فقراء مصر.. ننتخب مين؟
يعزز مشهد الطوابير الطويلة من الناخبين أمام الكثير من المقار الانتخابية من التفاؤل حيال مستقبل الديمقراطية في مصر التي تشهد هذا الأسبوع الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية الأولى منذ الاطاحة بحكم الرئيس مبارك في فبراير الماضي.
لكن ذاك الشعور بالتفاؤل سرعان ما يتراجع بعض الشيء مع الاقتراب من الطوابير والدخول في حوار مع الناخبين الذي اضطر بعضهم للمشاركة تجنبا لدفع غرامة بحق المتخلفين بجانب حيرة البعض وعدم معرفته لأي حزب أو مرشح يجب أن يصوت.
أمام أحد اللجان الانتخابية في حي إمبابة بمحافظة الجيزة بدا لافتا للأنظار ضخامة صفوف انتظار السيدات مقارنة بطوابير الرجال وهو ما تفسره أحد السيدات المسنات بأن السيدات يملكن من الوقت أكثر مما يتاح للرجال.
السيدة العجوز ابتسمت عند سؤالها عن الأسباب التي دفعتها إلى المشاركة في الانتخابات للمرة الأولى لتشير إلى أن حي إمبابة الذي تسكن فيه منذ عشرات السنوات لا يصلح للحياة الأدمية وأنها ترغب في أن يأتي هذه المرة من يصلح الأمور حقا.
يبدو هذا الشعور بالسخط قاسما مشتركا يجمع أهالي إمبابة الذي يقترب عددهم من الميلون. فالحي يعاني من تدهور رهيب في الخدمات والبنية التحتية بجانب أنتشار الفقر المدقع والأمراض الاجتماعية المصاحبة له.
كل تلك السلبيات لم تمنع النشاطين السياسيين الإسلاميين من التواجد وبقوة أمام اللجان الانتخابية في إمبابة. فأمام كل لجنة تتواجد مجموعة من ناشطي حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، مجهزة بأجهزة كمبيوتر ليرشدوا الناخبين إلى اللجان الانتخابية التي يتبعوها. المنافسة الوحيدة التي واجهها نشطاء حزب الحرية والعدالة جاءت من أنصار فصيل إسلامي أخر هو حزب النور السلفي باللحى الطويلة المميزة لناشطيه.
هذا التواجد الإسلامي لا يثير دهشة المراقبين للأوضاع في مصر. فإمبابة مثلها مثل العديد من الأحياء والمحافظات المصرية أمست أحد معاقل التيارات والأحزاب الدينية الإسلامية، حيث أن الأخيرة قدمت لتلك المناطق الكثير من الخدمات على كافة الأصعدة في وقت بدت فيه الدولة غائبة تماما عن الساحة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن إمبابة كانت مسرحا لمواجهات بين حركات إسلامية متطرفة و الألاف من قوات الأمن في بداية التسعينات من القرن الماضي فيما عُرف إعلاميا بأحداث ''جمهورية إمبابة الإسلامية''.
التواجد الكبير للتيارات الإسلامية أمام اللجان الانتخابية في إمبابة لم يكن هو وحده العنصر الأبرز. فالاقتراب من طابور الناخبين يكشف أن إمبابة لا تعاني من الفقر والبطالة فقط بل تعاني من الخوف من بطش الحكومة بجانب تجاهل أغلب التيارات السياسية لها باستثناء الإسلامية.
أحد السيدات المسنات وقفت تلح في الطلب من ناشط حزب الحرية والعدالة أن يخبرها عن أي الأحزاب يجب أن تختار. السيدة المسنة جاءت للانتخابات للمرة الأولى في حياتها ''خوفا من الغرامة''. الخوف من الغرامة كان السبب وراء اقبال العديد من الناخبين على المشاركة. كان القانون المصري أيام حكم مبارك يعاقب كل من يتخلف عن الانتخابات بغرامة قدرها 100 جنيه (12 يورو) لكن العقوبة ظلت حبيسة كتب القانون ولم تطبق على الاطلاق خاصة مع الإقبال الضعيف على انتخابات كان من المعروف مسبقا نتيجتها. ومع الاطاحة بمبارك أعلن المشرع المصري ارتفاع قيمة الغرامة 5 أضعاف لتصل إلى 500 جنيه وبدأ الحديث يدور عن جدية الحكومة المصرية هذه المرة ونيتها تطبيق القانون وهو ما استبعده الكثير من الخبراء.
سيدة أخرى جاءت هي وأبنتها لتشارك في الانتخابات ليسا خوفا من الغرامة فقط بل لأنها أيضا تريد التغيير وتحسين أوضاعها هي واسرتها. السيدة كانت في حيرة وهي تتسأل '' ننتخب مين؟'' المرأة التي تعول أفراد اسرتها تشكو من أنها لا تعرف أي من الأحزاب والمرشحين يجب أن تمنحه صوتها، فهي تريد أي حزب أو مرشح يشعر بمشاكل الفقراء والسيدات اللاتي تعلن أسرهن مثلها، وهي ترفض انتخاب مرشحي النور لأنهم سيمنعونها من مشاهدة التليفزيون والخروج للعمل على حد قولها، أما الأخوان فهي لا تعرف عنهم الكثير ولكنها قد تعطيهم صوتها لأنهم يبدون أكثر اعتدالا. ما قالته السيدة يكاد يكون لسان حال الكثير من أهالي إمبابة وغيرها من أحياء مصر حيث لا يوجد غير التيارات الإسلامية مع غياب شبه تام للأحزاب والتيارات الأخري التي انشغلت بالساحة الإعلامية.
اقرأ أيضا:
إغلاق معظم صناديق الاقتراع في المرحلة الثانية للانتخابات البرلمانية
فيديو قد يعجبك: