دراسة: قدماء المصريين عرفوا احترام "الآخر" وثقافة المواطنة قبل آلاف السنين
الأقصر - (د ب أ)
أكدت دراسة تاريخية أن صور الوحدة الوطنية التي تتجلى في ازدحام الكنائس المصرية بآلاف المسلمين الذين يتوافدون عليها لمشاركة الأقباط أفراحهم وأحزانهم، هي واحدة من صور الوحدة الوطنية التي عرفتها مصر القديمة قبل آلاف السنين.
وأوضحت دراسة الباحثة منى توفيق أبوهشيمة أن النصوص الفرعونية ومؤلفات علماء المصريات رصدت كيف حارب قدماء المصريين الطائفية وكيف حرص حكامهم على الحفاظ على الوحدة الوطنية للبلاد.
وأشارت الدراسة ، الصادرة عن حركة رائدات المستقبل وأشرفت عليها ناهد عبد الحميد رئيسة الحركة، إلى أن الفراعنة عرفوا احترام "الآخر" قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام، وأنهم عرفوا قيم التسامح وثقافة المواطنة، وأن مصر لم تعرف ما يسمى بالضد أو النقيض عبر تاريخها ولكن عرفت ما يسمى الوئام.
وذكرت أن مصر منذ فجر التاريخ تعودت أن تنظر للأشياء نظرة واعية مبتكرة تقوم على فلسفة خاصة ونظام خلاق وهو وحدة المفردات، فلكل مفردة حقها الخاص بها ولكن الجميع يشكل في النهاية نموذجا مثاليا لوطن الوحدة ووحدة الوطن. وقد كان قدماء المصريين يعتقدون أن المجتمع المثالي على الأرض صورة مطابقة للنظام السماوي الأعلى.
واسترجعت أنه منذ أكثر من 5300 عام، قام الملك نارمر بتوحيد شقي مصر وهما مملكة الشمال ذات التاج الأحمر ورمزها نبات البردي ومملكة الجنوب ذات التاج الأبيض ورمزها نبات اللوتس، فيقوم بإدماج التاجين في تاج واحد يسمى "بشنت" وعقد الوحدة بين نباتي اللوتس والبردي.
وقالت الباحثة أبوهشيمة إن "من أجمل ما عبر به المصري عن وحدة بلاده ووحدة مفرداته وكيفية جعل الثنائية وحدة واحدة هو ما نقش بالحفر الغائر على جوانب عشرة تماثيل للملك سنوسرت الأول (الأسرة 12-1971-1928ق م) بمعبده الجنائزي في اللشت الأثرية بالجيزة، حيث يوجد في منتصف المنظر عبارة عن رئتين تخرج منهما القصبة الهوائية في نهايتها خرطوش الملك سنوسرت الأول، بينما يعقد كل من حورس إله الشمال وست إله الجنوب نباتي اللوتس والبردي اللذين يمثلان الوجهين البحري والقبلي، والعجيب أن الرئتين لم يستخدما كلفظ يدل على كلمة رئتين فقط وإنما كذلك يمثلان اللفظ "وحد" لذا صارت كلمة "رئتين" ورمزها الهيروغليفي المكون الأساسي عندنا يقصد موضوع توحيد المملكة".
وأضافت أن "مصر ظلت وطن الوحدة والبلد الذي يصبغ المفردات بمصريته طوال آلاف السنين، وهذه ميزة لا توجد في بلد إلا مصر ، فمصر هي البوتقة ولوحة الفسيفساء والنسيج الواحد والأم الحانية"، مشيرة إلى أن "ذلك هو الاندماج والوئام الذي يؤدى إلى توحيد جميع المفردات في واحدة كبرى هي مصر، مع احتفاظ كل مفردة بخصائصها واحترام ذلك من قبل المفردات الأخرى".
وذكرت الدراسة أن الأعجب من ذلك هو "اشتراك جميع ملوك مصر القديمة في لقب واحد هو ملك الوجهين القبلي والبحري، وفى هذا اللقب يكمن تعبير قوى عن الوحدة: إنهما وجهان ولكن يمثلهما شخص واحد كوجهي العملة الواحدة، لو لم تكن بوجهين مختلفين لما صارت عملة إن أدرتها من أي أوجهها عرفت ماهيتها، فكل وجه منها ينبئ عن الآخر لأنها وحدة واحدة".
فيديو قد يعجبك: