التعليم المجتمعي.. تأهيل لسوق العمل أم ضياع للهوية الوطنية وضد الدولة؟
كتبت- ياسمين محمد:
هل يعتبر التعليم وظيفة أساسية من وظائف الدولة، أم أنه مهمة المجتمع؟.. هذا السؤال يُثار في ذهن الكثيرين، وسط مطالبة للدولة بتوفير المدارس وإعداد المناهج المتطورة التي تساهم في تطوير شخصية الطفل لتجعل منه في المستقبل وحدة بناء جيدة لمجتمع قوى.
في مقابل ذلك، يرى البعض أن التعليم في الأساس وظيفة المجتمع، وإذا نظرنا إلى العصور الماضية سنجد أن ''الكُتّاب'' كان مدرسة، دون تنظيم من الدولة ولا رقابة على المناهج، فقط من يريد أن يتعلم عليه أن يذهب إلى الكُتّاب ليحفظ القرآن الكريم، ويتعلم قواعد اللغة العربية وبعض المسائل الرياضية، وذلك قبل الاتجاه إلى إنشاء المدارس النظامية وتحويل التعليم إلى ''إجباري''، وتحديد المناهج والرقابة عليها من قبل الدولة.
ومع تراجع دور الدولة في الاهتمام بالتعليم، وانتقاد للنظم التعليمية في مصر، من حيث المطالبة بتطوير المدارس وتعديل المناهج، بدأ الكثير من أفراد المجتمع يتجهون مرة أخرى للتعليم المنزلي، وعادوا يتذكرون ''الكُتّاب''، كما نشأ نوع جديد من التعليم يسمى بـ''التعليم المنزلي''.
الكُتّاب أفضل
يقول يحيى سيد الطالب بكلية التجارة جامعة القاهرة، إنه التحق بالكُتّاب منذ أن كان في الرابعة من عمره ولا يزال ملتحقاً به حتى الآن، موضحاً أن حفظه للقرآن وتعلمه قواعد اللغة العربية بالكُتّاب في عمر مبكر، جعله متمكناً من لغته بشكل أكبر، ومتفرداً عن زملائه المماثلين له في العمر ولكنهم لم يلتحقوا بالكتاب.
يوضح يحيى سيد أن القرآن الكريم يتضمن 77 ألف كلمة، يحصلهم الطالب منذ نعومة أظافره، مما يجعل لديه حصيلة لغوية جيدة، ويوسع مداركه، بالإضافة إلى أن مرافقة الطالب للشيخ تجعله يتعلم منه الأخلاق إلى جانب العلم.
ويؤكد يحيى أن الدولة إذا أعادت نظام الكُتّاب وقننته، سيقوم بإلحاق أبنائه به بدلاً من المدرسة، التي يراها فقدت دورها المنوط بها، مشيراً إلى أن الطلاب يحتاجون إلى علم آخر إلى جانب العلم الذي تقدمه المدارس والجامعات حتى يتمكنون من التأهل إلى سوق العمل.
وعلى الرغم من قبول يحيى لنظام الكُتّاب وكذلك التعليم المنزلي، إلا أنه لا ينصح بالالتحاق بهما بشكل مستقل عن التعليم النظامي الذي تنظمه الدولة، وذلك بسبب القوانين التي تنظم المجتمع، والتي ستعتبر الملتحق بأنظمة التعليم المجتمعي ''أمي''، لا يمكنه الحصول على عمل، ولا يعامل معاملة خريجي المؤهلات العليا ولو كان يمتلك الكثير من العلم والخبرة.
التعليم المنزلي
يعتبر التعليم المنزلي نظاماً يتلقاه الطفل في المنزل، ليس له أماكن محددة للدراسة كالمدرسة، حيث يقوم الآباء بدور المعلم للأطفال فرادى أو في مجموعات.
هذا التعريف، الذي تضعه مؤسسة ابن خلدون للتعليم المنزلي، والتي تدعم هذا النوع من التعليم في الوطن العربي من الناحية العلمية والأكاديمية وتقدم الدعم اللازم للآباء والأطفال المتعلمين منزليًا.
وترى تلك المنظمة أن المدارس عبارة عن احتكارات تديرها الدولة، وأن المدارس السيئة لا يتم إغلاقها، لأنها ممولة بنقود دافعي الضرائب الإلزامية، والمدرسون غير الأكفاء أو دون المتوسط لا يتم رفدهم، لأنهم محميون بقوانين الإقطاع.
لهذا تؤكد تلك المؤسسة أن نظام التعليم بالمدارس لن يتحسن، وستظل تهدر أعمال الأطفال الثمينة، وذلك حسب وصفها عبر الموقع الالكتروني الخاص بها.
وترى مؤسسة ابن خلدون أيضاً، أن التعليم المنزلي وسيلة لدعم حرية الأسرة في اختيار الطرق الأنسب لتعليم أطفالهم وتشجيعهم على اختيار من يحبون، والحفاظ على حرية أرواحهم وانطلاقاتهم في استكشاف العالم المحيط، موضحة أن هذا النظام ليس جديداً بل عرفه العالم منذ أكثر من 70 عاماً، والتحق به ما يزيد عن 2 مليون طفل.
رقابة الدولة ضرورية
في مقابل الأصوات التي تنادي بالالتحاق بأنظمة التعليم الأهلية، التي ينظمها المجتمع، تظهر أصوات أخرى تقول إن التعليم قضية وطن، لذا لا بد أن يكون له استراتيجية وأهداف تحددها الدولة والسلطة السياسية، وتراقب عليها حتى لا تظهر أنظمة تعليم أهلية تفتت الهوية الوطنية وتعمل ضد الدولة.
من هؤلاء، أيمن البيلي، الناشط النقابي وأحد مؤسسي نقابة المعلمين المستقلة، حيث يرى أن الأجيال لا بد أن تتلقى قاعدة معلومات ثابتة عن المجتمع، ولا بد من الرقابة المشددة على كافة أنظمة التعليم من قبل الدولة، موضحاً أنه ليس معنى رفضنا للنظام التعليمي في مصر من حيث الجودة، أن نترك ''الحبل على الغارب'' للتعليم الأهلي الذي قد يتسبب تدمير المجتمع بدلاً من إصلاحه، في حالة إذا عمل التعليم الأهلي ضد أهداف الدولة الاستراتيجية.
ورأى البيلي، خلال تصريحه لمصراوي، أن التعليم المنزلي يجعل من الطفل شخصاً منطوياً، مختلفاً عن نظرائه، فالهدف من المدرسة ليس فقط تلقي المعلومات، ولن ترتيب العقل، وتكوين ذاكرة معلوماتية، وخلق كائن اجتماعي له منهج في العلاقات الاجتماعية.
ومع ذلك، أوضح البيلي، أن ظهور أنظمة التعليم المجتمعي، تعتبر رد فعل لاتجاه الدولة للتخلي عن دورها، حيث أطلقت العنان للقطاع الخاص، والدروس الخصوصية، مما جعل المدرسة الحكومية ما هي إلا كتلة خرسانية، لا تقوم بواجبها المنشود، الأمر دفع أولياء الأمور للبحث عن طرق بديلة لتعليم أبنائهم.
وأشار البيلي إلى أن ما يجب فعله هو تصحيح مسار التعليم الحكومي عن طريق تعديل البنى التشريعية الحاكمة لكافة أشكال التعليم بما فيها التعليم المجتمعي بحيث يخضع لرقابة الدولة.
التعليم الأهلي يفتت المجتمع
يؤكد الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ بكلية الآداب جامعة حلوان، أن النظام الأمثل للتعليم ليس له علاقة بشكله أو بالإشراف عليه، ولكن له علاقة بنوعية المناهج التي يجب أن توافق فكر الطلاب، وأساليب التدريس التي توضح لهم المعلومات.
وأوضح الدسوقي في تصريحات لمصراوي، أن الكُتّاب قديماً كان يقتصر على تحفيظ الطلاب القرآن، وبعض الحساب فقط، بالنسبة للمسلمين، ونفس الأمر بالنسبة للمسيحيين واليهود على اختلاف العقائد، مشيراً إلى أن التعليم المدني الذي يهتم ببقية العلوم، وعرفته مصر في عهد محمد علي الذي أنشأ المدارس النظامية، لدراسة العلوم مجاناً، ووفر الوظائف للمتعلمين بعد ذلك.
وأضاف الدسوقي أن الاستعمار من تسبب في ظهور أنظمة التعليم الأهلية، حيث حول الانجليز عند احتلالهم مصر التعليم المجاني إلى تعليم برسوم، مما أدى إلى نشوء الجمعيات الأهلية التي ينشئها الأغنياء ليتعلم بها الفقراء، فالمسلون قاموا بعمل الجمعية الإسلامية الأهلية، والمسيحيون أنشأوا الجمعية القبطية، وكذلك أبناء الانجليز الذين لم يقبلون بالتعليم الحكومي أنشأوا لهم تعليماً خاصاً، مما حول الدولة إلى جمعيات وفئات تنقسم بين ''مسلمين – مسيحين – يهود – أجانب''، الأمر البعيد تماماً عن هدف التعليم بالنسبة للدولة.
ولفت الدسوقي إلى أنه بدلاً من خلق أنظمة متعددة للتعليم تؤدي إلى تفتت المجتمع، يمكن الإشارة إلى قصور التعليم النظامي، والبحث عن سبل تقويمه، وعلاج عيوبه وإكمال ما به من نقص، وفي حالة السماح بالأنظمة الأهلية، يشترط أن يعمل الجميع في ظل نظام وهدف واحد
فيديو قد يعجبك: