إعلان

بأمر محافظ القاهرة.. هل تصبح أولى عواصم مصر الإسلامية حديقة.. قسم.. أم جراج؟

10:28 م الخميس 17 أبريل 2014

كتبت- هبة البنا:

تصوير- أحمد حجي

ينتحر المنطق عندما تحاول وزارة الآثار إقناعك أنها تبني جراجا في موقع أثري من أهم المواقع الأثرية في العالم للحفاظ عليه، هذا ما أكده سمارات حافظ، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، حينما حادثه ''مصراوي'' عبر الهاتف حين قال إنه لم يتم اتخاذ أية خطوات حتى الآن أو قرارات فيما يخص عاصمة مصر الإسلامية الفسطاط.

إلا أن حافظ لم ينف رغبة المحافظة في بناء حديقة عليها، واعتراض الوزارة على ذلك المشروع، وهو ما نشر مصراوي وثائق تثبته عبارة عن مخاطبات بين الوزارة والمحافظة حول أهمية الأرض ورغبة المحافظة في إقامة حديقة عليها، وعدم موافقة الوزارة.

اللافت أن إنشاء حديقة بهذا المكان ربما يكون أكثر خطورة على ما به من آثار من إلقاء القمامة به، فحسب خبراء ستتسبب النباتات في رفع منسوب المياه الجوفية مما يؤدي لتلف الآثار الهامة الموجودة بها.

فلاحون يكشفون أهم موقع أثري صدفة

حظ تلك الأرض عاثر منذ زمن فقد تعرض من قبل للإحراق على يد المسلمين أنفسهم حين أمر الخليفة العاضد بذلك كي لا يتمتع بها الصليبيون بعد وصولهم إليها، ظلت بعدها مدينة خاوية لسنوات حتى قام البعض بمحاولات لاستغلال تربتها الخصبة ''السباخ'' فاكتشفت آثار الفسطاط القديمة.

أردنا التحقق مما يجري على أرض الفسطاط فارتدنا المترو وتوجهنا إلى مصر القديمة، ومن هناك استعنا بسيارة أجرة، أوصلنا سائقها إلى ما وصفناه له بـ ''مقلب القمامة'' فقد اعتادت تلك الأرض في السنوات الأخيرة أن تشهد إلقائا لكميات هائلة من القمامة يتم حرقها بها وبالقرب من مخازن متحفية هامة، تحت نظر الدولة.

وحين نبهت جماعات أثرية إلى خطورة ما يحدث هناك ونظفوا الأرض وضغطوا ضغطا واسعا للالتفات لها، ما كان من المحافظة إلا تنظيفها وحراستها، ومن ثم إصدار قرار ببناء حديقة عليها من باب حمايتها من القمامة، واستغلالها لأية أعمال مخالفة للقانون.

منع التصوير لسبب مجهول

أول ما رأيناه كان لافتة تفيد بأن الأرض تابعة للمحافظة، وأول ما لاقانا كان أحد أفراد القوات المكلفة بحمايتها يمنعنا من التصوير لسبب غير معلوم.

موقع أثري يتحول لقسم شرطة

قال لنا أحد المكلفين بحراسة الأرض، إن رئيس الوزراء والمحافظ أثناء زيارتهم للأرض أول ما تحدثوا عنه كان بناء قسم على تلك الأرض بدلا من قسم مصر القديمة الذي تم إحراقه إبان ثورة 25 يناير، موضحا أن المقر الحالي لقسم شرطة مصر القديمة هو في الأساس مبنى تابع لأمن الدولة، يتم استغلاله كمقر لقسم الشرطة بشكل مؤقت.

وبمعاينتنا للرمال التي تم فرشها بالفعل، قال المصدر إنه سيتم بناء القسم على الجزء الذي لم يبدأ التنقيب به بعد، أما الجزء الذي تم التنقيب به بالفعل وظهرت من خلاله أطلال لجدران أثرية، فلن يتم إقامة شيء عليه.

اختيار إلهي

الفسطاط هي أول عاصمة إسلامية لمصر، بناها عمرو ابن العاص باختيار إلهي، فبعد أن أقام خيمته بها مصادفة، عششت حمامة بالخيمة، منعته من إزالتها مرة أخرى، وحينما عاد لاختيار عاصمة وبعد استبعاد الإسكندرية اختار أن تكون العاصمة حيث أقام خيمته أول مرة.

منطقة الفسطاط شهدت تنقيب العديد من البعثات بها منذ 1912 منها بعثة فرنسية وبعثة أمريكية وبعثة يابانية وبعثة الآثار المصرية، إلا أن الوقت الحالي لا يشهد عمل أي بعثات بها، حسب تأكيد سمارات حافظ، وذلك رغم الكشوفات الهامة التي ظهرت بها خلال أعمال التنقيب الماضية، والاكتشافات التي يتوقع وجودها تحت التراب حتى الآن.



لم تكن هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها هذا الموقع للخطر، فقد تعرض من قبل لمشروع لاستخراج المياه الجوفية 1983، هددت اليونسكو على خلفيته برفع المنطقة من خريطة المواقع الأثرية العالمية، توقف المشروع، هكذا روى الدكتور هنري أمين عوض الباحث في الآثار الإسلامية في فيلم تسجيلي عن إنجازاته في مجال الآثار.

ومن ''السباخ'' كنوز تاريخية

كما روى عوض كيف أن هذه المنطقة زاخرة بالكنوز، حتى أن صديقا له كان يستأجر عمالا لتنقية ''السباخ'' في هذه المنطقة من الشوائب للاستفادة بخصوبته، فاهتم هنري بتلك الشوائب التي اتضح بعد ذلك أنها آثارا قيمة، وعدد تلك الآثار في مجموعة من أندر الأدوات في الطب الإسلامي، وهي المجموعة الوحيدة من نوعها.

كما قال إنه عثر بتلك المنطقة على ما كان يظنه أهلها أنها مجرد أوراق لشجر الموز، والتي اتضح أنها وثائق إسلامية قيمة، ومنها أقدم وثيقة زواج إسلامية، ووثيقة ثنائية اللغة تؤكد الاستعانة بالأقباط في إدارة الدولة، ووثيقة أخرى تعد البردية الطبية الإسلامية الوحيدة.

ووصلت أهمية تلك الاكتشافات إلى أن فرنسا واليابان طلبتا 12 قطعة منها لعرضها في معارض أثرية.

كما اعتبر أمين أن أهم اكتشاف له كان عملة فضية مصكوكة بالفسطاط عام 200 هجريا، وهو ما وصفه بالحدث الأثري، لأن العملات دليل على تولي أسماء بعينها للحكم.

وأرجع هنري في الفيلم سبب اندثار مدينة الفسطاط القديمة إلى زحف المباني الخراسانية عليها.

مدينة الفسطاط كانت من أهم المدن في العصر الفرعوني والبابلي والروماني، وأهم مدين اقتصادية في العصر الإسلامي.

إنشاء الحديقة عمل كارثي

تقول سالي سليمان المرشدة السياحية والناشطة الأثرية إن تحويط أرض الفسطاط بسور ووضع لافتة عليها تخص محافظة القاهرة تزامن مع توقيع بروتوكل بين وزارة الإسكان ووزارة الآثار لترميم المباني الأثرية، وهو القرار الذي وصفته بغير المفهوم، مستغربة العلاقة بين ترميم الآثار ووزارة الإسكان.
وأكدت سليمان أنه على الرغم من أن ملكية الأرض تعود للمحافظة إلا أن الكلمة العليا فيما يخص التصرف بها تكون لوزارة الآثار، نظرا لما هذه الأرض من قيمة حضارية.

وأشارت إلى أن مصادر مطلعة بالوزارة أكدت لها نية المحافظة إنشاء حديقة على تلك الأرض، موضحة أن ذلك بمثابة كارثة على الآثار، كما أشارت إلى مشروع مماثل وهو مشروع جراج الحسين الذي أقيم على أرض أثرية أيضا، على أن يزال فيما بعد وهو ما لم يحدث، قائلة إنه بمجرد مغادرة البعثات الأجنبية تبدأت الانتهاكات، وقالت إن البعثة الفرنسية وهي آخر بعثة عملت بالموقع لا علم لديها ما تنتوي المحافظة فعله بالأرض.

مشروع استراتيجي غامض

واعتبر رئيس قطاع الآثار الإسلامية استغلال الأرض بأي شكل حماية لها من السرقة، والتعديات، وإلقاء القمامة، وقال إن ردم الموقع الأثري بالرمل لا يضر به، بل إن الرمال تستخدم لحماية المواقع الأثرية، وأشاد بجهود المحافظة في تنظيف الأرض، وبناء سور حولها، وتحمل تكلفة الرمال والمعدات.

وأوضح حافظ أن الأرض تعود ملكيتها للمحافظة، وهي صاحبة التصرف فيها ولكن بموافقة الوزارة، طبقا لقانون حماية الآثار الذي تخضع له الأرض، قائلا إن المحافظة رفضت مشروع مطبعة تقدمت بها الوزارة من قبل لاستغلال الأرض بها، وكان سبب الرفض أن للمحافظة ''خطة لمشروع استراتيجي'' لإقامته على تلك الأرض، كما رفضت الوزارة أيضا مشروعات طرحتها المحافظة، كمدرسة أو مستشفى.

وأشار حافظ إلى أن الوزارة رصدت 15 ألف جنيه للتنقيب في الأرض قبل القيام بأية مشروعات، سواء جراج أو غيره، منوها إلى أن ذلك الاعتماد جاء في حدود المتاح، وأوضح أن قرار بناء الجراج كان قرار اللجنة الدائمة للآثار.

وأوضح أنه إذا بنت الوزارة جراجا بها لن يكون سوى عدد من المظلات لسيارات الوزارة، ولن يكون جراجا متعدد الطوابق بالشكل المتصور، قائلا ''لولا تدخل وزارة الداخلية، واستخدام قوات الأمن المركزي لما استطعنا إخلاء الأرض ومنع إلقاء القمامة عليها''.

وأضاف إن أكثر ما كان يتخوف منه وقت استغلال الأرض في إلقاء القمامة، هو تضرر المخازن المتحفية الموجودة بها نظرا لإحراق تلك القمامة، بالإضافة لمقتنيات متحف الحضارة الموجودة هناك أيضا.

''لحد دلوقتي .. مفيش حاجة''

ونفى حافظ أن تكون المحافظ قد توجهت بخطاب رسمي يطالبون الوزارة ببناء حديقة على الأرض، قائلا ''لحد دلوقتي محصلش أي حاجة''، وهذا بالرغم من إخباره بأمر الوثائق التي نشرها مصراوي والتي تفيد بوجود مخاطبات بين المحافظة والوزارة في هذا الشأن.

لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا

فيديو قد يعجبك: