أشهر شرشوحة في القاهرة تكشف لمصراوي أسرار مهنتها
تحقيق - أحمد الشريف:
"ده أكل عيشي.. وبكسب منه كويس جدا".. لم يقل لي هذه الكلمات شخص يعمل في مهنة عادية، ولكنها جاءت على لسان صاحبة مهنة من نوع خاص جدا، وهي مهنة "الشرشوحة".
قد يكون حدود معلومات الكثير منا حول هذه المهنة، هو ما شهدناه في فيلم "خالتي فرنسا" حيث جسدت الفنانتان "عبلة كامل" و"منى زكي" دور "الشرشوحة" وكواليس عملها.. ولكن على أرض الواقع هناك كواليس أخرى وطبيعة خاصة لهذة المهنة التي أوشكت على الانقراض.
ملامح حادة وصوت عالي
(مصراوي) التقى مع إحدى العاملات في مهنة "الشرشحة"، وهي سيدة تُدعى "رجاء" - في الأربعين من عمرها- تقيم بشقة متواضعة بمنطقة "السيدة عائشة" مع زوجها وأبنائهما الستة، جلست معي للحديث وسط ابنائها، ذات جسد مُمتليء وملامح تتسم بالحدة الشديدة، كما أن نبرة صوتها لا تعرف الهدوء، حتى في حوارها العادي.
لم تتردد "رجاء" في الحديث معي حول مهنتها - وإن تحفظت على تصويرها- ليس لأنها تعتبرها مهنة غير شريفة، بل تنظر إليها باعتبارها "جدعنة" و"فتونة" لمساعدة الناس في الحصول على حقوقهم، ومساندتهم لرفع الظلم عنهم.
تحرش وشتائم وفضائح
وحول طبيعة عملها كـ"شرشوحة" - وهي مهنة عادة ما تقتصر على النساء فقط - توضح "رجاء": هي عبارة عن القيام بفضيحة لأي شخص من خلال سبه بمختلف أنواع الشتائم أو اتهامه بالتحرش بها، وذلك يكون في مُحيط عمله أو وسط أهله وجيرانه، مقابل أجر تحصل عليه من الشخص الذي يستأجرها للقيام بـ"الشرشحة".
مهنة بالوراثة
وأوضحت أنها ورثت هذه المهنة عن والدتها، التي كانت أشهر "شرشوحة" بمنطقة السيدة عائشة ومصر القديمة، وكانت تلقب بـ "المعلمة"، ولكن شهرة "رجاء" فاقت شهرة والدتها، والسبب أنها أصبحت الوحيدة – تقريبا - التي تعمل في هذة المهنة حاليا على مستوى القاهرة الكبرى، ولا ينافسها سوى عدد قليل من السيدات في محافظات مختلفة.
والد "رجاء" أيضا كان أحد "فتوات" المنطقة - حسب وصفها- حيث كان يعمل على حماية تُجار الأسواق مقابل أجر شهري.
البداية في سن العاشرة
بدأت "رجاء" المهنة وهي في سن العاشرة من عمرها، عندما كانت تصطحبها والدتها في المهام المكلفة بها، وتتذكر انه أول مرة خرجت فيها للعمل كانت في انتخابات مجلس الشعب قبل 30 عام، حيث كانت الأم مُكلفة من قبل أحد المُرشحين بـ"الشرشحة" ضد مُنافسه، بعد أن أمدها ببعض المعلومات التي تسيء إليه، مثل علاقاته النسائية وتجارته في المخدرات.
وبالطبع لم تتأكد الأم من صحة هذة المعلومات، وبدأت في تنفيذ المطلوب منها، وكشف كل هذه المعلومات بـ"الشرشحة" في المؤتمرات الدعاية للمنافس وأمام اللجان الانتخابية.
ولم يكن لـ"رجاء" أي دور في هذه المهمة سوى مراقبة أمها، وتعلم طريقتها في العمل، وكذلك إنذارها في حالة حضور الشرطة حتى تستطيع الفرار، وتدريجيا شربت "رجاء" المهنة، بعدما اعتادت الخروج مع والدتها لـ"الشرشحة" خصوصا أن الأب والأم لم يفكرا في إلحاق ابنتهما الوحيدة "رجاء" بالمدرسة.
مجموعة عمل من 7 سيدات
حملت "رجاء" الشعلة بعد وفاة الأم، وشكلت ما يُشبه مجموعة عمل مكونة من 7 سيدات اختارتهن بعناية وبمواصفات خاصة لزوم العمل في هذة المهنة، فيجب أن تكون السيدة قوية البنيان، وصوتها عالي وجريئة، ولديها قدرة على تحمل أي مصاعب، وان تحصل على موافقة أبيها أو زوجها إذا كانت متزوجة على العمل "شرشوحة"، وضرورة أن تكون صحيفة "سوابقها" نظيفة، وألا تكون قد سُجنت من قبل.
واتخذت "رجاء" من مسكنها مقراً لعملها، ولم يعترض زوجها - الذي يعمل تاجر ملابس مستعملة- على هذا، بل يقوم بمساعدتها في عملها، خاصة في مواسم الانتخابات.
وهذا المقر يقصده كل من يريد "رجاء" في مُهمة عمل، وتقوم أيضا من خلاله بتدريب السيدات اللاتي يعملن معها على أساليب "الشرشحة" وتوزيع الأدوار عليهن.
"شرشحة" الجيران وزملاء العمل
يحضر إلى "رجاء" رجال ونساء من كافة أنحاء القاهرة وبعض محافظات الوجه البحري، ومطالبهم دائما ما تدور حول "شرشحة" جار أو زميل في العمل أو أحد الأقارب بسبب خلافات حول تقسيم ميراث أو إجبار شخص على تسديد دين من المال يُماطل في دفعه وكذلك مساعدة شخص ضعيف في أخذ ثأره من شخص أخر قام بضربه وذلك بفضحة و"شرشحته"، هذا علاوة على العمل مع المرشحين في انتخابات مجلسي الشعب أو الشورى.
بمجرد حضور الزبون، تفهم منه "رجاء" طبيعة المهمة، وتحصل على كافة المعلومات حول "الهدف"، وتحديد المكان الذي ستواجه فيه الشخص المُراد "شرشحته"، وما إذا كان الزبون يريد إن يظهر في الصورة أم لا، فإذا كان يريد ذلك فعليه الادعاء بأن "الشرشوحة" إحدى قريباته وأنها جاءت لمساندته، وغير ذلك فهي تقوم بإستفزاز "الضحية" بأي أسلوب حتى تشتبك معه وتبدأ وصلة "الشرشحة".
الأجر يصل إلى 5 آلاف جنيه
ويكون الاتفاق على الأجر حسب طبيعة المُهمة ومدى خطورتها وعدد السيدات اللاتي سيقمن بالمهمة وإن كان الزبون سيوفر لهن الحماية لو حدث لهن أي مكروه أو في حالة إلقاء القبض عليهن، و يبدأ الأجر من 200 جنيه وحتى 5 آلاف جنيه، وقالت "رجاء" أنها عادة ما تتأكد من معلومات الزبون وإن كان "مظلوم" أو صاحب حق فعلا.
صراع الانتخابات
ومن أبرز المواقف الصعبة التي واجهتها "رجاء" في عملها، كانت أثناء انتخابات مجلس الشعب عام 2010 حينما استأجرها أحد المُرشحين – رفضت ذكر اسمه- ودفع لها 3 آلاف جنيه لتستعين بثلاث سيدات معها لـ"شرشحة" المُرشح المنافس أمام لجنة الانتخابات، وأثناء قيامهن بعملهن تعرضت إحدى السيدات للضرب من أنصار المرشح المنافس، وعندما استغاثت بالمُرشح الذي استأجرها تبرأ منها ولم يعاونها في إسعاف السيدة التي أصيبت بعدة كسور، وتكفلت "رجاء" بنفقات علاجها التي تعدت الـ4 آلاف جنيه.
مأساة الموظف
أما الموقف الثاني الذي لم تقدر "رجاء" على نسيانه، عندما كانت مكلفة بـ"شرشحة" أحد الموظفين قبل حوالي 7سنوات بعدما أوهمها الزبون أن الموظف عليه دين من المال ولا يريد سداده، وتوجهت إلى مقر عمل الموظف وأثناء قيامها بعملها، سقط الموظف مغشيا عليه وكاد أن يموت لأنه مريض بالقلب، ولم يتحمل وصلة "الشرشحة".
سن الاعتزال
"رجاء" مقتنعة أن مهنتها لها عمر افتراضي، فهي ترى أن "الشرشوحة" عندما تصل إلى سن الخمسين يجب عليها الاعتزال، لأنها لن تكون قادرة على مواصلة عملها بكفاءة، وهي تري أن باعتزالها سوف تنتهي مهنة "الشرشحة" لأنها أوشكت على الانقراض فعلا، فلا يعمل في هذة المهنة حاليا أكثر من عشر سيدات على مستوى محافظات مصر كلها.
وقالت أن الانتخابات البرلمانية التي حدثت بعد ثورة 25 يناير شهدت ركودا بالنسبة لعمل "الشرشوحة" حيث لم يستعين بها أي مرشح لمساندته في الانتخابات.
ولا تتمنى "رجاء" أن يسلك احد من أبنائها نفس طريق عملها، بسبب خطورته - رغم أنهم لا يستنكرون طبيعة مهنة أمهم - وتحرص على إلحاقهم بالمدارس وتتمنى أن تراهم في وظائف مرموقة ويكون منهم الدكتور والمهندس والضابط.
اقرأ أيضا:
الحرية والعدالة والنور والكتلة والوفد يتقاسمون مقاعد القوائم بأسوان
فيديو قد يعجبك: