوا لرؤية وسطية في المجال الاقتصادي. يتمثل هذا الاتجاه في حزب الوفد العريق، الذي قاد مصر في الفترة بين 1919 و 1952، قبل وصول العسكر إلى السلطة، وحزب الوسط، الذي انشق عن حركة الإخوان المسلمين. المواقف الليبرالية في المجال الاقتصادي لهذا الحزب قد تلقي ضوءا جديدا على أسباب خروجه من الحركة، التي يميل الحزب الذي يمثلها حاليا (الحرية والعدالة) إلى سياسات اقتصادية أقل ليبرالية.

يسار بوجوه متعددة

في حين لا نجد مواقف يمينية متطرفة في الطيف السياسي المصري، فإن الاتجاه اليساري يتراوح بين الاعتدال والراديكالية القصوى. يتمثل اليسار الراديكالي في ثلاثة أحزاب هي التحالف الشعبي الاشتراكي، حزب الكرامة، والناصريين. تتقارب مواقف هذه الأحزاب كثيراً سواء في المجال الاقتصادي أو في القضايا الاجتماعية- الدينية. تتبنى الأحزاب الثلاثة الايدولوجيا اليسارية التقليدية المتثملة بدور الدولة في التنمية، ودعم السلع الأساسية، وإعادة توزيع الثروة. يبدو الخيار صعباً أمام الناخب المصري ذي الميول اليسارية، فالاختيارات محصورة بين هذه الأحزاب الراديكالية الثلاثة، إلى جانب نموذج معتدل هو الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي يتبنى مواقف يسارية معتدلة في القضايا الاقتصادية والتنموية، مما يجعل من الصعب وضعه في خانة اليسار الراديكالي، دون أن تجعله قريباً من خانة يمين الوسط أيضاً. يمكن أن نخرج بخلاصة مفادها أن الناخب المصري يجد نفسه أمام خيارات واضحة، وإن كانت معقدة. خيارات تمثل طيفاً شديد التنوع، ويقدم، غالباً، رؤية متكاملة ومتسقة لمستقبل مصر، الذي سيتشكل إلى حد كبير من خلال نتائج الانتخابات القادمة التي ستكون مفصلية في تاريخ أكبر بلد عربي. ويأتي برنامج بوصلة الناخبين، الذي يشرف عليه أكاديموين من مصر وهولندا، وترعاه إذاعة هولندا العالمية وشركاؤها من مؤسسات إعلامية وازنة في مصر، ليقدم آلة تساعد الناخب في تحديد موقعه من الخارطة السياسية، واختيار الوجهة التي يريدها.

اقرأ ايضا:

عصمت السادات للقوي السياسية : ''ارحمو مصر''

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان