إعلان

ننشر كلمة وزير الخارجية في منتدى حوار المنامة

09:47 ص السبت 06 ديسمبر 2014

وزير الخارجية سامح شكري

كتب- سامي مجدي:

شارك وزير الخارجية سامح شكري، في الدورة العاشرة لحوار المنامة، والذي بدأj جلساته صباح السبت، حيث يتناول الحوار العديد من القضايا الإقليمية والدولية مثل القضية الفلسطينية والبرنامج النووي الإيراني والأزمة السورية ومختلف قضايا الشرق الأوسط ، وذلك بمشاركة العديد من الوزراء من مختلف دول العالم.

ويجرى الوزير سامح شكري على هامش مشاركته في الحوار عددا من اللقاءات الثنائية، حيث يلتقي مع وزير خارجية البحرين خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، وعدد من وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي.

والقى وزير الخارجية كلمة في منتدى حوار المنامة، جاء نصها كتالي...

الدكتور جون تشيبمان مدير المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية،

أصحاب السمو والمعالي والسعادة،

السيدات والسادة،

اسمحوا لي في البداية، أن أتوجهَ بالتحيةِ والتقديرِ لمملكةِ البحرين الشقيقة لاستضافةِ هذا المنتدى الهام الذي استطاعَ عبرَ الأعوامِ العشرةِ الماضية منذُ إنشائهِ أنْ يحتلَ مكانةً متميزةً بينَ المحافلِ المُناظرةِ إقليمياً ودولياً، وهو ما يبدو جلياً مِن المستوى الرفيعِ للمشاركينَ مِن مُختلفِ الانتماءات.

إنما لابدَ مِن التأكيدِ أيضاً على أنَ ذلكَ التميزَ لَمْ يَكُنْ لِيتحققَ دونَ رعايةٍ واعيةٍ من قادةِ البحرين وتعاون مسئوليها وتفاعلهم مع الجهدِ الفائقِ الذى يَبذُلُه المعهدُ الدولي للدراسات الإستراتيجية لتنظيمِ هذا الحدث، ولصياغةِ محاورَ نقاشِه بحيثُ تتجاوبُ معَ قضايا الإقليمِ وتربِطُها بالتطوراتِ مِن حولِه.

إنَ مواكبةَ هذا المنتدى للتحولاتِ التى شهدَتها المنطقةُ والعالمُ عبرَ العقدِ الماضى لابد أنها تشكلُ رصيداً هاماً لنا جميعاً فى معالجتِنا لقضاياه وللتحدياتِ التى يواجهُها، وأتطلعُ شخصياً لمـا سوفَ يضيفُه حوارُنا اليوم حولَ الأولويات الإستراتيجية فى الشرق الأوسط إلى ذلك الرصيد، بما يعززُ قدراتِنا على صياغةِ رؤىً طموحةٍ وعمليةٍ من أجلِ تعاملٍ أمثلْ مع الواقعِ ولبناءِ مستقبلٍ أفضل.

السيدات والسادة،

إنَ الحديثَ عن المنطقةِ العربية، وعن الشرقِ الأوسط، يستدعى أيضاً استعراض أبرز ملامح السياق العالمى الأوسع، لاسيما فى ظل التوقعات بل والتنبؤات التى تعددت بشأن النظام العالمى الذى سيتشكل عقب انتهاءِ عهد القطبية الثنائية. فى حين أننا جميعاً لمَسنا ومازلنا نلمسُ شواهدَ عديدةً على عدم استقرارِ أىٍ من النظريـات التى سَعَت لوضع إطارٍ منطقى للنظامِ الدولى الجديد. ورغم ذلك، وإذا كان هناك ما يمكنُ التنبؤُ به بقدرٍ كبيرٍ من اليقينِ فى هذا الصدد، فهو ببساطة أننا لن نرى قريباً نظاماً يُشبِه ما كان سائداً فى القرن الماضى، ليس من حيث الاستقطاب فحسب، بل وأيضاً فيما يتعلق بالدور الرئيسى الذى كانت تلعبه الأيديولوجيات، على اختلافها، فى أوقات الحروب والسلام على حد سواء.

فضلاً عن ذلك، أثبتت العقودُ التى تلت نهاية الحربِ الباردة وجود حدودٍ ذاتية لاستخدامِ القوة العسكرية، أو القوة الخشنة وحدها، لتأمين المصالح وتحقيق الأهداف، لاسيما بعدما انتهت حقبة التكتلات الجامدة، أو القائمة على المواجهة العقائدية بين الغرب والشرق، الأمر الذى من شأنه الإسهام فى تخفيض حدة التوتر الناجم عن المخاوف من نشوب حروبٍ واسعةِ النطاق على نمط الحروب العالمية السابقة وإضافة أولويات جديدة لإستراتيجيات الدول والأطراف الفاعلة. وفى المقابل، باتت معاييرٌ أخرى، مثل الديمقراطية والاعتمادِ المتبادل ومستوى النمو والقدرة على الابتكار، تحتلُ مكاناً متقدماً وتؤثر بشكلٍ واضح، ولو بدرجاتٍ متفاوتة، على قدرة أى دولة أو كيان أو لاعب على تحقيق مستوى أفضل من الاندماج على المستوى الدولى ضمن علاقات أكثر ندية.

وبالتوازى مع تلك التحولات والملامح وتداعياتِها على الشرقِ الأوسط، تموج المنطقة بتغيرات يدورُ الجدلُ اليومَ حول مدى تأثيرها على الترتيبات السياسية والإقليمية التى فُرضت على المنطقة عقب الحرب العالمية الأولى أو على الأقل حول إمكانيةِ استمرارها؛ خاصةً فى ظل تعدد الضغوط والتحديات وتنوعها، وظهور تهديدات نابعة من المنطقة مثل النزاعات الطائفية والعرقية والإرهاب المتخفي بالدين.

كما أن عدم وجود رؤيةٍ واضحة ومتكاملة لدى القوى الخارجية حول كيفية التعامل مع تلك القضايا ومع دول وشعوب المنطقة، التى أضحت بدورها أكثر وعياً وإدراكاً فى تفاعلاتها مع القوى الخارجية، يُضفى قدراً لا يُستهانُ به من الريبة والشكوك المتبادلة، ويضاعف من صعوبة استخلاص تصور عام حول المخرجات النهائية للتحولات الجارية فى المنطقة والتحديات التى تفرضها والأولويات التى يتعين تبنيها فى مواجهتِها.

السيدات والسادة،

إن مراجعةَ عناصرِ البيئة الخارجية والتحدياتِ السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية في المنطقة تشير إلى عددٍ من مصادر التهديد وربما الفرص فى آنٍ واحد، وهى مراجعةٌ يمكن إيجازُ أهمِها فى النقاط التالية:

- انخفاضُ معدلات التنمية، لاسيما بمفهومها الشامل، في غالبية دول العالم العربي وفى ذات الوقت ارتفاعُ نسبِ نمو سكانِها الذين يتكون غالبيتهم من الشباب المتطلع إلى الحصول على مستويات أفضل من التعليم والخدمات الصحية والوظائف.

- تعاظمُ الضغوط التى تواجهها فكرة الدولة القومية والهوية الوطنية الجامعة فى بعض الحالات نتيجة محاولات الإيحاء بأن قصور الحكومات لا يتعلق بعوامل سياسية أو اقتصادية وإنما بفشلِ فكرة الدولة القومية ذاتها.

- استغلال مرحلة التحول الاجتماعى التى تمر بها المنطقة من جانب الجماعات التي تدعو إلي الفكر المتطرف والتكفيري في أرجاء المنطقة بل والعالم، وارتباط ذلك بانتشار تنظيمات إرهابية في المنطقة وتخومها.

- بروزُ الصراعات المذهبية والعرقية التي تفشت وباتت تهددُ الاستقرار الداخلي لعدد من دول المنطقة، والتي ساهمت في إزكائها تدخلات بعض القوي الدولية والإقليمية.

- ارتباطُ ما تقدم بصعود واضح لدور فاعلين غير حكوميين يسعون لإضعافِ بل وتفتيتِ الدولة القومية لصالح روابطَ عابرةٍ للحدود تستندُ للدينِ أو المذهبِ أو العرق، مع تنامى التدخلات الخارجية المباشرة فى الشئون الداخلية لدول المنطقة على نحو يؤثر على أمنِها ومصالِحها.

- غموضُ مستقبل عملية السلام من حيث فرص نجاحِها أو تكرار الإحباط والفشل مع استمرار تقويض الأساس الجغرافى للتسوية وفقاً لصيغةِ الدولتين ومن ثم مستقبل فكرة المفاوضات ككلٍ فى غياب عوائِد السلام التى من شأنِها تأكيدُ شرعيته كخيار استراتيجى.

- التهديدُ الذى يمثله استمرار الخلاف حول برنامج إيران النووى والمعضلة التى يطرحُها ما بين مخاوف الانتشار وحق الدول أعضاء معاهدة منع الانتشار فى الاستخدام السلمى للطاقة النووية، مع تعثرِ جهودِ إخلاءِ منطقة الشرق الأوسط من كافةِ أسلحة الدمار الشامل.

من هذا المنطلق فإن التحدياتِ والتطورات السابقة تستدعى من دول المنطقة فى الأساس سواءً على المستوى الوطنى أو الإقليمى، وبالتعاون مع شركائها الدوليين، التوصلَ لرؤيةٍ متسقة على ضوء الأولويات التالية:

- دعمُ دورِ الدولةِ المدنيةِ الحديثة وتعظيم استخدام الموارد الاقتصادية لزيادة القدرات في مواجهةِ التهديدات وبناءِ هياكلَ عصريةٍ للتكامل الاقتصادي بين الدول العربية، وللتعاونِ بينَها وبينَ باقى دول الإقليم على أسسٍ أهمُها تبادلُ المصالح وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول.

- تحقيق التنمية المستدامة فى المنطقة استناداً إلي مفهوم الأمن الشامل وليس فقط لبعديه الأمني والعسكرى، مع معالجةِ الإختلالات الاقتصادية الاجتماعية والتنموية لأن استمرارَها سيكونُ هو التحدي الأكبر للأمن فى المنطقة، بيد أن معالجة هذه الإختلالات البنيوية لا تعني الترويجَ لنظريةِ تقاسمِ الثروة، وإنما لمعادلة تحقيق المصالح المشتركة من خلال تعزيز الاستثمار المتبادل، وتوظيفِ الفوائض الرأسماليةِ في شراكات تعودُ بالنفع علي الدول المصدرة والمستقبلة لهذا الاستثمار.

- ارتباطاً بما تقدم، فإنه رغم الأهميةِ القصوى لمواجهةِ تنظيم ''داعش'' فى المهد، إلا أن ذلك ينبغى أن يتمَ ضمنَ إطار إستراتيجية شاملة لمحاربة جميعِ التنظيمات متشابهة الفكر في المنطقة، مع استهدافِ القضاء على ذلك التنظيم عسكرياً وفكرياً وحرمانِه من التعاطف والتمويل وإلا فإنه حتى وإن توارى فى العراق فسوف يعاودُ الظهور فى أماكنَ أخرى من العالم فالجميعُ بلا استثناءٍ ليسوا بمأمنٍ من هذا الخطر.

- إسباغُ أولويةٍ متقدمةٍ على جهود استئنافِ مسار المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وصولاً إلى تسوية سلمية وإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة حقيقية، فلا يوجدُ بديلٌ استراتيجى لاستئنافِ المفاوضاتِ فى ظِل تكلفة الفراغِ الناشئ عن جمودها وتراجع الأمل فى تحقيقها لنتائجَ ملموسة. ومن المهم هنا توظيف المبادرة العربية للسلام، واستعادة الدعم الدولى لأسس المفاوضات ودفعِها من خلال مجلس الأمن لتأكيد أنه لا سبيل للالتفاف حول هذه الأسس من خلال فرض حلولٍ أحادية أو مواجهاتٍ غير مجدية.

- تعزيز الحوار بين الدول العربية وبين وكافة القوي الدولية الفاعلة سواء التقليدية أو البازغة، والنظر في كيفية توظيف ذلك الحوار في دعم استقلالية القرار العربي وتنويع خياراته الإستراتيجية.

- العملُ تدريجياً على إرساء علاقات جوارٍ صحية تتسمُ بالتكافؤ والندية بين دول منطقة الشرق الأوسط من خلال إجراءات تُسهم فى ضمان الحفاظ على أمنِ واستقرار الإقليم، على أساسِ المبادئِ والاتفاقيات الحاكمةِ للعلاقاتِ الدولية، وبعيداً عن محاولات التمدد أو بسطِ النفوذِ.

- إن تشجيعَ الحوارات القائمة على الاحترام المتبادلِ بين الأديان والمذاهب والطوائف وتعزيزَ قيم العيش السلمي المشترك باتت ضرورةً مُلحة فى مواجهة أفكار الإقصاء والاغتراب داخل المجتمعات؛ ولابدَ هنا من أن تشملَ الحواراتُ مختلف القضايا تفادياً للإيحاء باستهداف عقيدةٍ بذاتها، فلا ينبغى أن يدعى أحدُ الأطراف فى ظل الحوار أنه يَقفُ على أرضيةٍ أخلاقيةٍ أعلى.

السيدات والسادة،

إن الأولويات السابقة على قدر أهميتِها وبداهةِ الكثير منها تحتاجُ إلى سياقٍ من شأنه أن يُكسبَها الثقلَ وقوةَ الدفعِ اللازمين. وتوفيرُ هذا السياق يبدو بشكل متزايد رهناً بانجلاءِ غُبار المرحلة الحالية عن نظامٍ إقليمى عربى جديد. ومن ثم، فإن وجود مثل هذا النظام يمثلُ بدورهِ ضرورةً إستراتيجية. فعلى مدى العقود الأربعـةِ الماضية، تشكلَت محـاورُ مختلفة فى منطقةِ الشرق الأوسط، عَرَّفَ كلٌ منها ذاتَه والآخر بناءً على التناقض بينها، فما بين محاورِ الرفضِ والمقاومةِ والسلامِ والاعتدالِ والسنةِ والشيعةِ، والمشرقِ والمغرب، كادت الهويةُ العربيةُ أن تَتَفتت وباتت المنطقةُ العربيةُ مستباحةً من قوىً إقليميةٍ ودولية.

لكن مرحلةَ التحولِ الحالية حملَت مع تحدياتِها فرصةَ تحلـل تلك المحاور بعدما أظهر تقاطُعها مع التطورات التى شهدتها المنطقة عدمَ ملاءمتِها لتحديات المستقبل. ومن ثم، فمن المهم ألا يكونَ تجديدُ النظام الإقليمى العربى قائماً على أساس أىٍ من تلك المحاور، فليس المطلوب أن يكونَ هذا النظام موجهاً ضد أى طرف من داخل العالم العربى ولا أن يستهدفَ أطرافاً بعينِها فى خارجه، وإنما أن يكونَ هدفهُ بناءَ الذات لمواجهة تحديات العصر وتحقيق التنمية والإعداد لتمكين الجيل الجديد؛ لاسيما وأن هناك إدراكاً متزايداً داخلَ دول

النظامِ العربى لاسيما من خلال تجاربِها بأنه لا بدَ من احترامِ إرادةِ الشعوب وأن وعىَ هذه الشعوب، خاصة الشباب، هو المحرك الحقيقى للاتجاه نحو المستقبل الذى لن يكونَ فيه مكانٌ لأنظمةٍ سلطويةٍ تدينُ بالولاء للفرد أو لديكتاتورية تدعى التحدثَ باسِم الدين.

ومن المؤكدِ أن استعادةَ مصرَ لمكانِها فى قلبِ النظام العربى الجديد يعيدُ له اتزانَه وحيويتَه، ويثريه بتجاربِ مصرَ الممتدةِ لاسيما على مدى الأعوام القليلةِ الماضية منذ ثورتى الخامس والعشرين من يناير والثلاثين من يونيو ومروراً بعملية التحول

الديمقراطى بسلبياتِها وإيجابياتِها، وهو ما يتسق مع التطلع لأن يتسعَ النظام العربى لكل أقطارِه ومع انفتاحه على الآخرين فى محيطه وفى العالم كله وأن يسعى لأن يكون عاملاً إيجابياً وفاعلاً فى النظام الدولى وأن تؤخذَ مصالُحه فى الاعتبار، دونَ المساس بأمنِه القومى ورفض التدخل فى شئونه تحت ذرائعَ طائفيةٍ أو مذهبيةٍ أو عرقية.

السيدات والسادة،

إن المشهدَ الراهن يطرحُ العديد من الاحتمالات التى من المهم إزاءها أن تدرك الدول العربية وجميع دول منطقة الشرق الأوسط أن عدمَ استقرار الأوضاع واستمرارَ الأزمات سوف تنسحبُ تداعياته على الاستقرار والأمن في باقي المنطقةِ ودول الإقليم، وأن مناخ التوتر والأزمات يمكن أن يهيئَ المناخَ لتنامى العنف وإزكاءِ التطرف العابر للدول والمهدِد للاستقرار في المنطقة بصفة عامة. وبالتالى، فإن المصلحة المشتركة تقتضى تبنى أولويـاتٍ متكاملة وصولاً إلى تجاوز الأزمات التى يعانى منها بعضُ دول المنطقة حالياً وإلى تحقيق النموِ والاستقرارِ اللازمين كى تمارسَ هذه المنطقةُ الهامة دوراً حقيقياً وبناءً على مستوى العالم لا أن تضيف إلى مشكلاته القائمة.

 

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا

 

 

 

فيديو قد يعجبك: