دعوات التهدئة تطارد شبح ''الحرب الأهلية'' في مصر قبل 30 يونيو
القاهرة- الأناضول:
قبل ساعات قليلة على انطلاق ماراثون مظاهرات 30 يونيو ، غدا الأحد، في ميادين مصر، يتخوف المصريون بكافة أطيافهم من شبح ''الحرب الأهلية'' أو ''حرب الشوارع'' بين مؤيدي الرئيس محمد مرسي، وبين معارضيه؛ حيث يستعد كلا منهما لمظاهرات حاشدة مناهضة للطرف الآخر.
فيما تسعى جهات سياسية ودينية إلى كبح جماح هذه المخاوف وإفشال هذا السيناريو، من خلال دعوتها للمتخاصمين للحوار ونبذ العنف وتوحيد الصف ''قبل ألا ينفع الندم''.
تلك المخاوف تعززت بحوادث مستجدة على المجتمع المصري، ولم تشهدها ثورة 25 يناير في أوج عنفوانها، ومنها استهداف بعض المواطنين بالقتل لمجرد الاختلاف الديني والمذهبي ووقوع انفجار، هذا بخلاف سقوط قتلى في مواجهة المصريين، من الفريقين، بعضهما البعض في الشوارع.
فقد شهدت محافظة بوسعيد الاستراتيجية، عند المدخل الشمالي لمجرى قناة السويس الملاحي العالمي، شمال شرق مصر، مساء أمس، سقوط قتيل في انفجار نجم عن إلقاء جسم غريب وسط متظاهرين معارضين لمرسي.
ولا تعد التفجيرات من أدوات الخصومة السياسية المعتادة في مصر.
وسبق ذلك بأيام معدودة، مقتل 4 مصريين من أتباع المذهب الشيعي في إحدى قرى محافظة الجيزة، جنوب غرب القاهرة؛ على يد بعض السكان؛ احتجاجا على ما وصفه الطرف الأخير بنشر المذهب الشيعي في القرية.
ووقعت اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين للرئيس محمد مرسي في عدة محافظات منذ الأحد الماضي، أسفرت عن مقتل 9 أشخاص وإصابة المئات، بحسب بيانات رسمية.
وسبق ذلك مقتل وإصابة آخرين في اشتباكات متفرقة دارت منذ نوفمبر الماضي بين مؤيدين ومعارضين عقب احتجاجات عارمة على إصدار الرئيس إعلانا دستوريا حصَّن فيه قراراته قبل صدور الدستور وبعض المؤسسات من الطعن أو الحل أمام القضاء.
أما قبل ذلك التاريخ فكان القتلى والجرحى منذ اندلاع الثورة لا يقعون إلا في اشتباكات طرفاها متظاهرون وقوات الأمن أو متظاهرون ومجهولون، اصطلح عليهم بعض الساسة اسم ''الطرف الثالث''؛ كون التحقيقات لم تسفر عن هوية الجناة في كافة الحوادث التي وقعت.
وبات مشهد حمل المتظاهرين للسلاح في بعض الاحتجاجات معتادا، وسط تقارير إعلامية عن نشاط واسع في تهريب السلاح عبر الحدود في الأشهر الأخيرة، وإعلان الشرطة بالفعل عن ضبط شحنات مهربة بين الحين والآخر.
وتدعو قوى مصرية معارضة، بينها حملة ''تمرد''، إلى مظاهرات يوم 30 يونيو/حزيران الجاري، بالتزامن مع الذكرى الأولى لتولي محمد مرسي منصبه؛ للمطالبة بسحب الثقة منه، والدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة؛ بدعوى فشله في إدارة شؤون البلاد.
وفي المقابل، تدعو قوى إسلامية إلى التظاهر في اليوم ذاته؛ تأييدًا لمرسي، الذي فاز في أول انتخابات رئاسية شهدتها مصر عقب ثورة 25 يناير 2011، التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك، منهية نحو 30 عامًا من حكمه.
ورغم تأكيد كلا من المؤيدين والمعارضين هذه الأيام على سلمية مظاهراتهم ونبذهم للعنف، إلا أن بعض قادتهم يشعلون الأجواء عبر تصريحات وتهديدات تتحدث عن إمكانية اللجوء للعنف والتضحية بالدماء في حالة ''الدفاع عن النفس''، أو عن ''شرعية'' الرئيس مرسي في حال تهديدها.
وفي هذه الأجواء لا يستبعد الخبير السياسي، طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية، أن تنزلق الأمور في الساحة المصرية إلى ''حرب أهلية''.
ويستند فهمي، في تصريحات لمراسلة ''الأناضول'' على أن الأمور- في رأيه- وصلت إلى ''حافة الهاوية''، لا سيما وأن مؤيدي الرئيس يحاولون ''التفرد بالمشهد السياسي بمعزل عن الجهات الأخرى''، فيما ''تصارع'' القوى المعارضة، وخاصة حملة ''تمرد'' على رحيل الرئيس.
ويزيد قائلاً: ''نحن أمام خيارين: إما الفوضى المباشرة، وإما حالة الاحتقان الشعبي الجماهيري، لاسيما وأن الحشود نحو 30 يونيو/ حزيران تنذر بمواجهات بين المعسكرين في الميادين التي لا تبعد عن بعضها البعض كثيرا، فضلاً عن امتلاك كل طرف لأوراق ضغط قوية ومقومات للمواجهة''.
وفي مقابل التصريحات الساخنة لبعض المؤيدين والمعارضين تظهر مساع أخرى لكبح جماح الاحتقان الشعبي وإفشال سيناريو الحرب الأهلية، عبر دعوات من القوى السياسية والمساجد والمؤسسات الدينية للتروي والتهدئة والبعد عن العنف.
فقد أصدر شيخ الأزهر، أحمد الطيب، بيانا صباح اليوم، أدان فيه أعمال العنف، ودعا جميع القوى السياسي إلى حوار عاجل ''لإنقاذ مصر''.
وفي وقت سابق، قال الأزهر على لسان حسن الشافعى، كبير مستشاري شيخ الأزهر إنه ''يجب اليقظة حتى لا ننزلق إلى حرب أهلية لا تفرق بين موالاة ومعارضة، ولا ينفعنا الندم حين ذلك''.
وقالت دار الإفتاء ''إن حمل السلاح في التظاهرات السلمية أيًا كان نوعه حرام شرعًا، ويوقع حامله في إثم عظيم''.
ونادت خطب الجمعة أمس في المساجد الشعب بكافة أطيافه إلى وحدة الصف ونبذ العنف.
ففي جامع الأزهر، دعا الشيخ محمد مختار المهدي المصريين إلى عدم إقحام الإسلام في الفتن السياسية والمحن التي تمر بها مصر، محذرا من سفك الدماء لأي سبب من الأسباب.
ومن مسجد رابعة العدوية، شرقي القاهرة، حيث يحتشد في محيطه الآلاف من مؤيدي الرئيس، دعا الشيخ محمد الصغير إلى لم الشمل، معتبرا أن وحدة الصف هي الحل لإخراج مصر من أزمتها.
والخوف من الفتنة المختبئة وراء أحداث مصر، تطرق إليها أيضاً مظهر شاهين، خطيب مسجد عمر مكرم بميدان التحرير وسط القاهرة، في خطبته عندما قال إن ''مصر تعيش الآن فترة من أصعب فترات تاريخها من التشرذم، وحذر من أن ''ما يحدث يهدد وحدة الصف وسيؤدي إلى حرب أهلية''.
وطالب البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، المصريين جميعا بالتزام السلمية في التعبير عن آرائهم السياسية، والصلاة من أجل مصر.
ودعا البابا تواضروس الثاني، بابا الكنيسة الأرثوذكسية ''الجميع إلى الصلاة من أجل مصر، والتفكير والتحاور معا، والتعبير عما في قلوبهم تجاه الوطن لكن بلا عنف، بلا اعتداء، وبلا دم''.
وتعهد رشاد بيومي، النائب الأول لمرشد جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس مرسي، في تصريحات لـمراسلة ''الأناضول'' بعدم مواجهة العنف بالعنف خلال مظاهرات 30 يونيو ، داعيا الحكومة لأداء مهمتها في الحيلولة دون وقوع اشتباكات.
وأدانت قوى معارضة، منها محمد البرادعي، رئيس حزب الدستور والقيادي في جبهة الإنقاذ الوطني، استخدام العنف بكل أشكاله وصوره، فيما اعتبر حمدين صباحي، مؤسس حركة ''التيار الشعبي'' والقيادي بالجبهة أن العنف ''عدو للشعب وللثورة''.
من جانبه، دعا القيادي في جبهة الإنقاذ، عمرو موسى، الرئيس محمد مرسي وحكومته، إلى ''مراعاة مصالح مصر والمصريين في تجنب إثارة التعقيدات التي قد تؤدي إلى صدامات بين أبناء الشعب المصري''.
وقال محمود بدر، القيادي بحملة ''تمرد'' صاحبة فكرة سحب الثقة من مرسي والدعوة لمظاهرات 30 يونيو ، ردا على اتهامات له بأن الحملة تسعى لحرب أهلية: ''إن ما يؤدي بنا إلى حرب أهلية هو الاستمرار في نفس السياسات والضغوط على الشعب، مثل غياب الأمن وارتفاع الأسعار، وليس المظاهرات السلمية''.
فيديو قد يعجبك: