مطالبات بعقوبات رادعة للتحرش.. وتغليظها لهتك العرض - ''تقرير)
تقرير - نورهان عبد الناصر وهاجر حسني:
يُلقي لها بلفظٍ خارج أو يتجرأ للمس جسدها ثم تنطلق منه ضحكة مجلجلة، غير آبه بأن فعلته على الرغم من أنها أرضت نفسه المريضة إلا أنها تسببت في ألم نفسي لشخص آخر غالباً ما تكون "أنثى"، بينما تقف هي في حيرة من أمرها، كيف تتصرف؟ أتتوجه إلى أقرب قسم شرطة للإبلاغ عن الواقعة؟ أم تحاول نسيان ما مرت به وتحتفظ بألمها لنفسها فقط؟.. و في معظم الأحيان يكون الأخير هو القرار الأقرب لمعظم الفتيات أو السيدات عند تعرضهن للتحرش أو هتك العرض أو حتى الاغتصاب؛ ظناً منهن بأنهن بذلك يحمين أنفسهن من نظرة المجتمع التي باتت تلوم الفتاة على تعرضها لأي نوع من أنواع العنف الجسدي أكثر من الجاني ذاته، وبالرغم من المطالبات المستمرة منذ فترة طويلة لتغليظ العقوبات على جرائم العنف ضد المرأة، إلا أن القضية مازالت جزء كبير من مهمة الكثير من الحقوقيات والحقوقيين في هذا المجال.
في دراسة أعدتها المحامية مها يوسف، بعنوان "المساعدة القانونية للنساء"، أكدت أن التحرش الجنسي أصبح بالنسبة للنساء جزء من حياتهن اليومية لا تسلم إحداهن منه، فيما عكست عدة أبحاث أن النسبة الغالبة تعتبر أن الفتاة هي المسؤولة عن تعرضها للتحرش الجنسي أو حتى اغتصابها سواء بسبب مظهرها أو حتى تواجدها في مكان عام وأن تصرف الرجل إنما جاء استجابة لإثارة الفتاة له، وحتى لو لم يلقِ المجتمع اللوم على المرأة فهو يلقي بالاتهام على الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي جعلت الرجل غير قادر على الزواج وكأن المجتمع مصر على تبرئة الجاني.
التحرش وهتك العرض واغتصاب هناك صعوبة في اثبات واقعة التحرش الجسدي"، هكذا قال الدكتور مصطفى أيمن فودة، كبير الأطباء الشرعيين، حيث أكد أن التحرش الجسدي لا يمكن اثباته إلا إذا كان هناك علامات مميزة كتمزيق بعض ملابس الضحية، والتي لا توجد في كل الحالات.
وأضاف فودة في تصريحاته لمصراوي، أن هتك العرض يختلف عن التحرش والذي يمكن
إثباته لما له من دلالات، حيث أن هتك العرض يأتي نتيجة الاعتداء على المرأة من دون الجماع الجنسي الصريح أي عن طريق الجنس الفموي أو الاعتداء على الأنثى أو الرجل من الخلف، وهو ما يمكن اثباته بسهولة، بحد قوله.
ولفت كبير الأطباء الشرعيين السابق، إلى أن الاغتصاب يختلف عن النوعيين السابقين من حيث دلالاته و وسائل اثباته، حيث أن الاغتصاب الكامل يصاحبه وجود آثار السائل المنوي الخاص بالرجل على الضحية والذي يمكن الطب الشرعي من خلال تحليله اثبات واقعة الاغتصاب، كذلك فحص الخدوش وبعض العلامات الأخرى في جسد المرأة المجني عليها و الرجل الجاني.
ومن واقع خبرته، أكد فودة أن قانون العقوبات الخاص بالجرائم الثلاث لابد أن يتم تعديله بالنسبة للبالغين، كما أنه لابد أن يتم وضع قانون رادع لجريمة التحرش، حتى يمكن تقليل نسبة حدوثها بما أننها لا يمكن اثباتها في أكثر الأحوال، وتابع "في حالة تعديل القوانين بالنسبة للجرائم التي يرتكبها الأطفال وهو ما طالب به المجتمع المدني عقب قضية الطفلة زينة، فالمواثيق العالمية وضعت القوانين على أن يكون أقصى عمر للجاني من الأطفال 18 عام، و تقليل العمر عن ذلك يُعد قسوة على الأطفال وهو ما يلزم توعية مجتمعية أكثر منها تعديل قوانين".
9 آلاف حالة تحرش
طبقاً لآخر بيان أصدرته الإدارة العامة لشرطة الآداب بوزارة الداخلية، فإن بيانات الإحصاء الجنائي تشير إلى أن جرائم التحرش وصلت خلال عام 2012 إلى 9 آلاف و468 حالة، منوها بأن محافظة الإسكندرية سجلت أعلى المعدلات، بينما محافظة شمال سيناء لم تسجل أي حالات تحرش.
و جاء في البيان أن جرائم هتك العرض "كشف أو ملامسة العورة"، وصلت إلى 329 جريمة خلال 2012، وتمكنت الشرطة من ضبط 265 حالة منها، وشهدت العاصمة أعلى معدلات الجرائم بـ91 حالة، وإن جرائم الاغتصاب وصل عددها خلال 2012 إلى 112 حالة، وتم ضبط 94 حالة منها، وشهدت القاهرة وقوع 27 حالة.
الإعدام للاغتصاب والمشدد لهتك العرض
أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرسوماً بقانون رقم 11 لسنة 2011، الخاص بتعديل بعض أحكام قانون العقوبات الصادر بالقانون رقم 58 لسنة 1937.
و ينص القانون في مادته الأولى على أنه تم استبدال نصوص المواد أرقام (267، و268 و269، و269 مكرر، و288، و289،و 306 مكرر أ) من قانون العقوبات بالنصوص الآتية: "مادة (267) وتنص على أن كل من واقع أنثى بغير رضاها يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد. ويعاقب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجني عليها لم يبلغ سنها 18 سنة ميلادية كاملة، أو كان الفاعل من أصول المجني عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم أو تعدد الفاعلون بالجريمة."
"مادة (268) وتنص على أن كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يعاقب بالسجن المشدد، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ 18 سنة ميلادية كاملة، أو كان مرتكبها أو أحد مرتكبيها ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن 7 سنوات وإذا اجتمع هذان الطرفان معاً يحكم بالسجن المؤبد".
"مادة (269) وتنص على كل من هتك عرض صبى أو صبية لم يبلغ سن كل منهما 18 سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يعاقب بالسجن، وإذا كان سنه لم يتجاوز 12 سنة ميلادية كاملة، أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة 267 تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن 7 سنوات.
صعوبة إثبات الواقعة
أكد المحامي الحقوقي، حافظ أبو سعدة، رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان أن العقوبة في معظم الأحيان تكون مناسبه، ولكن في حالات كثيرة لا تكون العقوبة هي المشكلة ولكن اثبات الواقعة و خاصة في جرائم هتك العرض، أو التعرض لأنثى في الطريق.
وأوضح أبو سعدة لمصراوي، أن الصعوبة تأتي إذا كان أيا من هذه الجرائم تم ولم يكن هناك شهود، وكذلك ما يحدث من محاولات التحرش أو هتك العرض في الأماكن المزدحمة مثل محطات المترو والذي يكون من الصعب إثبات الواقعة في هذه الأثناء، وكذلك الاعتقاد السائد بأن الفتاة هي دائما المخطئة نتيجة ملابسها أو أي شيء من هذا القبيل وبالتالي يرفضون الإدلاء بشاهدتهم في قضيتها.
وعن تعديل القوانين، أكد أبو سعدة أن قانون الاغتصاب العقوبة تصل فيه للإعدام وبالتالي لا يحتاج الى تعديل، بينما التحرش هو الأكثر انتشارا وبالتالي له أولوية التعديل بأن يكون الحد الأدنى للتحرش اللفظي سنة واحدة و3 سنوات اذا تجاوز ذلك.
قانون رادع
عبد الفتاح محمود، أحد الأعضاء المؤسسين لحركة "بصمة" قال لمصراوي، إن الحركة تعتزم تسليم أفكارها ومقترحاتها عن تعديل قوانين العنف ضد المرأة للجهات المختصة، مشيرا إلى أن هذه المقترحات غير مصاغة في شكل قانوني كامل وأنهم سيتركون فكرة الصياغة لهذه الجهات.
وتابع محمود، "لابد وعلى وجه السرعة أن يُعاد تعريف الاغتصاب في القانون المصري ويدمج فيه بعض الحالات اللي تقع تحت تعريف هتك العرض وتزال من توصيف هتك العرض الأصلي"، لافتا إلى أن شهادات الاعتداءات الجنسية الجماعية و التي حدثت في ميدان التحرير تؤكد تكرار هذه الوقائع بصورة بشعة وتقع تحت توصيف هتك العرض ولكن نظراً لجسامة الموقف وكونه اعتداء جماعي نادرا ما تصل الحالة أو البلاغ للقسم.
وأضاف أن المقترح الموضوع جاء نتيجة التفكير في شكل جديد للقانون، قائلا "من خلال عملنا نحاول أن ندرس أسباب المشكلة والعقبات التي تواجه الحلول وذلك من خلال ورشة عمل نفذناها داخل الحركة ودرسنا فيها مواد القانون الحالية ونقدناها بشكل واقعي ووضعنا التعديلات الملموسة عليها قبل مرحلة التفكير في صياغة قانون جديد".
تغليظ العقوبات
أكدت السفيرة منى عمر، الأمين العام للمجلس القومي للمرأة، لـمصراوي، ضرورة أن يتم تغليظ هذه العقوبات في جرائم العنف ضد المرأة حتى يتم القضاء على هذه الظاهرة، حيث أشارت إلى أن تفشي هذه الجرائم لا تسئ فقط للمرأة بل للرجل و المجتمع بأكمله.
و تابعت " نحن في مرحلة بناء للدولة و في هذه المرحلة يجب أن نظل حريصين على تحسين المجتمع المصري ومن أخلاقياته، والأهم من تغليظ القوانين هو تنفيذها لأن هناك تهاون كبير جدا في عملية تنفيذ القوانين بالنسبة للعقوبات، و هذا ما يدفع الكثيرين للتطاول معتمدين في ذلك على خجل البنت وأنها لن تجاهر بما حدث لها، أو أن المجتمع نفسه من الممكن أن يمرر الجرائم على إنها شيء طبيعي و ليس من الضروري أن نقف أمامه كثيراً.
وأضافت عمر أن تغليظ العقوبات يعد وسيلة ردع من شأنها تقليل أعداد مرتكبي هذه الحوادث البغيضة لكنها لن تمنع ارتكابها نهائيا، مؤكدة أن هناك قسم خاص يتبع حقوق الإنسان في جميع مديريات الأمن على مستوى الجمهورية خاص بعمليات العنف ضد المرأة و يعمل به شرطة نسائية حتى يمكن للمرأة بدون خجل أن تلجأ اليهم عند تعرضها لأي حادث دون خجل من رواية ما حدث لها.
أحكام القضاء
ايزيس محمود، مدير اللجان بالمجلس القومي للمرأة، وأحد أعضاء اللجنة التشريعية لوضع مشروع قانون العنف ضد المرأة عرفت هتك العرض على أنه أحد الجرائم التي ينص عليها قانون العقوبات المصري تحت بند فساد الأخلاق، قائلة أنه كل اعتداء مادي على جسد المجني عليه بالمساس بعورته ولم يقترن بقصد المواقعة، أما الاغتصاب فركنه المادي هو مواقعة الأنثى بغير رضاها ومن الظروف المشددة لهذه الجريمة تعدد الجناة ولو لم يكن بينهم رابط أو علاقة أو استخدامهم أي وسيلة مادية في ايزاء المجني عليه.
وأضافت لمصراوي أنه بالنسبة للعقوبات التي أقرها القانون المصري فيما يتعلق بجريمة الاغتصاب قبل سنة 2012 كانت غير رادعة، فكانت لا تصل العقوبة للإعدام إلا اذا اقترنت بالخطف، أما في عام 2012 صدر قرار بمرسوم من المجلس العسكري بتشديد العقوبات في حال اكتمال الأركان المادية و المعنوية للجريمة، فأصبحت جرائم فساد الأخلاق من جنحة إلى الإعدام.
و تابعت " يظل قانون العقوبات فيما يتعلق بجرائم فساد الأخلاق غير شامل لكل أشكال العنف التي تعاني منها المرأة في المجتمع المصري، و هذا ما دعا المجلس القومي للمرأة لوضع مشروع قانون لحماية المرأة من العنف في كل أشكاله المادي و المعنوي".
وأوضحت أن من ضمن المشكلات التي تواجهها المرأة أيضاً في مجال العنف ضدها هو أن هناك العديد من القضاة يستخدمون حقهم في النزول بالعقوبة إلى درجتها الدنيا و هي في النهاية ترجع إلى قناعات و ضمير القاضي، مؤكدة أن المجلس لاحظ في العديد من الأحكام التي صدرت في السنوات القليلة الماضية فكانت لهم رؤية أنه لا يجوز للقاضي من النزول بالعقوبة في جرائم الاغتصاب إلا بدرجة عقابية واحدة فقط.
و استطردت "من كل المشكلات السابقة أتى مشروع قانون العنف ضد المرأة فهو بمثابة مشروع متكامل يشمل كافة مجالات العنف المادي و المعنوي الموجهه إلى المرأة في المجتمع المصري بهدف حماية المرأة من كل أشكال العنف سواء في مجال الحقوق الشخصية أو الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية فهو يتضمن تعريفات جديدة لجرائم لم يكن يشكلها القانون الحالي مثل جريمة العنف في حد ذاتها و التحرش و جرائم الاعتداء الجنسي و جريمة الاستغلال الجنسي والجرائم الاجتماعية مثل الحرمان من الميراث الشرعي".
ولفتت إلى أن مشروع القانون قرر الأخذ بمفهوم العقوبات الاجتماعية وليس العقابية تدريجياً و ذلك للحفاظ على العلاقات الأسرية و بعد توقيع العقوبة و ذلك في حالة توقيع العقوبات السالبة للحريات و تفاديها التي تقضي على السلام الأسري.
و نوهت إلى أن تغليظ العقوبة ليس كافي في أي من جرائم فساد الأخلاق و فى تحقيق الردع منها لأنه لابد وأنه يقترن بتوعية وتطهير للمفاهيم السلبية تجاه المرأة و كرامتها و انسانيتها و دورها، حتى لا تشعر المرأة بالخوف لتقديم شكوتها، حيث ضمن القانون لها حماية البيانات والمعلومات الخاصة بالمجني عليها و عدم إفشاء اسرارها و حمايتها الشخصية سواء من الفاعل الأصلي أو من الانتقادات والوصمات الاجتماعية.
فيديو قد يعجبك: