''لا لن أمارس الجودو لأنها لعبة عنيفة''.. هكذا تحدث أيمن الظواهري ''2)
كتب - حازم دياب:
لماذا كانت بداية الكاتب عن تنظيم القاعدة من خلال سيد قطب، كما أسلفنا في الحلقة الماضية، ربما حين تطالع الفصل الثاني من الكتاب، تدرك أنها كانت بداية موفقة، إذ أن صاحب كتاب ''البروج المشيدة'' لورانس رايت، يقتنع أن التنظيم يُولد من فكرة، وأن نقطة التحول في حياة الأشخاص، قد تصنع اعتناق، وهذا ما حدث، حيث شكلت أفكار سيد قطب التي تحدثنا عنها في الحلقة الماضية، وبداية موجة التكفير، أثرّت على عقول كثير من الشباب المتحمس، الراغب في الدفاع عن لواء الدين، كما يتخيل، وشاب صغير، يسكن في ضاحية المعادي، في الجانب الأفقر من ذلك الحي الراقي، تأثر بتلك الأفكار كثيراً، رغم أنه أثناء دراسته في الابتدائية، كان يرفض بشكل قاطع أن يشارك في لعبة الجودو، حيث يرى أن بها من العنف ما يجعل نفسه تعفها، هذا الطالب الصغير، سيصير فيما بعد ''الرجل الثاني'' كما يحمل عنوان الفصل الذي يتحدث عن طبيب مصري يُدعى أيمن الظواهري.
نشأ أيمن لعائلة مرموقة، فجده من ناحية الأب الشيخ محمد الأحمدي الظواهري، شغل منصب شيخ الأزهر، وجده عبد الوهاب عزام من ناحية الأم، شغل منصب أول أمين عام لجامعة الدول العربية، وفي نعي نشر عام 1995 لعائلة الظواهري بجريدة الأهرام، ذُكر فيه 46 عضواً من العائلة بينهم 31 فرداً ما بين طبيب وصيدلي وأستاذ بالجامعة.
يصفه خاله محفوظ عزام قائلاً: ''عندما كان يضحك، كان جسده يرتج من شدة الضحك''. ذلك الخال، كان تلميذا لسيد قطب مُعلم اللغة العربية، قبل أن يصبحا أصدقاء، ويكون خال الظواهري هو محامي قطب الخاص، ورفيقه في اللحظات الأخيرة، للحد الذي دفع قطب لأن يمنحه مصحفه الخاص الذي كتبه بخط يده قبل الإعدام، ويوثق له توكيلاً يتيح له التصرف في ممتلكاته.
وعقب صلاة فجر، في عام 1954، كان الأخوين أيمن ومحمد الظواهري، عائدين من صلاة الفجر بمسجد حسين صدقي، الذي حمل اسم الفنان المعتزل لأسباب دينية، وفي طريقهم، وقفت لهما سيارة تعرض أن تقلهما، فنظر أيمن فوجد حسين الشافعي هو صاحب السيارة، وكان أحد القضاة الذين شاركوا في الحكم على الإسلاميين المعتقلين وقتذاك، فما كان من أيمن إلا أن أجابه: ''إننا لا نريد أن يقلنا الرجل الذي شارك في المحاكمة التي قتلت المسلمين'' ويقيس الكاتب الذي نال أرفع الجوائز عن كتابه، نظراً لما فيه من تمحيص وتدقيق لكل حادثة، على تلك الواقعة، الأثر البالغ الذي تشكل في وجدان الفتى أيمن، من جراء محادثاته المتكررة من خاله، والتي استقى فيها كيف كان التعذيب يقع عليهم شديداً في سجون عبد الناصر، وهنا بعد التعاطف مع الأفكار، التي ستتحول إلى اعتناق وتطبيق بعد ذلك.
وكتب أيمن الظواهري بعد ذلك: ''ظن النظام الناصري أن الحركة الإسلامية قد تلقت ضربة قاضية بإعدام سيد قطب ورفاقه، ولكن الهدوء الظاهري على السطح كان يخفي تحته تفاعلاً فواراً مع أفكار سيد قطب وبداية تشكل نواة الحركة الجهادية الإسلامية المعاصرة في مصر''. وبالفعل، في العام نفسه الذي أعدم فيه سيد قطب، ساعد أيمن الظواهري في تشكيل خلية سرية للإطاحة بالحكومة وتأسيس دولة إسلامية، وهو لا يزال في الخامسة عشرة من عمره، وقال عنها أنها كانت مجموعات من طلبة الثانوي، تتألف كل مجموعة من خمسة طلاب، يتقابلون في المساجد وفي بيوت بعضهم البعض، للشد من الأزر، وتشكيل نواة تستطيع أن تقلب الحكم الذي يحارب الإسلام، على حد رؤيتهم حينها.
وكانت نكسة 1967، لها بالغ الأثر في آراء الظواهري ورفاقه، فقد كان يرى أن الله نصر إسرائيل، لبعد النظام عن الإسلام، ولعدم تطبيق الدولة القوانين الإسلامية، لذا بدأت الأصوات ترتفع بإعادة الخلافة الإسلامية التي تحقق الانتصار والعزة، مذكرين بنصر النبي محمد على يهود خيبر، وترديد هتافات في ذلك الصدد، وكتب الظواهري مبشراً بالخلافة يقول: ''وحينئذ سيدور التاريخ، إن شاء الله، دورة جديدة في الاتجاه المعاكس ضد إمبراطورية أمريكا وحكومة اليهود العالمية''.
ويرى الكاتب لورانس رايت، أن وجود الرئيس السادات في سدة الحكم، وإطلاق ألقاب كـ''الرئيس المؤمن'' على نفسه، وإخراج طلاب وشباب التيارات الإسلامية لمواجهة الشيوعيين والناصريين، كان له بالغ الأثر في إزكاء أفكار سيد قطب التي أفضت لتطرف كبير فيما بعد، وفي عام 1974، نمت خلية أيمن الظواهري لتصل إلى أربعين عضواً، وكان الظواهري في ذلك الوقت شاباً طويل القامة تحيف الجسد يرتدي نظارة سوداء كبيرة ويحيط بفمه المستقيم شارب، وأصبح أكثر نحافة، يرتدي الثياب الغربية، وكان تورطه في السياسة أمر لا يعرفه حتى عائلته. وكان هناك صحفي أمريكي مسلم يدعى عبد الله شيلفر، سأل الخال محفوظ عزام رفيقاً في القاهرة، فكان أيمن، الذي حدثه بفخر عن اللحى التي سرت في الجامعات، وعن الحجاب الذي غطى شعور الفتيات (والدة أيمن لم تكن محجبة) هنا أدرك شيفر مدير مكتب ''إن بي سي'' نيوز الأمريكية، إن السادات قد اخطأ كثيراً بما منحه من حريات للإسلامين.
تزوج أيمن من فتاة منقبة تدعى عزة نوير، وكان حفل الزفاف بلا اختلاط، وبلا أية موسيقى أو صور فوتوغرافية. كتب الظواهري في كتابه ''فرسان تحت راية النبي'' الذي يعد بمثابة سيرته الذاتية، أنه صلته بأفغانستان، جاءت قدرية عام 1980، حيث كان يعمل في مستوصف تابع للإخوان المسلمين، وقد سأله مدير المستوصف عما إن كان راغباً في السفر إلى باكستان، لعلاج الأف الفارين من جحيم الحرب الروسية داخل الأراضي الأفغانية، وفكر وقتها أن أحلامه بتكوين جيش إسلامي في مصر ربما تبدو مستحيلة، لكن في أفغانستان، ربما تقل الاستحالة قليلاً.
وبعد أن قضى الظواهري عدة شهور هناك، عاد ليحكي عن حرب المعجزات كما وصفها، وكيف يبلي المجاهدين بلاءً حسناً في مواجهة السوفيت، وعرض عليه صديق خاله عبد الله شيلفر أن يتم تدريب ثلاثة من المجاهدين الأفغان لكي يصوروا الحرب وينقلون ما يحدث للعالم، فراوغه أيمن قائلاً: ''إن الأمريكيين هم العدو الذي يجب أن نواجهه ''. فأجابه شيلفر: ''أنا لا أفهم، لقد عدت لتوك من أفغانستان حيث تتعاونون مع الأمريكيين، وتقول لي إن أمريكا هي العدو؟''. فأجابه الظواهري: ''بالطبع، إننا نقبل المساعدات الأمريكية لمقاتلة الروس ولكنهم لا يقلون شراً عنهم''. فقال شيلفر وقد اشتعل غضبه: ''كيف يمكنك أن تعقد مثل هذه المقارنة، يمكنك في أمريكا ممارسة الإسلام بحرية أكثر مما يمكنك في مصر، أما في الاتحاد السوفيتي فقد أغلقوا خمسين ألف مسجد''. فرد عليه الظواهري: ''إنك لا ترى الفارق لأنك أمريكي''. هنا أحس شيلفر، بأن الشاب الذي اصطحبه داخل الجامعة، بدأت أفكار التطرف والرغبة في الجهاد تتملكه تماماً.
وكان السادات الذي أطلق على نفسه الرئيس المؤمن، قد حدثت له تحولات عديدة، حيث سخر من النقاب ووصف أصحابهن بالخيمة، وعقد اتفاق السلام مع إسرائيل، وسنت زوجته جيهان قانوناً يبيح للمرأة الطلاق من الرجل، الأمر الذي رأى فيه أيمن ورفاقه، خروجاً صريحا عن قواعد الإسلام، ولما كان الخروج على الحاكم حرام شرعاً، فقد كان إلحاقه بالردة عن الإسلام، رخصة لقتله. في هذه الأثناء.
كان الظواهري لا يرغب ولا يتفق مع قتل السادات، بل كان يريد محو النظام بالكامل، وإرساء نظام إسلامي نقي، وحاول تزكية خليته بعدد من ضباط الجيش، حيث تعرف على أحد أبطال حرب أكتوبر، وهو ضابط برتبة مقدم في المخابرات الحربية ويدعى عبود الزمر، ومعهم رائد في سلاح المدرعات اسمه عصام القمري، وكانت الخطة تكمن في السيطرة على مباني الدولة الرسمية، وإعلان ''الثورة الإسلامية'' من مبنى الإذاعة والتلفزيون، فقد كانت الثورة الإسلامية في إيران تبعث فيهم روحاً جديدة، رغم اختلاف المذاهب، وكتب الظواهري عن تلك الخطة بعد ذلك يقول إنها ''كانت فنية مفصلة''. لكن ملمحاً جديداً في شخصية الظواهري قد بدأت في الطفو على السطح، ففي جلسة جمعته مع الرائد عصام القمري، أخبره القمري: '' إذا كنت عضواً في أية جماعة فأنت لا تصلح أن تكون القائد''.
قبض على الظواهري بعد اغتيال السادات في حملة موسعة، قبل أن تنفذ خليته اقتراحاً بالهجوم على جنازة السادات بما فيها من شخصيات كبيرة، وفي قسم المعادي، صفع الضابط أيمن، فرد له الأخير الصفعة، واشتهر بالرجل الذي رد الصفعة للضابط، لكن ابن خاله عمر عزام، اندهش، لأن العنف لم يكن ظهر بعد عليه بين العائلة. وكان السجن مهولاً في ذلك الوقت، فقد دفع التعذيب وأصوات الصراخ المنبعثة من داخل السجن بعض الأفراد للجنون، وقال منتصر الزيات الذي سجن مع الظواهري وأصبح محاميه فيما بعد: ''إن التجارب الأليمة التي مر بها الظواهري في السجن حولته من شخص متوسط النفوذ في جماعة الجهاد إلى متطرف صلب وعنيد''. ويقول الظواهري عن ذلك في كتابه: ''وأشد ما في الأسر هو إرغام المجاهد تحت وطأة التعذيب على الاعتراف على إخوانه، وإكراهه على تدمير حركته بيده، وأن يقدم بنفسه أسراره وأسرار إخوانه إلى أعدائه''. وأثبت الطب الشرعي صحة ادعاءات أيمن، الذي قال إنهم حلقوا له رأسه وكانوا يعلق على أحرف الأبواب، ويصعق بالسلوك الكهربائية، وتُطلق عليه الكلاب الشرسة، وقال عن ذلك: ''لن ننسى ما فًعل بنا. لقد هُزمنا ومن ثم ضعنا. إن الموت كان أرحم من العذاب''.
عقب خروج أيمن من السجن عام 1984، لم يكن نفس الشخص الذي دخل، وزاول الطب لفترة في عيادته بالمعادي، قبل أن يقرر السفر، ويحصل على تأشيرة سياحية إلى تونس، وفي المطار، قابل صديقه القديم عبد الله شيلفر، الذي سأله: ''إلى أين أنت ذاهب؟''. فقال له الظواهري بسعادة: ''إلى السعودية''. وتعانق الصديقان القديمان، وحذره شيلفر قائلاً: ''ابتعد عن السياسة يا أيمن''. فأجابه الظواهري: ''سأفعل، سأفعل''.
في الحلقة القادمة، كيف نشأ بن لادن في إمبراطورية اقتصادية سعودية لأب يمني وأم سورية.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: