خبراء يصفون قانون محاسبة الفاسدين بـ ''المعضلة''.. والحكومة: القول الفصل بيد الشعب
كتب - محمود سليم وأحمد علي:
وصف خبراء في العدالة الإنتقالية وقانونيون، قانون مفوضية العدالة الإنتقالية الذي أعلنت الحكومة عن نيتها في إصدارة الأيام القادمة، بأنه قانون بلا أنياب، مشيرين إلى أنه لابد أن تصيغ مصر تشريعاتها الخاصة دون استيراد تجارب من دول أخرى مرت بنفس الفترات.
ولفت الخبراء، في تصريحات خاصة لـ ''مصراوي''، النظر إلى أن الدستور المصري لا يجيز إعادة محاكمة المتهمين مرة أخرى على نفس القضايا، ويمنع رجعية القانون على وقائع سابقة، موضحين ''أن صياغة أي قانون جديد أو تعديل قانون قديم لا تسري على الوقائع السابقة وإنما تطبق في المستقبل''.
وتعتزم وزارة العدالة الإنتقالية، الانتهاء من مشروع قانون لمحاسبة كل من أفسدوا في الحياة السياسية، بداية من 8 أكتوبر 1981 (عصر الرئيس الأسبق حسني مبارك) حتى الآن، يتضمن إنشاء متحف لتوثيق جرائم الفساد، وتاريخها، ومن المقرر أن يكون مكان المتحف مبنى الحزب الوطني بكورنيش النيل.
ويحدد عبد الله خليل، الخبير في برامج سيادة القانون والعدالة الانتقالية بالأمم المتحدة، العقبات التي تقف أمام تطبيق القانون الجديد على رموز النظام السابق، في المبدأ الدستوري الذي يقضي بعدم محاكمة أي شخص على فعل واحد مرتين، موضحًا ''أحكام البراءة التي حصلوا عليها تحول دون محاكمتهم مرة أخري على نفس الجرائم''.
ويصف خليل، الذي شارك في تقييم تجربة الفترة الإنتقالية التونسية لصالح الإمم المتحدة؛ القانون الجديد بأنه ''بلا أنياب وبلا محاسبة''، معللًا ''قانون الإجراءات الجنائية في مادتيه 455 و 456 ، يقضي بمنع المحكمة من نظر أي جرائم قد تم الفصل فيها بحكم نهائي حتى ولو ظهرت أدله جديدة.
ويضيف ''أحكام التقادم في القانون المصري ستؤدي إلى إفلات كل من ارتكب انتهاكات في حقوق الإنسان.. والقانون المصري حدد الجرائم التي لا تسقط بالتقادم وليس من بينها جرائم الفساد والرشوة والتربح''.
ويتفق البرلماني السابق، المحامي إيهاب رمزي، مع خليل في أنه لا يجوز دستوريًا أن تجري العقوبات التي يقرها أي قانون جديد على وقائع سابقة، وخاصة إذا كانت عقوبات جنائية، مشيرًا إلى أن ''قانون الإفساد السياسي موجود من أيام عبد الناصر ولكنه ضعيف''، وحتى إذا تم تعديله ستسرى عقوباته على الوقائع القادمة فقط.
ويشير رمزي إلى أن العقوبات المقترحة في القانون، من عدم مباشرة الحياة السياسية مدى الحياة أو الغرامات المالية؛ هي ضعيفة ولا تحقق الردع المطلوب لكل من تسول له نفسه بعد ذلك في الإقدام على نفس الجرائم.
ويحدد رمزي عدة عقبات يواجهها المشروع عند سن قوانين تتعلق بالعدالة الإنتقالية وجرائم الفساد، حيث أنه على مر العصور لم يضع المشروعون تعريفًا واضحًأ ومحددًا للجريمة السياسية، وبالتالي لا يمكن تحديد أركانها، ''وهو ما يجب أن ينظر إليه المشرع في الفترة القادمة''.
ويرى عبدالله خليل إننا أمام ''معضلة'' في قانون العدالة الإنتقالية، حيث أنة لا يمكن استيراد قوانين من دول سبقتنا في تجربة العدالة الانتقالية، أو اقتباس قوانين من عدة دول لخلق قانون جديد، موضحًا ''كل تجربة تخص مجتمع محلي معين، وتختلف تشريعاتها حسب سياقها فلا يوجد ما يسمي بالتشريع الموحد للعدالة الانتقالية''.
ويشير خليل إلى أن عمل قانون جديد دون النظر في خصوصية الوضع المحلي المصري '' يؤدي الي ميلاد قانون مشوة يشكل عبء على الدولة والعدالة أكثر من أنه أحد أدوات تحقيقها.. وأي قانون يصدر بشكل فوقي يكون مصيرة الفشل ويطول من زمن الفترة، ولابد من مشاورات مجتمعية تمثل طبقات المجتمع بحق''.
ويحدد الباحث في العدالة الإنتقالية، والقيادي بحزب التحالف الشعبي الديمقراطي، سيد أبوالعلا، أركان العدالة الانتقالية، في 4 أركان رئيسية يشكل وجودهم تحقيق العدالة الإنتقالية، الأول يتمثل في كشف الحقيقة وهي إعلان من هم المجرمون أمام الشعب والجرائم التي ارتكبوها بحقهم، والثاني في تحقيق العدالة وتطبيق مبدأ المحاسبة لكل من أفسد الحياه السياسية أو ارتكب جرائم فساد سياسي.
ويتمثل الركن الثالث من تحقيق العدالة الانتقالية، في جبر الضرر، الذي يتمثل في ركنيه المادى والمعنوي بالتعوضيات المالية أو الرمزية والمعنوية، ويتمثل الرابع في ضمانات عدم التكرار.
واعتبر أبو العلا، أن ركن ضمانات عدم التكرار هي أهم ركن في تحقيق العدالة الإنتقالية لضمان عدم تكرار هذه الحوادث مرة أخرى في المستقبل، مشددًا على أهمية محاكمة من كان على رأس الحياه السياسية وارتكب جرائم بحق الشعب المصري.
ويستشهد عبد الله خليل، الذي أشرف على تقييم التجربة التونسية في العدالة الانتقالية لصالح الأمم المتحدة، بالتجربة في تونس، شارحًا ''أحدثت المشاورات التونسية على الدستور جدلًا واسعًا أثناء الحوار المجتمعي، ولكنهم في النهاية توافقوا على وضع مادة في الدستور لاتخاذها مصدر للتشريع تتيح محاكمة المتهمين في قضايا الإفساد السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان، وهي ما كانت ليست في قانون العقوبات التونسي''.
ومن جانبه، قال المستشار إبراهيم الهنيدي وزير العدالة الانتقالية، إن قيام الوزارة بإعداد مشروع قانون حول مفوضية العدالة الانتقالية يأتي التزاما بالدستور المصري الصادر في 18 يناير 2014 والذي تضمن في المادة 241 منه التزام الدولة بإصدار قانون للعدالة الانتقالية في أول دور انعقاد لمجلس النواب بعد نفاذ الدستور .
وأكد الوزير في بيان صحفى اليوم الاثنين، أن المختص دستورياً بإصدار هذا القانون هو مجلس النواب، وهذه ضمانة تعكس فهماً واضحاً من واضعي الدستور لطبيعة هذا القانون الذي لا يضمن نجاح تطبيقه إلا أن يكون قد تم وضعه من ممثلي الشعب، موضحاً انه لا صحة لوجود نية لدى الوزارة في اصداره أو امكانية قيام الوزارة أو الحكومة بذلك قبل انعقاد البرلمان.
وأضاف الهنيدي أن اركان العدالة الانتقالية وفقاً للمعايير الدولية واضحة ومستقرة، وهي كشف الحقيقة، والمحاسبة، وتعويض الضحايا، والمصالحة الوطنية، لافتا إلى أن الحكومة قامت بدراسة التجارب الدولية المقارنة، فى قوانين العدالة الانتقالية وأعدت مشروع قانون ينظم هذه العناصر بما يتفق وواقع المجتمع المصري، واقترحت في المشروع إنشاء جهاز متخصص كأحد الاجهزة المستقلة للقيام بهذا الدور .
وأوضح أنه فيما يتعلق بتحقيق ركن المحاسبة، فقد اجتهدت الوزارة في مشروع القانون المقترح منها (والذي لا يزال قيد الاستكمال ) بوضع أكبر عدد من البدائل الممكنة أمام المشرع ليتخير منها من يشاء بما يناسب ظروف وأوضاع البلاد وقت وضع القانون، مؤكدا أن البدائل المقترحة من الوزارة لتحقيق ركن المحاسبة في إطار منهج العدالة الانتقالية أربعة هي : تحقيق المحاسبة من خلال الجرائم المنصوص عليها بالفعل والمحاكم الجنائية العادية وفقاً للإجراءات المعتادة في القوانين العقابية وكذلك العمل تحقيق المحاسبة من خلال آليات قانون افساد الحياة السياسية القائم والمعمول به عن طريق محاكم الجنايات .
وأشار إلى انه من ضمن البدائل ايضا تحقيق المحاسبة عن طريق آليات قانون افساد الحياه السياسية ولكن من خلال انشاء دوائر متخصصة مع تعديل العقوبات لتصبح عقوبات سياسية محضة أو عن طريق تنظيم لجان العفو مقابل الاعتراف الكامل، هذا ويتضمن كل بديل من هذه البدائل مجموعة النصوص المقترحة في شأنه.
وشدد الهنيدى على أن جميع البدائل التي اقترحتها وزارة العدالة الانتقالية في المشروع الجاري اعداده تراعى ما ورد في الدستور من مبادئ وأحكام، خاصة عدم جواز التجريم بأثر رجعي، ومبادئ المساواة، والعدالة والانصاف في الاجراءات وغيرها .
وتابع أن وزارة العدالة الانتقالية سوف تقوم من خلال الاجراءات الدستورية المقررة بعرض ملف متكامل على مجلس النواب القادم فور تشكيلة يتضمن جميع الدراسات التي قامت بها، ومشروع القانون المقدم منها وما يتضمنه من بدائل متعددة تهدف إلى توسيع مساحة الرؤية ، ومشروعات القوانين الأخرى المقترحة من جميع الجهات والأشخاص المهتمين بالمسألة.
وأكد أن القول الفصل في مشروع قانون العدالة الانتقالية بيد الشعب من خلال ممثليه في مجلس النواب، ويستطيع البرلمان الأخذ بما انتهت اليه الوزارة، كله أو بعضه، أو أن يضع مشروعاً جديداً، باعتباره في النهاية صاحب الاختصاص الاصيل بالتشريع.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة للاشتراك ...اضغط هنا
فيديو قد يعجبك: