خلافات القوى المدنية تمنح قبلة الحياة لتكتلات الإسلاميين والمال السياسي..(تحليل)
القاهرة - (أ ش أ):
ترفع صيغة ''التفاهم المفقودة'' بين القوى المدنية التي تستعد لخوض ماراثون الانتخابات النيابية المقبلة، سقف المخاوف من تمهيد الأرضية أمام تكتلات الإسلاميين وأصحاب المال السياسي، الذين يستعدون لاحتلال واجهة المشهد السياسي، مستغلين تفتيت الأصوات الذي قد ينشأ بسبب عدم التنسيق والتوافق بين القوى المدنية، ناهيك عن النظام الانتخابي الذي يقدم فرصة ذهبية لنشوء برلمان غير متكافئ، يكون الدخول إليه مقصورا على الأقوى ماليا وتنظيميا.
ومع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانيّة في ظل ضبابية غير مسبوقة تغلف المشهد السياسي، يمكن بجلاء لأي مراقب أن يتبين مدى هشاشة التحالفات القائمة فعليا، والتخارج الذي يجري بشكل دائم، ومحاولة الفكاك ثم العودة إلى مظلة التحالفات العقيمة، بشكل ينبئ بانهيار تلك التحالفات قبيل الانتخابات، أو على أكثر تقدير عقب الدخول إلى البرلمان.
وترسم تلك الهشاشة صورة قاتمة لبرلمان 2015 ، حيث تعزز التناقضات بين عناصر التحالف الواحد سواء على الصعيد الأيديولوجي أو صعيد سياقات العمل السياسي المخاوف من ميلاد برلمان غير متناسق، لا يقوى المشاركون فيه على التوحد خلف الدولة وقيادتها أو محاسبة الحكومة إذا تطلب الأمر، وهو ما يوحي بممارسة برلمانية لا ترقي إلى طموحات الشعب المصري أو القيادة السياسية.
ومع استمرار التجاذبات غير المنتجة بين التحالفات التي يبرز منها تحالف الوفد المصري، تحالف ائتلاف الجبهة المصرية، تحالف التيار الديمقراطي ، تحالف ''25 - 30''، تبدو التساؤلات الحائرة مستمرة حول ما إذا كانت تلك التحالفات المدنية قادرة على استكمال الطريق بالفعل هذه المرة ، من خلال تعزيز قيم الإيثار وإعلاء مصلحة الوطن العليا ، أم أن التناقضات التي تعززها الأطماع سوف تكمل شرذمة القوى المدنية ، للدرجة التي يعيدون فيها إنتاج أخطاء البرلمان السابق ، ويتركون الساحة خالية أمام عودة الإسلاميين.
فحزب النور والتكتلات السلفية، إضافة إلى بقايا التحالفات الإسلامية للإخوان، يراهنون على حصد أكبر نسبة من مقاعد البرلمان القادم ، خصوصاً مع فشل القوى المدنية حتى الآن في التوافق، بشأن تكوين تحالفات قوية قادرة على تشكيل الأغلبية في البرلمان، وهو ما ترجمته مطالب تأجيل الانتخابات خوفاً من عودة الإسلاميين ، وخصوصاً الإخوان إلى المشهد السياسي، ، الأمر الذي كان محلّ رفض من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي ، الذي أكد أن تسلّل الإخوان إلى البرلمان المقبل سيكون وراء سقوطه.
ولعل المثير للدهشة في هذا الصدد هو أن الدولة المصرية لم تتخذ حتى الآن أية إجراءات تضمن تمهيد الأرضية أمام برلمان لا يلعب فيه الإسلاميون والمال السياسي الدور الأكبر ، فالنظام الانتخابيّ يجعل 20 % بنظام القائمة ، مما يؤثر بشكل حاد في تحديد وجود التيار الإسلامي في البرلمان المقبل من خلال شكل القائمة، خاصة في ظل خلافات القوى المدنية التي أنتجت ثلاث قوائم تبدو متصارعة ،هي قائمة الدكتور كمال الجنزوري وقائمة تحالف الوفد المصري وقائمة ائتلاف الجبهة المصرية.
كما أنّ نسبة الـ80 % المتبقّية، والتى تمثل النظام الانتخابي الفردي، سوف تفتح الباب واسعا أمام المال السياسي للعب الدور الأكبر، خاصة في ظل عدم تنسيق القوى المدنية في مواجهة التيار الإسلامي ، إضافة إلى الطبيعة القبلية والعائلية خاصة في الصعيد وسيناء، والتي تكرس فوز مرشحي العائلات والقبائل بالنسبة الأكبر من الأصوات، استنادا إلى ميراث كبير من الممارسات أنتجت هذا النمط من التصويت القائم على الانتماءات والولاءات ، بعيدا عن مستوى المرشح السياسي والثقافي.
وتبرز طريقة توزيع الدوائر الانتخابية الغامضة حتى الآن، كعنصر أساسي في تهيئة الأرض أمام التكتلات الإسلامية وأصحاب المال السياسي ، خاصة في ظل اتساع الدوائر بعد تحييد قاعدة الدوائر الصغرى التي كان من المفترض أن يجري تقسيم مصر على أساسها إلى 420 دائرة ، وهو ما كان يمكن أن يمنح أصحاب الوجوه الجديدة فرصة أفضل بعيدا عن مبدأ التحشيد بالمال أو بالأيديولوجية ، خاصة في ظل عدم رغبة القوى المدنية في تقديم الدعم المناسب لمرشحين يحظون بفرص جيدة لكنهم لا يملكون المال، واعتماد الأحزاب بما فيها الأحزاب القديمة مثل الوفد على الإمكانيات الخاصة للمرشحين .
وعلى الرغم من وجود آراء تؤكد تراجع شعبية التيارات الإسلامية بعد أن فقدت الظهير الشعبي بسبب ممارساتها التي لا تتفق مع المزاج العام المصري ، إلا أنه يجب التأكيد على أن حصد القوى الإسلاميّة نسبة من مقاعد البرلمان المقبل، لا يعتمد على شعبية التيار الإسلامي، بل يرتبط الأمر ارتباطاً وثيقاً باحتراف العديد منها العمل العام والاجتماعي، واستمرار تقديم خدمات لأبناء الدوائر الانتخابية بشكل مباشر.
كما أن التحالفات الحالية في مجملها مختلفة أيديولوجيا، بما يجعل التنسيق العميق بينها أمرا صعبا أو مؤقتا، لا سيما في ظل حالة من الاستقطاب الاجتماعي الشديد في مصر، فتحالف الوفد المصري على سبيل المثال يضم حزب الوفد اليميني والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي ذي الميول اليسارية ، بالإضافة إلى حزب المحافظين الذي يرأسه أحد كبار أصحاب رأس المال والمحسوب على لجنة السياسات بالحزب الوطني ، فيما يضم ائتلاف الجبهة المصرية مجموعة من المحسوبين على النظام السابق مثل الحركة الوطنية ومصر الحديثة والمؤتمر ،وذلك جنبا إلى جنب مع ممثلي النقابات والاتحادات العمالية ، بالإضافة إلى أحد أهم أقطاب المعارضة اليسارية وهو حزب التجمع .
وإذا كان الهدف الذي يجمع كل تلك التحالفات هو مواجهة جماعة الإخوان وحلفائها والمتوارين خلف تيارات الإسلام السياسي، فإنه يجب الانتباه إلى أن هذه التحالفات تحمل في طياتها بذور فنائها ، ليس بسبب اختلافات الإيديولوجية فقط ولكن نمط المحاصصة الحزبية الذي قد يؤدي إلى انفجارها ، لأن كل حزب داخل التحالف الواحد يسعي للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب ، فما بالك بالتحالفات الأخرى التي فشلت حتى الآن في التوافق على قدر ضئيل من حصة البرلمان ، وهي القوائم التي لا تضم سوى 120 نائبا ، والأمر يندرج أيضا على المقاعد الفردية وعددها 420 مقعدا.
كما أن هذه التحالفات رغم كونها بالأساس بين أحزاب، إلا أنها بلا استثناء سعت وراء شخصيات بارزة ماليا وعائليا ، بغض النظر عن انتماءاتها الأيديولوجية والحزبية لتضمها إلى قوائمها الانتخابية سواء على المستوى الفردي أو القوائم المغلقة ، وذلك بهدف اصطياد أكبر عدد من المقاعد ، وهو ما يطرح تساؤلات حادة حول أغراض تلك التحالفات، وما إذا كانت سوف تستمر طوال فترة البرلمان ، أم أنها سوف تتفكك باعتبارها تحالفات مرحلية تكتيكية ينتهي عمرها ببدء عمل البرلمان.
وليس ثمة شك في أن ضعف الأحزاب المدنية ، هو ما يعطي انطباعاً بأن العملية الانتخابية سوف تصبّ في مصلحة التيار الإسلامي ، كما أن النظام الحالي للانتخابات لا يعتمد على القوائم الحزبية ، وإنما على الفرد ، وهذا ما ينتج صعوبة حقيقية في وقف تسرب التيار الإسلامي إلى البرلمان المقبل ، حتى بعد تراجع شعبية الإخوان وحلفائهم، وأيضاً حزب النور ، على الرغم من أنه كان مؤيداً لثورة 30 يونيو.
كما أن القوى المدنية التى لم تقدم للناخب حتى الآن ما يجعله رصيدا مضافا لها ، فإنها يجب أن تتوقف عن التصريح والسعي لأن يكون أحدها ''الظهير السياسي للرئيس السيسي '' في البرلمان، على اعتبار ما تتوقعه من أن يكون هناك توجيه من السيسي نظرا لما يتمتع به من شعبية هائلة ، يمكن أن يلعب دوراً في ترجيح كفة أحد التحالفات المدنية بشكل أو بآخر.
وفي المقابل يجب على تلك القوى أن تتمسك بقواعد الوفاق الوطني الذي يمكن أن يعزز من قيم الدولة الوطنية ويعلي المصلحة العليا للبلاد ، ويكرس قيم الإيثار بدلا من الاستئثار ، حتى يمكنها أن تخوض معركة انتخابية قوية وناجحة ، تنتج برلمانا هو الأهم والأخطر في التاريخ المصري الحديث.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: